45
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

فَأَرَدتُ أن ألقَى ابنَ عَمِّهِ في ذلِكَ ، فَاُعلِمَهُ بِما كانَ مِن قَولِهِ لِأَميرِ المُؤمِنينَ ، وما رَدَّ عَلَيهِ ، وآمُرَ ابنَ عَمِّهِ ذلِكَ أن يَشتَدَّ بِلِسانِهِ عَلَيهِ ، وأن يَأمُرَهُ بِطاعَةِ أميرِ المُؤمِنينَ ومُناصَحَتِهِ ، ويُخبِرَهُ أنَّ ذلِكَ خَيرٌ لَهُ في عاجِلِ الدُّنيا وآجِلِ الآخِرَةِ .
قالَ : فَخَرَجتُ حَتَّى انتَهَيتُ إلى مَنزِلِهِ وقَد سَبَقَني ، فَقُمتُ عِندَ بابِ دارِهِ وفي دارِهِ رِجالٌ مِن أصحابِهِ لَم يَكونوا شَهِدوا مَعَهُ دُخولَهُ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام ، فَوَاللّهِ مارَجَعَ ولا نَدِمَ عَلى ما قالَ لِأَميرِ المُؤمِنينَ وما رَدَّ عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ لَهُم : يا هؤُلاءِ ! إنّي قَد رَأَيتُ أن اُفارِقَ هذَا الرَّجُلَ ، وقَد فارَقتُهُ عَلى أن أرجِعَ إلَيهِ مِن غَدٍ ولا أراني إلّا مُفارِقَهُ ، فَقالَ أكثَرُ أصحابِهِ : لا تَفعَل حَتّى تَأتِيَهُ ، فَإِن أتاكَ بِأَمرٍ تَعرِفُهُ قَبِلتَ مِنهُ ، وإن كانَتِ الاُخرى فَما أقدرَكَ عَلى فِراقِهِ ! فَقالَ لَهُم : نِعمَ ما رَأَيتُم .
قالَ : ثُمَّ استَأذَنتُ عَلَيهِم فَأَذِنوا لي ، فَأَقبَلتُ عَلَى ابنِ عَمِّهِ وهُوَ مُدرِكُ بنُ الرَّيّانِ النّاجِيُّ ، وكانَ مِن كُبَراءِ العَرَبِ ، فَقُلتُ لَهُ : إنَّ لَكَ عَلِيَّ حَقّا لِاءخائِكَ ووُدِّكَ ، ولِحَقِّ المُسلِمِ عَلَى المُسلِمِ ؛ إنَّ ابنَ عَمِّكَ كانَ مِنهُ ما قَد ذُكِرَ لَكَ ، فَاخلُ بِهِ وَاردُد عَلَيهِ رَأيَهُ ، وعَظِّم عَلَيهِ ما أتى ، وَاعلَم أنَّني خائِفٌ إن فارَقَ أميرَ المُؤمِنينَ أن يَقتُلَكَ ونَفسَهُ وعَشيرَتَهُ .
فَقالَ : جَزاكَ اللّهُ خَيرا مِن أخٍ ؛ فَقَد نَصَحتَ وأشفَقتَ ، إن أرادَ صاحِبي فِراقَ أميرِ المُؤمِنينَ فارَقتُهُ وخالَفتُهُ وكُنتُ أشَدَّ النّاسِ عَلَيهِ ، وأنَا بَعدُ خالٍ بِهِ ، ومُشيرٌ عَلَيهِ بِطاعَةِ أميرِ المُؤمِنينَ ، ومُناصَحَتِهِ وَالإِقامَةِ مَعَهُ ، وفي ذلِكَ حَظُّهُ ورُشدُهُ ، فَقُمتُ مِن عِندِهِ وأرَدتُ الرُّجوعَ إلى عَلِيٍّ عليه السلام لِاُعلِمَهُ الَّذي كانَ ، ثُمَّ اطمَأنَنتُ إلى قَولِ صاحِبي ، فَرَجَعتُ إلى مَنزِلي فَبِتُّ بِهِ ثُمَّ أصبَحتُ ، فَلَمّا ارتَفَعَ النَّهارُ أتَيتُ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام فَجَلَستُ عِندَهُ ساعَةً وأنَا اُريدُ أن اُحَدِّثَهُ بِالَّذي كانَ مِن قَولِهِ لي عَلى خَلوَةٍ ، فَأَطَلتُ الجُلوسَ فَلَم يَزدَدِ النّاسُ إلّا كَثرَةً ، فَدَنَوتُ مِنهُ فَجَلَستُ وَراءَهُ فَأَصغى إلَيَّ بِرَأسِهِ ،


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
44

وكانَ عَلِيٌّ قَد وَجَّهَ الحلوَ بنَ عَوفٍ الأَزدِيَّ عامِلاً عَلى عُمانَ ، فَوَثَبَت بِهِ بَنو ناجِيَةَ فَقَتَلوهُ ، وَارتَدّوا عَنِ الإِسلامِ ، فَوَجَّهَ عَلِيٌّ مَعقِلَ بنَ قَيسٍ الرِّياحِيَّ إلَى البَلَدِ [عُمانَ] ، فَقَتَلَ الخِرّيتَ بنَ راشِدٍ وأصحابُهُ ، وسَبى بَني ناجِيَةَ ۱ .

۲۷۴۵.الغارات :شَهِدَ الخِرّيتُ بنُ راشِدٍ النّاجِيُّ وأصحابُهُ مَعَ عَلِيٍّ عليه السلام صِفّينَ ، فَجاءَ الخِرّيتُ إلى عَلِيٍّ عليه السلام في ثَلاثينَ راكِبا مِن أصحابِهِ ، يَمشي بَينَهُم حَتّى قامَ بَينَ يَدَي عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ لَهُ : وَاللّهِ لا اُطيعُ أمرَكَ ، ولا اُصَلّي خَلفَكَ ، وإنّي غَدا لَمُفارِقٌ لَكَ . قالَ : وذاكَ بَعدَ وَقعَةِ صِفّينَ ، وبَعدَ تَحكيمِ الحَكَمَينِ .
فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : ثَكِلَتكَ اُمُّكَ ! إذَن تَنقُضُ عَهدَكَ ، وتَعصي رَبَّكَ ، ولا تَضُرُّ إلّا نفسَكَ ! أخبِرني لِمَ تَفعَلُ ذلِكَ ؟ قالَ : لِأَنَّكَ حَكَّمتَ فِي الكِتابِ ، وضَعُفتَ عَنِ الحَقِّ إذ جَدَّ الجِدُّ ، ورَكَنتَ إلَى القَومِ الَّذينَ ظَلَموا أنفُسَهُم ، فَأَنَا عَلَيكَ رادٌّ ، وعَلَيهِم ناقِمٌ ، ولَكُم جَميعا مُبايِنٌ .
فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : وَيحَكَ ! هَلُمَّ إلَيَّ اُدارِسكَ الكِتابَ ، واُناظِركَ فِي السُّنَنِ ، واُفاتِحكَ اُمورا مِنَ الحَقِّ أنَا أعلَمُ بِها مِنكَ ، فَلَعَلَّكَ تَعرِفُ ما أنتَ لَهُ الآنَ مُنكِرٌ ، وتَستَبصِرٌ ما أنتَ بِهِ الآنَ عَنهُ عَمٍ وبِهِ جاهِلٌ .
فَقالَ الخِرّيتُ : فَإِنّي عائِدٌ عَلَيكَ غَدا ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ عليه السلام : اُغدُ ولا يَستَهوِيَنَّكَ الشَّيطانُ ، ولا يَتَقَحَّمَنَّ بِكَ رَأيُ السَّوءِ ، ولا يَستَخفِنَّكَ الجُهَلاءُ الَّذينَ لا يَعلَمونَ ، فَوَاللّهِ لَئِنِ استَرشَدتَني وَاستَنصَحتَني وقَبِلتَ مِنّي لَأَهدِيَنَّكَ سَبيلَ الرَّشادِ ، فَخَرَجَ الخِرّيتُ مِن عِندِهِ مُنصَرِفا إلى أهلِهِ .
قالَ عَبدُ اللّهِ بنُ قُعَينٍ : فَعَجِلتُ في أثَرِهِ مُسرِعا ، وكانَ لي مِن بَني عَمِّهِ صَديقٌ ،

1.تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۹۴ ؛ مروج الذهب : ج۲ ص۴۱۸ نحوه وفيه «الحارث بن راشد الناجي» بدل «الخرّيت بن راشد الناجي» .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 204592
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي