199
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

( 2)

خيانة الخواصّ وتبعيّة العوام

لقد كان لرؤساء القبائل في العهد العلوي الدور الأبرز في اتّخاذ القرار ، والتأثير على أغلبيّة الجمهور . ولم تؤتِ جهود الإمام ثمارها المرجوّة على صعيد الارتقاء بهؤلاء فكريّاً ، من خلال تصحيح نظرتهم إلى الحقّ ، بحيث يعرفون الحقّ بمعيار الحقّ ، لا بمعيار الرجال الذين يَكنّون لهم الاحترام ۱ .
لقد صارت هذه الأجواء ـ التي تقف حائلاً صلباً دون تحقّق الإصلاحات الأساسيّة ـ تلقي في نفس الإمام الألم والمضاضة .
وممّا جاء عن الإمام في تحليل هذا الفضاء الاجتماعي الذي يبعث على الملالة ، قوله عليه السلام : «النّاسُ ثَلاثَةٌ : فَعالِمٌ رَبّانِيٌّ ، ومُتَعَلِّمٌ عَلى سَبيلِ نَجاةٍ ، وهَمَجٌ رَعاعٌ ؛ أتباعٌ كُلِّ ناعِقٍ ، يَميلونَ مَعَ كُلِّ ريحٍ ، لَم يَستَضيئوا بِنورِ العِلمِ ، ولَم يَلجَؤوا إلى رُكنٍ وَثيقٍ» ۲ .
يقسّم هذا النص العلوي الناسَ في انتخاب طريق الحياة إلى ثلاثة أقسام ، هي :
القسم الأوّل : العلماء الذين عرفوا طريق الحياة الصحيح ، حيث يطلق الإمام على هؤلاء وصف «العالم الربّاني» .
القسم الثاني : هم ذلك الفريق من الناس الذي يسعى لمعرفة الطريق الصحيح ، ويتحرّك باتّجاه معرفة الحقّ ، وهؤلاء في الوصف العلوي «متعلّمون على سبيل

1.راجع : ج ۲ ص ۴۲۵ (الالتزام بالحقّ في معرفة الرجال) .

2.نهج البلاغة : الحكمة ۱۴۷ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
198

( 1)

تضادّ الإرادات

يبرز السبب الأوّل في ابتعاد الناس عن الإمام بذلك الاختلاف الأساسي الذي ظهر بين الرؤى ، والتضادّ المبدئي الذي حصل بين دوافع القوم وأهدافهم ؛ فلم يكن دافع أغلب الذين ثاروا على عثمان ـ لاسيما بعض قادة الحركة مثل طلحة والزبير ـ هو إعادة المجتمع إلى سيرة النبيّ وسنّته ، واستئناف القيم الإسلاميّة الأصيلة ، بل كان الباعث على ذلك هو ضجر هؤلاء من الاستئثار القبلي والحزبي الذي مارسه بنو اُميّة وفي طليعتهم عثمان . وبذلك لم يكن هدف هؤلاء من قتل عثمان ومبايعة الإمام علي عليه السلام يتخطّى هذه النقطة ، حيث لبثوا بانتظار حلّ الإمام لهذه المشكلة .
أمّا الإمام ، فقد كان له في قبول الحكم هدف وباعث آخر ، فقد كان يهدف من وراء الاستجابة أن يعيد المجتمع إلى سيرة النبيّ صلى الله عليه و آله وسنّته ، ويبادر إلى إحياء القيم الإسلاميّة ، ويطلق حركة إصلاحيّة عميقة وواسعة في المجتمع والدولة تطال جميع المرافق الإداريّة والثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والقضائيّة .
وخلاصة الكلام أنّ مطامح الجمهور كانت شخصيّة ، وما يريده الإمام كان إلهيّاً . فبينما كانت الناس تدور حول منافعها الشخصيّة ، كان الإمام يسعى إلى استئناف القيم الإسلاميّة وتطبيقها . وهذا ما أشار إليه بقوله عليه السلام : «ولَيسَ أمري وَأمرُكُم واحِدَاً ؛ إنّي اُريدُكُم للّهِِ ، وأنتُم تُريدونَني لِأَنفُسِكُم» . ۱
في أجواء كهذه ، عندما لمس الناس أنّ الإمام لا يتواءم وإيّاهم في الهدف ، راحوا يتخلّون عن مساندته . ثمّ بمرور الزمان ، وكلّما اتّضحت دوافع الإمام في العمل أكثر راح تأييد الناس يتضاءل ، وتتّسع الفجوة بينهم وبين الإمام .

1.الإرشاد : ج ۱ ص ۲۴۳ ؛ المعيار والموازنة : ص ۱۰۵ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 165206
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي