47
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

خَبِّرني لِمَ تَفعَل ذلِكَ ؟ فَقالَ : لِأنَّكَ حَكَّمتَ وضَعُفتَ عَنِ الحَقِّ ، ورَكَنتَ إلَى القَومِ الَّذينَ ظَلَموا ، فَأَنَا عَلَيكَ زارٍ ، وعَلَيهِم ناقِمٌ ، ولَكُم جَميعا مُبايِنٌ .
فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : هَلُمَّ اُدارِسكَ الكِتابَ واُناظِركَ فِي السُّنَنِ واُفاتِحكَ اُمورا أنَا أعلَمُ بِها مِنكَ ، فَلَعَلَّكَ تَعرِفُ ما أنتَ لَهُ الآنَ مُنكِرٌ ، قالَ : فَإِنّي عائِدٌ إلَيكَ .
قالَ : لا يَستَهوِيَنَّكَ الشَّيطانُ ، ولا يَستَخِفَّنَّكَ الجُهّالُ ، وَاللّهِ لَئِنِ استَرشَدتَني وقَبِلتَ مِنّي لَأَهدِيَنَّكَ سَبيلَ الرَّشادِ .
فَخَرَجَ مِن عِندِهِ مُنصَرِفا إلى أهلِهِ ، وسارَ مِن لَيلَتِهِ هُوَ وأصحابُهُ ، فَلَمّا سَمِعَ بِمَسيرِهِم عَلِيٌّ قالَ : بُعدا لَهُم كما بَعِدَت ثَمودُ ! إنَّ الشَّيطانَ اليَومَ استَهواهُم وأضَلَّهُم ، وهُوَ غَدا مُتَبَرِّئٌ مِنهُم .
فَقالَ لَهُ زِيادُ بنُ خَصَفَةَ البَكرِيُّ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ! إنَّهُ لَم يَعظُم عَلَينا فَقدُهُم فَتَأسى عَلَيهِم ، إنَّهُم قَلَّما يَزيدونَ في عَدَدِنا لَو أقاموا ، ولَقَلَّما يَنقُصونَ مِن عَدَدِنا بِخُروجِهِم عَنّا ، ولكِنّا نَخافُ أن يُفسِدوا عَلَينا جَماعَةً كَثيرَةً مِمَّن يَقدَمونَ عَلَيكَ مِن أهلِ طاعَتِكَ ، فَأذَن لي فِي اتِّباعِهِم حَتّى أرُدَّهُم عَلَيكَ . فَقالَ : أ تَدري أينَ تَوَجَّهوا ؟ قالَ : لا ، ولكِنّي أسأَلُ وأتبَعُ الأَثَرَ . فَقالَ لَهُ : اُخرُج ، رَحِمَكَ اللّهُ ، وَانزِل دَيرَ أبي موسى ، وأقِم حَتّى يَأتِيَكَ أمري ، فَإِن كانوا ظاهِرينَ فَإِنَّ عُمّالي سَيَكتُبونَ بِخَبَرِهِم .
فَخَرَجَ زِيادٌ فَأَتى دارَهُ وجَمَعَ أصحابَهُ مِن بَكرِ بنِ وائِلٍ وأعلَمَهُمُ الخَبَرَ ، فَسارَ مَعَهُ مِئَةٌ وثَلاثونَ رَجُلًا ، فَقالَ : حَسبي .
ثُمَّ سارَ حَتّى أتى دَيرَ أبي موسى فَنَزَلَهُ يَوما يَنتَظِرُ أمرَ عَلِيٍّ ، وأتى عَلِيّا كِتابٌ مِن قَرَظَةَ بنِ كَعبٍ الأَنصارِيِّ يَخبِرُهُ أنَّهُم تَوَجَّهوا نَحوَ نِفَّرٍ ۱ ، وأنّهُم قَتَلوا رَجُلاً مِن

1.نِفَّر : قرية على نهر النَّرْس من بلاد الفرس (معجم البلدان : ج۵ ص۲۹۵).


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
46

فَأَخبَرتُهُ بِما سَمِعتُ مِنَ الخِرّيتِ ، وما قُلتُ لِابنِ عَمِّهِ ، وما رَدَّ عَلَيَّ .
فَقالَ عليه السلام : دَعهُ ؛ فَإِن قَبِلَ الحَقَّ ورَجَعَ عَرَفنا ذلِكَ لَهُ وقَبِلناهُ مِنهُ ، وإن أبى طَلَبناهُ ، فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَلِمَ لا تَأخُذُهُ الآنَ فَتَستَوثِقَ مِنهُ ؟ فَقالَ : إنّا لَو فَعَلنا هذا لِكُلِّ مَن نَتَّهِمُهُ مِنَ النّاسِ مَلَأنَا السُّجونَ مِنهُم ، ولا أراني يَسَعَنِي الوُثوبُ عَلَى النّاسِ وَالحَبسُ لَهُم وعُقوبَتُهُم حَتّى يُظهِروا لَنَا الخِلافَ .
قالَ : فَسَكَتُّ عَنهُ وتَنَحَّيتُ فَجَلَستُ مَعَ أصحابي ، ثُمَّ مَكَثتُ ما شاءَ اللّهُ مَعَهُم ، ثُمَّ قالَ لي عَلِيٌّ عليه السلام : اُدنُ مِنّي فَدَنَوتُ مِنهُ ، ثُمَّ قالَ لي مُسِرّا : اِذهَب إلى مَنزِلِ الرَّجُلِ فَأَعلِم لي ما فَعَلَ ؛ فَإِنَّهُ قَلَّ يَومٌ لَم يَكُن يَأتيني فيهِ إلّا قَبلَ هذِهِ السّاعَةِ ، قالَ : فَأَتيتُ مَنزِلَهُ فَإِذا لَيسَ في مَنزِلِهِ مِنهُم دَيّارٌ ، فَدُرتُ عَلى أبوابِ دورٍ اُخرى كانَ فيها طائِفَةٌ اُخرى مِن أصحابِهِ فَإِذا لَيسَ فيها داعٍ ولا مُجيبٌ ، فَأَقبَلتُ إلى عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ لي حينَ رَآني : أ أمِنوا فَقَطَنوا أم جَبُنوا فَظَعَنوا ؟ قُلتُ : بَل ظَعَنوا ، قالَ : أبعَدَهُمُ اللّهُ كَما بَعِدَت ثَمودُ ، أما وَاللّهِ لَو قَد اُشرِعَت لَهُمُ الأَسِنَّةُ ، وصُبَّت عَلى هامِهِمُ السُّيوفُ ، لَقَد نَدِموا ، إنَّ الشَّيطانَ قَد استَهواهُم فَأَضَلَّهُم وهُوَ غَدا مُتَبَرِّئٌ مِنهُم ، ومُخَلٍّ عَنهُم ۱ .

۲۷۴۶.الكامل في التاريخـ في ذِكرِ أحداثِ سَنَةِ (۳۸ه ) ـ: وفي هذِهِ السَّنَةِ أظَهَرَ الخِرّيتُ بنُ راشِدٍ النّاجِيُّ الخِلافَ عَلى عَلِيٍّ ، فَجاءَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ وكانَ مَعَهُ ثَلاثُمِئَةٍ مِن بَني ناجِيَةَ ، خَرَجوا مَعَ عَلِيٍّ مِنَ البَصرَةِ ، فَشَهِدوا مَعَهُ الجَمَلَ وصِفّينَ ، وأقاموا مَعَهُ بِالكوفَةِ إلى هذَا الوَقتِ ، فَحَضَرَ عِندَ عَلِيٍّ في ثَلاثينَ راكِبا ، فَقالَ لَهُ : يا عَلِيٌّ ، وَاللّهِ لا اُطيعُ أمرَكَ ، ولا اُصَلّي خَلفَكَ ، وإنّي غَدا مُفارِقٌ لَكَ ، وذلِكَ بَعدَ تَحكيمِ الحَكَمَينِ .
فَقالَ لَهُ : ثَكِلَتكَ اُمُّكَ ، إذَن تَعصي رَبَّكَ ، وتَنكُثُ عَهدَكَ ، ولا تَضُرُّ إلّا نَفسَكَ !

1.الغارات : ج۱ ص۳۳۲ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۱۳ ـ ۱۱۶ عن عبد اللّه بن فُقَيم ، وراجع أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۷۷ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 204420
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي