207
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

بِما يَعمَلُونَ خَبِيرٌ .
فَأَجَابَهُ عَلِيٌ عليه السلام ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأثنى عَلَيهِ ، وَقالَ : أمّا مَا ذَكَرتَ مِن عَمَلِنا وَسِيرَتِنا بِالعَدلِ ، فَإِنَّ اللّهَ يَقُولُ : «مَّنْ عَمِلَ صَــلِحًا فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَ مَا رَبُّكَ بِظَـلَّـمٍ لِّلْعَبِيدِ»۱ وَأَنَا مِن أن أكُونَ مُقَصِّراً فيما ذَكَرتَ أخوَفُ .
وَأمّا مَا ذَكَرتَ مِن أنَّ الحَقَّ ثَقُلَ عَلَيهِم فَفارَقُونا لِذلِكَ ، فَقَد عَلِمَ اللّهُ أنَّهُم لَم يُفارِقُونا مِن جَورٍ ، وَلَم يُدعَوا إذ فارَقُونا إلى عَدلٍ ، وَلَم يَلتَمِسُوا إلّا دُنَياً زَائِلَةً عَنهُم كَأَن قَد فَارَقُوها ، وَلَيُسأَلُنَّ يَومَ القِيَامَةِ : ألِلدُّنيا أرادُوا أم للّهِِ عَمِلُوا؟
وَأَمَّا مَا ذَكَرتَ مِن بَذلِ الأَموالِ وَاصطِناعِ الرِّجَالِ ، فَإِنّا لا يَسَعُنا أن نُؤتِيَ أمرَأً مِنَ الفَيءِ أكثَرَ مِن حَقِّهِ ، وَقَد قَالَ اللّهُ وَقُولُهُ الحَقُّ : «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّـبِرِينَ»۲ .
وَبَعَثَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله وَحدَهُ فَكَثَّرَهُ بَعدَ القِلَّةِ ، وَأعَزَّ فِئَتَهُ بَعدَ الذِّلَّةِ ، وَإن يُرِدِ اللّهُ أن يُوَلِّينَا هذَا الأَمرَ يُذَلِّل لَنَا صَعبَهُ ، وُيُسَهِّل لَنَا حَزنَهُ ۳ . وَأَنا قابِلٌ مِن رَأيِكَ مَا كَانَ للّهِِ رِضَىً ، وَأنتَ مِن آمِنِ أصحابِي ، وَأوثَقِهِم فِي نَفسِي ، وَأنصَحِهِم وَأَرآهُم عِندِي ۴ .
2 ـ وفي الكتاب نفسه روى عن ربيعة وعمّارة ما نصّه : إِنَّ طائِفَةً مِن أصحابِ عَلِيٍ عليه السلام مَشَوا إلَيهِ فَقالُوا : يا أمِيرَ المُؤمِنينَ ، أعطِ هذِهِ الأَموالَ ، وَفَضِّل هؤُلاءِ الأَشرافَ مِنَ العَرَبِ وَقُرَيشَ عَلَى المَوالِيِّ وَالعَجَمِ ، وَمَن تَخافُ خِلافَهُ مِنَ النّاسِ وَفِرارَهُ . قالَ : وَإنَّما قالُوا لَهُ ذلِكَ لِلَّذِي كانَ مُعاوِيَةُ يَصنَعُ مَن أَتاهُ .

1.فصّلت : ۴۶ .

2.البقرة : ۲۴۹ .

3.الحَزْن : المكان الغليظ الخشن (النهاية : ج۱ ص۳۸۰) .

4.الغارات : ج۱ ص۷۱ ؛ شرح نهج البلاغة : ج۲ ص۱۹۷ عن فضيل بن الجعد .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
206

( 3)

العدالة في التوزيع

تكمن إحدى أهمّ أسباب ابتعاد الخواصّ عن الإمام والتفاف العوام حوله بسياسة العدالة الاقتصاديّة .
لطالما حضّ المقرّبون إلى الإمام أن يغضّ الطرف عن هذا النهج ، ليستحوذ على ولاء رؤساء القبائل ، ويستقطب إليه نفوذ الشخصيّات البارزة من خلال منحهم مزايا ماديّة خاصّة . بيدَ أنّ الإمام كان يرى أنّ هذا العرض يتنافى مع اُصول الحكم العلوي ، ويتعارض مع مرتكزاته ، ومن ثمّ فإنّ العمل به معناه أن ينفض الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يديه عن أهداف الحكم الإسلامي ، ويتخلّى عن غاياته . لذلك لم يُبدِ استعداداً لقبوله .
فيما يلي أمثلة لهذه العروض مقرونة بجواب الإمام عليها :
1 ـ جاء في كتاب الغارات : شَكَا عَلِيٌّ عليه السلام إلَى الأشتَرِ فِرارَ النّاسِ إلى مُعاوِيَةَ ، فَقالَ الأشتَرُ : يا أمِيرَ المُؤمِنينَ ، إنّا قَاتَلنَا أهلَ البَصرَةِ بِأَهلِ البَصرَةِ وَأَهلَ الكُوفَةِ ، وَالرَّأيُ وَاحِدٌ ، وَقَد اختَلَفُوا بَعدُ ، وَتَعادَوا ، وَضَعُفَتِ النِّيّةُ ، وَقَلَّ العَدلُ ، وَأنتَ تَأخُذُهُم بِالعَدلِ ، وَتَعمَلُ فِيهِم بِالحَقِّ ، وَتُنصِفُ الوَضِيعَ مِنَ الشَّريفِ ، وَلَيسَ لِلشَّريفِ عِندَكَ فَضلُ مَنزِلَةٍ عَلَى الوَضِيعِ ، فَضَجَّت طائِفَةٌ مِمَّن مَعَكَ عَلَى الحَقِّ إذ عُمُّوا بِهِ ، وَاغتَمُّوا مِنَ العَدلِ إذ صارُوا فيهِ ، وَصارَت صَنائِعُ مُعاوِيَةَ عِندَ أهلِ الغِنى وَالشَّرَفِ ، فَتاقَت أنفُسُ النَّاسِ إلَى الدُّنيا ، وَقَلَّ مِنَ النّاسِ مَن لَيسَ لِلدُّنيا بِصاحِبٍ ، وَأكثَرُهُم مَن يَجتَوي الحَقَّ ، وَيَستَمرِي الباطِلَ ، وَيُؤثِرُ الدُّنيا . فإن تَبذُلِ المَالَ يا أمِيرَ المُؤمِنينَ تَمِل إلَيكَ أعناقُ النّاسِ ، وَتَصفُ نَصِيحَتُهُم ، وَتَستَخِلص وُدُّهم . صَنَعَ اللّهُ لَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وَكَبَتَ عَدُوَّكَ ، وَفَضَّ جَمعَهُم ، وَأوهَنَ كَيدَهُم ، وَشَتَّتَ اُمورَهُم ، إنَّه

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 165260
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي