فَأَخبَرتُهُ بِما سَمِعتُ مِنَ الخِرّيتِ ، وما قُلتُ لِابنِ عَمِّهِ ، وما رَدَّ عَلَيَّ .
فَقالَ عليه السلام : دَعهُ ؛ فَإِن قَبِلَ الحَقَّ ورَجَعَ عَرَفنا ذلِكَ لَهُ وقَبِلناهُ مِنهُ ، وإن أبى طَلَبناهُ ، فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَلِمَ لا تَأخُذُهُ الآنَ فَتَستَوثِقَ مِنهُ ؟ فَقالَ : إنّا لَو فَعَلنا هذا لِكُلِّ مَن نَتَّهِمُهُ مِنَ النّاسِ مَلَأنَا السُّجونَ مِنهُم ، ولا أراني يَسَعَنِي الوُثوبُ عَلَى النّاسِ وَالحَبسُ لَهُم وعُقوبَتُهُم حَتّى يُظهِروا لَنَا الخِلافَ .
قالَ : فَسَكَتُّ عَنهُ وتَنَحَّيتُ فَجَلَستُ مَعَ أصحابي ، ثُمَّ مَكَثتُ ما شاءَ اللّهُ مَعَهُم ، ثُمَّ قالَ لي عَلِيٌّ عليه السلام : اُدنُ مِنّي فَدَنَوتُ مِنهُ ، ثُمَّ قالَ لي مُسِرّا : اِذهَب إلى مَنزِلِ الرَّجُلِ فَأَعلِم لي ما فَعَلَ ؛ فَإِنَّهُ قَلَّ يَومٌ لَم يَكُن يَأتيني فيهِ إلّا قَبلَ هذِهِ السّاعَةِ ، قالَ : فَأَتيتُ مَنزِلَهُ فَإِذا لَيسَ في مَنزِلِهِ مِنهُم دَيّارٌ ، فَدُرتُ عَلى أبوابِ دورٍ اُخرى كانَ فيها طائِفَةٌ اُخرى مِن أصحابِهِ فَإِذا لَيسَ فيها داعٍ ولا مُجيبٌ ، فَأَقبَلتُ إلى عَلِيٍّ عليه السلام فَقالَ لي حينَ رَآني : أ أمِنوا فَقَطَنوا أم جَبُنوا فَظَعَنوا ؟ قُلتُ : بَل ظَعَنوا ، قالَ : أبعَدَهُمُ اللّهُ كَما بَعِدَت ثَمودُ ، أما وَاللّهِ لَو قَد اُشرِعَت لَهُمُ الأَسِنَّةُ ، وصُبَّت عَلى هامِهِمُ السُّيوفُ ، لَقَد نَدِموا ، إنَّ الشَّيطانَ قَد استَهواهُم فَأَضَلَّهُم وهُوَ غَدا مُتَبَرِّئٌ مِنهُم ، ومُخَلٍّ عَنهُم ۱ .
۲۷۴۶.الكامل في التاريخـ في ذِكرِ أحداثِ سَنَةِ (۳۸ه ) ـ: وفي هذِهِ السَّنَةِ أظَهَرَ الخِرّيتُ بنُ راشِدٍ النّاجِيُّ الخِلافَ عَلى عَلِيٍّ ، فَجاءَ إلى أميرِ المُؤمِنينَ وكانَ مَعَهُ ثَلاثُمِئَةٍ مِن بَني ناجِيَةَ ، خَرَجوا مَعَ عَلِيٍّ مِنَ البَصرَةِ ، فَشَهِدوا مَعَهُ الجَمَلَ وصِفّينَ ، وأقاموا مَعَهُ بِالكوفَةِ إلى هذَا الوَقتِ ، فَحَضَرَ عِندَ عَلِيٍّ في ثَلاثينَ راكِبا ، فَقالَ لَهُ : يا عَلِيٌّ ، وَاللّهِ لا اُطيعُ أمرَكَ ، ولا اُصَلّي خَلفَكَ ، وإنّي غَدا مُفارِقٌ لَكَ ، وذلِكَ بَعدَ تَحكيمِ الحَكَمَينِ .
فَقالَ لَهُ : ثَكِلَتكَ اُمُّكَ ، إذَن تَعصي رَبَّكَ ، وتَنكُثُ عَهدَكَ ، ولا تَضُرُّ إلّا نَفسَكَ !