311
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

نُطقا ، وأكبَرَهُم رَأيا ، وأشجَعَهُم قَلبا ، وأشَدَّهُم يَقينا ، وأحسَنَهُم عَمَلاً ، وأعرَفَهُم بِالاُمورِ . كُنتَ وَاللّهِ يَعسوبا لِلدّينِ ، أوَّلاً وآخِرا : الأَوَّلُ حينَ تَفَرَّقَ النّاسُ ، وَالآخِرُ حينَ فَشِلوا ، كُنتَ لِلمُؤمنينَ أباً رَحيماً ، إذ صاروا عَلَيكَ عِيالاً ، فَحَمَلتَ أثقالَ ما عَنهُ ضَعُفوا ، وحَفِظتَ ما أضاعوا ، ورَعَيتَ ما أهمَلوا ، وشَمَّرتَ إذِ ۱ اجتَمَعوا ، وعَلَوتَ إذ هَلِعوا ، وصَبَرتَ إذ أسرَعوا ، وأدرَكتَ أوتارَ ما طَلَبوا ، ونالوا بِكَ ما لَم يَحتَسِبوا .
كُنتَ عَلَى الكافِرينَ عَذابا صَبّاً ونَهباً ، ولِلمُؤمِنينَ عَمَدا وحِصنا ، فَطِرتَ وَاللّهِ بِنَعمائِها وفُزتَ بِحِبائِها ، وأحرَزتَ سَوابِقَها ، وذَهَبتَ بِفَضائِلِها ، لَم تَفلُل حُجَّتُكَ ، ولَم يَزُغ قَلبُكَ ، ولَم تَضعُف بَصيرَتُكَ ، ولَم تَجبُن نَفسُكَ ولَم تَخُر .
كُنتَ كَالجَبَلِ لا تُحَرِّكُهُ العَواصِفُ ، وكُنتَ كَما قالَ : آمَنَ النّاسُفي صُحبَتِكَ وذاتِ يَدِكَ ، وكُنتَ كَما قالَ : ضَعيفاً في بَدَنِكَ ، قَوِيّاً في أمرِ اللّهِ ، مُتَواضِعا في نَفسِكَ ، عَظيما عِندَ اللّهِ ، كَبيرا فِي الأَرضِ ، جَليلاً عِندَ المُؤمِنينَ ، لَم يَكُن لِأَحَدٍ فيكَ مِهمَزٌ ، ولا لِقائِلٍ فيكَ مَغمَزٌ ، ولا لِأَحَدٍ فيكَ مَطمَعٌ ، ولا لِأَحَدٍ عِندَكَ هَوادَةٌ ، الضَّعيفُ الذَّليلُ عِندَكَ قَوِيٌّ عَزيزٌ حَتّى تَأخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ ، وَالقَوِيُّ العَزيزُ عِندَكَ ضَعيفٌ ذَليلٌ حَتّى تَأخُذَ مِنهُ الحَقَّ ، وَالقَريبُ وَالبَعيدُ عِندَكَ في ذلِكَ سَواءٌ ، شَأنُكَ الحَقُّ وَالصِّدقُ وَالرِّفقُ ، وقَولُكَ حُكمٌ وحَتمٌ وأمرُكَ حِلمٌ وحَزمٌ ، ورأيُكَ عِلمٌ وعَزمٌ فيما فَعَلتَ ، وقَد نُهِجَ السَّبيلُ ، وسَهُلَ العَسيرُ واُطفِئَتِ النّيرانُ ، وَاعتَدَلَ بِكَ الدّينُ ، وقَوِيَ بِكَ الإِسلامُ ، فَظَهَرَ أمرُ اللّهِ ولَو كَرِهَ الكافِرونَ ، وثَبَتَ بِكَ الإِسلامُ وَالمُؤمِنونَ ، وسَبَقتَ سَبقا بَعيدا ، وأتعَبتَ مَن بَعدَكَ تَعَبا شَديدا ، فَجَلَلتَ عَنِ البُكاءِ ، وعَظُمَت رَزِيَّتُكَ فِي السَّماءِ ، وهَدَّت مُصيبَتُكَ الأَنامَ ، فَإِنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعوَن ، رَضينا عَنِ اللّهِ قَضاهُ ، وسَلَّمنا للّه

1.في المصدر : «إذا» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بقيّة المصادر .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
310

الخَيرِ نَصيباً ؛ فَلا حَرَمَنَا اللّهُ أجرَكَ ، ولا أذَلَّنا بَعدَكَ ، فَوَاللّهِ لَقَد كانَت حَياتُكَ مَفاتِحَ لِلخَيرِ ومَغالِقَ لِلشَّرِّ ، وإنَّ يَومَكَ هذا مِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ ومِغلاقُ كُلِّ خَيرٍ ، ولَو أنَّ النّاسَ قَبِلوا مِنكَ لَأَكَلوا مِن فَوقِهِم ومِن تَحتِ أرجُلِهِم ، ولكِنَّهُم آثَرُوا الدُّنيا عَلَى الآخِرَةِ .
ثُمَّ بَكى بُكاءً شَديداً وأبكى كُلَّ مَن كانَ مَعَهُ ، وعَدَلوا إلَى الحَسَنِ وَالحُسَينِ ومُحَمَّدٍ وجَعفَرٍ وَالعَبّاسِ ويَحيى وعَونٍ وعَبدِ اللّهِ عليهم السلام ، فَعَزَّوهُم في أبيهِم صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ، وَانصَرَفَ النّاسُ ، ورَجَعَ أولادُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام وشيعَتُهُم إلَى الكوفَةِ ۱
.

۳۰۰۲.الكافي عن اُسيد بن صفوان :لَمّا كانَ اليَومُ الَّذي قُبِضَ فيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ارتُجَّ المَوضِعُ بِالبُكاءِ ودَهِشَ النّاسُ كَيَومٍ قُبِضُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، وجاءَ رَجُلٌ باكِيا وهُوَ مُسرِعٌ مُستَرجِعٌ وهُوَ يَقولُ : اليَومَ انقَطَعَت خِلافَةُ النُّبُوَّةِ ، حَتّى وَقَفَ عَلى بابِ البَيتِ الَّذي فيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ :
رَحِمَكَ اللّهُ يا أبَا الحَسَنِ ! كُنتَ أوَّلَ القَومِ إسلاما ، وأخلَصَهُم إيمانا ، وأشَدَّهُم يَقينا ، وأخوَفَهُم للّهِِ ، وأعظَمَهُم عَناءً ، وأحوَطَهُم عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وآمَنَهُم عَلى أصحابِهِ ، وأفضَلَهُم مَناقِبَ ، وأكرَمَهُم سَوابِقَ ، وأرفَعَهُم دَرَجَةً ، وأقرَبَهُم مِن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأشبَهَهُم بِهِ هَدياً وخُلقا وسَمتا وفِعلاً ، وأشرَفَهُم مَنزِلَةً ، وأكرَمَهُم عَلَيهِ ، فَجَزاكَ اللّهُ عَنِ الإِسلامِ وعَن رَسولِهِ وعَنِ المُسلِمينَ خَيرا . قَويتَ حينَ ضَعُفَ أصحابُهُ ، وبَرَزتَ حينَ استَكانوا ، ونَهَضتَ حينَ وَهِنوا ، ولَزِمتَ مِنهاجَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذ هَمَّ أصحابُهُ ، وكُنتَ خَليفَتَهُ حَقّا ، لَم تُنازِع ولَم تَضرُع بِرَغمِ المُنافِقينَ ، وغَيظِ الكافِرينَ ، وكَرهِ الحاسِدينَ ، وصُغرِ الفاسِقينَ .
فَقُمتَ بِالأَمرِ حينَ فَشِلوا ، ونَطَقتَ حينَ تَتَعتَعوا ، ومَضَيتَ بِنورِ اللّهِ إذ وَقَفوا ، فَاتَّبَعوكَ فَهُدوا ، وكُنتَ أخفَضَهُم صَوتا ، وأعلاهُم قُنوتا ، وأقَلَّهُم كَلاما ، وأصوَبَهُم

1.بحار الأنوار : ج۴۲ ص۲۹۵ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 204507
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي