205
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

واتّباع العوامّ الحكومةَ الإسلاميّة إلى مصير مماثل لما انتهت إليه النهضات السابقة .
وعند هذه النقطة راح الإمام يدقّ أجراس الخطر بصراحة ، وهو يتمّ الحجة على الخواصّ والعوامّ معاً ، بقوله لهم : «ألا وإنَّكُم قَد نَفَضتُم أيدِيَكُم مِن حَبلِ الطّاعَةِ ، وثَلَمتُم حِصنَ اللّهِ المَضروبَ عَلَيكُم ، بِأَحكامِ الجاهِليَّةِ . . . وَاعلَموا أنَّكُم صِرتُم بَعدَ الهِجرَةِ أعراباً ، وبَعدَ المُوالاةِ أحزاباً ؛ ما تَتَعَلَّقونَ مِنَ الإِسلامِ إلّا بِاسمِهِ ، ولا تَعرِفونَ مِنَ الإيمانِ إلّا رَسمَهُ . . . ألا وإنَّكُم قَد قَطَعتُم قَيدَ الإِسلامِ ، وعَطَّلتُم حُدودَهُ ، وأمَتُّم أحكامَهُ» ۱ .

1.نهج البلاغة : الخطبة ۱۹۲ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
204

الجاهليّة ، وعن التكبّر ، فقال عليه السلام : «فَأَطفِئوا ما كَمَنَ في قُلوبِكُم مِن نيرانِ العَصَبِيَّةِ ، وأحقادِ الجاهِلِيَّةِ ، فَإِنَّما تِلكَ الحَمِيَّةُ تَكونُ فِي المُسلِمِ مِن خَطَراتِ الشَّيطانِ ، ونَخَواتِهِ ، ونَزَعاتِهِ ، ونَفَثاتِهِ . وَاعتَمِدوا وَضعَ التَّذَلُّلِ عَلى رُؤوسِكُم ، وإلقاءِ التَّعَزُّزِ تَحتَ أقدامِكُم ، وخَلعَ التَّكَبُّرِ مِن أعناقِكُم» .

تحذير للعوام

وفي إدامة خطابه راح الإمام يركّز بكثافة على جماهير الناس ، وهو يحذّرها من السادة والكبراء ، فلو أنّ اُولئك لم ينثنوا عن علوّهم وتكبّرهم فلا ينبغي للجمهور أن يتّبعهم ، ويكون أداة يستغلّها الكبراء في تحقيق أهدافهم اللامشروعة .
ثم ألفتَ نظر الجماهير إلى أن جميع الفتن وضروب الفساد تنبع من تلكم الرؤوس فقال : «ألا فَالحَذَرَ الحَذَرَ مِن طاعَةِ ساداتِكُم وكُبَرائِكُمُ الَّذينَ تَكَبَّروا عَن حَسَبِهِم ، وتَرَفَّعوا فَوقَ نَسَبِهِم . . . ؛ فَإِنَّهُم قَواعِدُ العَصَبِيَّةِ ، ودَعائِمُ أركانِ الفِتنَةِ . . . وهُم أساسُ الفُسوقِ ، وأحلاسُ العُقوقِ ، اتَّخَذَهُم إبليسُ مَطايا ضَلالٍ ، وجُنداً بِهِم يَصولُ عَلَى النّاسِ» .
وبعد أن انتهى الإمام من بيان عدد من المقدّمات الضروريّة في هذا المجال ، انعطف إلى بحث أخلاقي سياسي مهمّ ، وهو يتحدث عن الامتحانات الإلهيّة الصعبة ودورها في تربية الإنسانيّة ، فقد أكّد أنّ فلسفة ما يلاقيه الإنسان من ضروب المحن والمصائب وما يعانيه من مشاقّ الحياة ، هي عين حكمة الصلاة والصوم والزكاة ، حيث أنّها تهدف أيضاً إلى بناء الإنسان معنويّاً ، وتزكيته من الرذائل الخلقيّة ، بالأخصّ الأثرة والكبر والغرور .
ثم دعا الناس أن يعتبروا بمصير النهضات الدينيّة التي سبقت الإسلام ، وما آلت إليه من انكسار إثر الفرقة والاختلاف ، فحذّرهم أن لا يجرّ كِبرُ الخواصّ وعلوّهم

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 169378
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي