273
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

استشهاده . وذلك لأنّ اختيار الشهادة مع العلم بوقتها وكيفيّتها يُعدُّ فضيلة لا يحتملها إلّا القادة الربانيّون الكبار وخواصّ أصحابهم .
ومع أنّني لم اُلاحظ أحدا تعرض لهذا الجواب ، ولكن يبدو أنّه أفضل ما يُمكن أن يُعلّل به عدم وقاية أئمّة أهل البيت أنفسهم من الشهادة ، مع علمهم بكيفيّتها ، وهو ممّا تؤيّده الأدلّة العقليّة والنقليّة ۱ . ولغرض تقديم مزيد من المعلومات للباحثين ، نورد فيما يلي نصَّ جواب الشيخ المفيد ، والعلّامة الطباطبائي :

جواب الشيخ المفيد

نقل العلّامة المجلسي أنّ الشيخ المفيد سُئل في المسائل العكبريّة : الإمام عندنا مجمع على أنّه يعلم ما يكون ، فما بال أمير المؤمنين عليه السلام خرج إلى المسجد وهو يعلم أنه مقتول وقد عرف قاتله والوقت والزمان ؟ وما بال الحسين بن علي عليهماالسلام سار إلى الكوفة وقد علم أنهم يخذلونه ولا ينصرونه وأنه مقتول في سفرته تلك ؟ ولِمَ لمّا حُصروا وعرف أنّ الماء قد مُنع منه وأنّه إن حفر أذرعا قريبة نبع الماء ، ولم يحفر وأعان على نفسه حتى تلف عطشا؟ والحسن عليه السلام وادع معاوية وهادنه وهو يعلم أنّه ينكث ولا يفي ويقتل شيعة أبيه عليه السلام .
فأجاب الشيخ رحمه اللّه عنها بقوله :
وأما الجواب عن قوله : «إنّ الإمام يعلم ما يكون» فإجماعنا أنّ الأمر على خلاف ما قال ، وما أجمعت الشيعة على هذا القول . وإنّما إجماعهم ثابت على أنّ الإمام يعلم الحكم في كلّ ما يكون دون أن يكون عالما بأعيان ما يحدث ويكون على التفصيل والتمييز . وهذا يسقط الأصل الذي بَنى عليه الأسئلة بأجمعها . ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان ما يحدث ويكون بإعلام اللّه تعالى له ذلك . فأمّا القول بأنه يعلم

1.كما جاء في الرواية السابقة قوله : «لكنّه خيّر» ، وهذا المعنى يؤيّد صحّة هذا الجواب .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
272

المفيد : «فأمّا علمه بوقت قتله فلم يأت عليه أثر على التحصيل» .

2 ـ عدم العلم أثناء وقوع التقدير الإلهي

ويفيد هذا المعنى أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا على علم تفصيلي بخبر شهادتهم ، ولكن هذا العلم يُسلَب منهم وقت استشهادهم وفقاً للتقدير الإلهي القطعي .
جاءت رواية عن الإمام الرضا عليه السلام يمكن أن تؤيّد في أحد احتمالاتها صحّة هذا الجواب ، قال الحسن بن الجهم :
قُلتُ للإمام الرضا عليه السلام : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد عرف قاتله والليلة التي يُقتل فيها والموضع الذي يُقتل فيه ، وقوله لمّا سمع صياح الإوزّ في الدار : صوائح تتبعها نوائح ، وقول اُمّ كلثوم : لو صلّيت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلّي بالناس ! فأبى عليها ، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح ، وقد عرف عليه السلام أنّ ابن ملجم لعنه اللّه قاتله بالسيف ، كان هذا ممّا لم يجز تعرّضه! فقال : «ذلِكَ كانَ ، ولكِنَّهُ خُيِّرَ في تِلكَ اللَّيلَةِ لِتَمضِيَ مَقاديرُ اللّهِ عَزَّوجَلَّ» ۱ .
لقد جاء في بعض نسخ المصدر كلمة «حيّر» بدل «خيّر» ، وعلى هذا فإنّ قول الإمام يدلّ بكل وضوح بأنّه طرأت عليه في تلك اللحظة حالة لم يبقَ معها عليه تكليف بدفع القتل عن نفسه ، لكي يجري التقدير الإلهي .

3 ـ الإمام مكلّف باختيار الشهادة

لاشكّ في أنّ تقدير الشهادة للإمام يأتي على أساس الحكمة الإلهيّة البالغة ، ولها مصالح ملزمة يجب أن تتحقّق . ولهذا السبب يتعيّن على الإمام أن لا يتوقّى منها ، وليس هذا فحسب ، بل ويجب عليه اختيار الشهادة رغم علمه الدقيق بكيفيّة

1.الكافي : ج۱ ص۲۵۹ ح۴ ، بحار الأنوار : ج۴۲ ص۲۴۶ ح۴۷ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 165037
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي