209
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

( 4)

تجنّب القوّة في إجراء الأحكام

المدرسة الاُمويّة ترى أنّ الهدف يوجّه الوسيلة ، بحيث يستطيع السياسي أن يستفيد من الأدوات اللامشروعة في سياساته وبرامجه وأوامره . ومن ثمّ فإنّ القائد ليس له أن يضلّل الجمهور بلغة التطميع فحسب ، بل له أيضاً أن يفرض نفسه عليه عبرَ استخدام لغة التهديد والتوسّل بالقوّة .
ولقد استطاع معاوية من خلال توظيف هذه السياسة أن يحافظ على التفاف الناس حوله . وربما كان يستطيع أن يحافظ على المصالح الوطنيّة للشام من خلال هذا النهج .
بيد أن الأمر يختلف في المدرسة العلويّة التي لا تُجيز توظيف الأدوات غير المشروعة في تنفيذ السياسات المطلوبة ؛ وعندئذ لا يستطيع القائد أن يتوسّل بلغة التطميع لتنفيذ الحكم ، كما لا يستطيع أن يستخدم لغة التهديد مع الناس .
وعلى هذا الأساس لم يكن الإمام عليه السلام على استعداد أن يجبر الناس على طاعته بالقوّة ؛ فعندما أجبره الجُند في حرب صفّين على إيقاف القتال والإذعان إلى التحكيم ، قال : «ألا إنّي كُنتُ أميرَ المُؤمِنينَ ، فَأَصبَحتُ اليَومَ مَأموراً ، وكُنتُ ناهِياً ، فَأَصبَحتُ مَنهِيّاً ، وقَد أحبَبتُمُ البَقاءَ ولَيسَ لي أن أحمِلَكُم عَلى ما تَكرَهونَ» ۱ .
على هذا الضوء لا يستطيع الحكم العلوي تحقيق مراميه الإصلاحيّة إلّا على أساس الاختيار الشعبي الحرّ لبرامج الإمام بهذا الشأن ، وإلّا فالإمام لا يرى نفسه

1.راجع : ج ۳ ص ۵۰۸ (الإمام في حصار أصحاب الجباه السّود) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
208

فَقالَ لَهُم عَلِيٌّ عليه السلام : أَتَأمُرونِي أَن أَطلُبَ النَّصرَ بِالجَورِ ؟ ! وَاللّهِ لا أَفعَلُ ما طَلَعَت شَمسٌ ، وَما لاحَ فِي السَّماءِ نَجمٌ . وَاللّهِ ، لَو كانَ ما لُهُم لِي لَواسَيتُ بَينَهُم ، فَكَيفَ وَإِنَّما هِيَ أموالُهُم ؟ ! ۱ .
3 ـ بعث سهل بن حنيف ـ والي الإمام على المدينة ـ رسالة إليه ، يخبره فيها أنّ جمعاً من أهل المدينة التحق بمعاوية . فكتب الإمام في جوابه :
«أمّا بَعدُ ، فَقَد بَلَغَني أنَّ رِجالاً مِمَّن قِبَلَكَ يَتَسَلَّلونَ إلى مُعاوِيَةَ ، فَلا تَأسَف عَلى ما يَفوتُكَ مِن عَدَدِهِم ، ويَذهَبُ عَنكَ مِن مَدَدِهِم ، فَكَفى لَهُم غَيّاً ولَكَ مِنهُم شافِياً فِرارُهُم مِنَ الهُدى وَالحَقِّ ، وإيضاعُهُم إلَى العَمى وَالجَهلِ ، وإنَّما هُم أهلُ دُنيا مُقبِلونَ عَلَيها ، ومُهطِعونَ إلَيها ، وقَد عَرَفُوا العَدلَ ورَأَوهُ ، وسَمِعوهُ ووَعَوهُ ، وعَلِموا أنَّ النّاسَ عِندَنا فِي الحَقِّ اُسوَةٌ ، فَهَربوا إلَى الأَثَرَةِ ، فَبُعداً لَهُم وسُحقاً!!
إنَّهُم ـ وَاللّهِ ـ لَم يَنفِروا مِن جَورٍ ، ولَم يَلحَقوا بِعَدلٍ ، وإنّا لَنَطمَعُ في هذَا الأَمرِ أن يُذَلِّلَ اللّهُ لَنا صَعبَهُ ، ويُسَهِّلَ لَنا حَزنَهُ ، إن شاءَ اللّهُ . وَالسَّلامُ» ۲ .

1.الغارات : ج۱ ص۷۴ ـ ۷۵ ؛ الأمالي للطوسي : ص۱۹۴ ح۳۳۱ .

2.نهج البلاغة : الكتاب ۷۰ ؛ أنساب الأشراف : ج۲ ص۳۸۶ وراجع تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۲۰۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 165234
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي