395
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

بالغصص ، لكنّنا نؤكّد أنّ ما بقي هو غيض من فيض ، وما وصل إلينا محض اُمثولات من حقائق ما برحت ثاويةً في صدر التاريخ ، غائرةً في أحشائه ، ومُجرّد أحاديث قصار من كلام سامق طويل لم يُبَح به .
عجبا واللّه ! إنّ اُولئك الذين لم يطيقوا أشعّة الشمس ، لم يرضَوا بهذا القليل ولم يتحمّلوه ؛ إذ سرعان ما أصدروا حكمهم عليه بـ «الوضع» عنادا من عند أنفسهم ، وجنوحا عن الحقّ ، ومعاداةً للفضيلة ، ثمّ ما لبثوا أن سعَوا بذريعة «الوضع» إلى إبعاد هذا القليل عن ساحة الثقافة ومضمار الفكر ، وحذفه من صفحات أذهان الناس .
أما في المواضع التي استعصت فيها تلك الفضائل على التكذيب بما لها من قوّة ومن تلألؤ ساطع ، فقد بادر اُولئك إلى التحريف المعنوي ، وتوسّلوا بتوجيهات غير منطقيّة وبجهود عقيمة ، علّهم ينالون بها شيئا من تشعشع أنوار الحقّ ، ويقلّلون من امتداده .
وفي هذا المضمار نسجّل بأسف : ما أكثر الكتابات التي اُهملت بسبب هذه الهجمات الثقافيّة ، وما أكثر ما ضاع !

3 ـ كلام النبيّ نافذة لمعرفة عليّ

عليٌّ سرّ الوجود المكتوم ؛ وهل ثَمَّ سبيل إلى اكتناه هذا السرّ وفتح مغاليقه سوى الاستمداد من أعلم شخصيّة في الوجود وأدراها بالسرّ ؟ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأعرف الوجود بالسرّ ، وهو إلى ذلك مُعلّم الإمام عليه السلام ومُربّيه ، وقد كان الإمام عليه السلام تلميذه ورفيق دربه وقرينه .
لقد أخذ رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّا وضمّه إليه صغيرا ، ثمّ تمتم بنداء الوحي في ثنايا روحه وجوانبها ، فطفقت أعماق وجود عليّ تفوح بشذى عطر التعاليم الإلهيّة وتنضح بنداها .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
394

2 ـ عليٌّ السرّ المكتوم

لشخصيّة أمير المؤمنين أبعاد مجهولة واسعة ، ومن ثمّ فقد اعترف الكثيرون على امتداد التاريخ بعجزهم عن الارتقاء إلى مكامن تلك الشخصيّة التي لا نظير لها في تاريخ الإسلام . بيدَ أنّ هذه الحقيقة تجلّت على أسمى وجه وأتمّه في كلام النبيّ صلى الله عليه و آله .
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ما عَرَفَكَ يا عَلِيُّ حَقَّ مَعرِفَتِكَ إلَا اللّهُ وأنَا» ۱ .
لكن ما قدر ما أظهره النبيّ من تلك المعرفة ؟ وكم كان يطيق المجتمع من تلك الحقائق ؟ وكيف تعاملت ـ الاُمّة ـ مع ما أبداه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأظهره ؟!
قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لَولا أن يَقولَ فيكَ الغالونَ مِن اُمَّتي ما قالَتِ النَّصارى في عيسَى بنِ مَريَمَ ؛ لَقُلتُ فيكَ قَولاً لا تَمُرُّ بِمَلَأٍ مِنَ النّاسِ إلّا أخَذُوا التُّرابَ مِن تَحتِ قَدَمَيكَ يَستَشفونَ بِهِ» ۲ .
أجل ؛ إنّ الاُمّة لا تطيق سطوع حقيقة شخصيّتك ، ولا تتحمّل ظهور فضائلك ومناقبك كما هي ، وليس للآذان قدرة على الإصغاء إليها ، ولا للنفوس قابليّة الانغمار بها والارتواء من نميرها .
مع ذلك كلّه ، تبقى أجمل الصيغ عن شخصيّة أمير المؤمنين وأسماها ، وأنطق الأوصاف وأبلغها وأثراها دلالةً فيما جاء ؛ هي تلك التي نجدها في كلام النبيّ المصطفى صلى الله عليه و آله .
بيد أنّ السؤال : هل يعبّر ما احتوته صفحات الآثار المكتوبة من الكلمات المحمّديّة حيال الإمام عن جميع ما كان ، أم إنّ كثيرا من تلك الحقائق بقي رهين الصدور خشية الأذى وخوف التبعات ، ثم دُفن مع أهله واندثر مع أصحابه ؟
لسنا نريد في هذه المقدّمة أن نُزيح الستار عن هذا المشهد من التاريخ المليء

1.راجع : ص۵۱۴ ح۳۵۸۶ .

2.راجع : ص۵۱۳ ح۳۵۸۴ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 165096
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي