فِيَّ صِنفانِ : مُحِبٌّ مُفرِطٌ يَذهَبُ بِهِ الحُبُّ إلى غَيرِ الحَقِّ ، ومُبغِضٌ مُفرِطٌ يَذهَبُ بِهِ البُغضُ إلى غَيرِ الحَقِّ ، وخَيرُ النّاسِ فِيَّ حالاً النَّمَطُ الأَوسَطُ ، فَالزَموهُ ، وَالزَمُوا السَّوادَ الأَعظَمَ ، فَإِنَّ يَدَ اللّهِ مَعَ الجَماعَةِ ، وإيّاكُم وَالفُرقَةَ ؛ فَإِنَّ الشّاذَّ مِنَ النّاسِ لِلشَّيطانِ ، كَما أنَّ الشّاذَّ مِنَ الغَنَمِ لِلذِّئبِ .
ألا مَن دَعا إلى هذَا الشِّعارِ فَاقتُلوهُ ، ولَو كانَ تَحتَ عِمامَتي هذِهِ ، فَإِنَّما حُكِّمَ الحَكَمانِ لِيُحيِيا ما أحَيا القرآنُ ، ويُميتا ما أماتَ القُرآنُ ، وإحياؤُهُ الاِجتِماعُ عَلَيهِ ، وإماتَتُهُ الاِفتِراقُ عَنهُ . فَإِن جَرَّنَا القُرآنُ إلَيهِمُ اتَّبَعناهُم ، وإن جَرَّهُم إلَينَا اتَّبَعونا . فَلَم آتِ ـ لا أبا لَكُم ـ بُجرا ۱ ، ولا خَتَلتُكُم ۲ عَن أمرِكُم ، ولا لَبَّستُهُ عَلَيكُم ، إنَّمَا اجتَمَعَ رَأيُ ملَئِكُم عَلَى اختِيارِ رَجُلَينِ ، أخَذنا عَلَيهِما ألّا يَتَعَدَّيَا القُرآنَ ، فَتاها عَنهُ ، وتَرَكَا الحَقَّ وهُما يُبصِرانِهِ ، وكانَ الجَورُ هَواهُما فَمضَيا عَلَيهِ . وقَد سَبَقَ استِثناؤُنا عَلَيهِما ـ فِي الحُكومَةِ بِالعَدلِ ، وَالصَّمدِ لِلحَقِّ ـ سوءَ رَأيِهِما ، وجَورَ حُكمِهِما ۳ .
۲۷۱۱.التوحيد عن الأصبغ بن نباتة :لَمّا وَقَفَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام عَلَى الخَوارِجِ ، ووَعَظَهُم ، وذَكَّرَهُم ، وحَذَّرَهُم القِتالَ ، قالَ لَهُم : ما تَنقِمونَ مِنّي ؟ أ لا إنّي أوَّلُ مَن آمَنَ بِاللّهِ ورَسولِهِ ؟ !
فَقالوا : أنتَ كَذلِكَ ، ولكِنَّكَ حَكَّمتَ في دينِ اللّهِ أبا موسَى الأَشعَرِيَّ .
فَقالَ عليه السلام : وَاللّهِ ، ما حَكَّمتُ مَخلوقا ، وإنَّما حَكَّمتُ القُرآنَ ، ولَولا أنّي غُلِبتُ عَلى أمري وخولِفتُ في رِأيي لَما رَضيتُ أن تَضَعَ الحَربُ أوزارَها بَيني وبَينَ أهلِ حَربِ اللّهِ ، حَتّى اُعلِيَ كَلِمَةَ اللّهِ ، وأنصُرَ دينَ اللّهِ ، ولَو كَرِهَ الكافِرونَ وَالجاهِلونَ ۴ .
1.البُجر : الداهية والأمر العظيم (النهاية : ج۱ ص۹۷) .
2.ختله : خدعه وراوغه (النهاية: ج۲ ص۹) .
3.نهج البلاغة : الخطبة ۱۲۷ .
4.التوحيد : ص۲۲۵ ح۶ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۳۸۱ ح۶۱۰ .