545
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

أحَدٌ إلّا قَتَلتُهُ ، ولا يَثبُتُ لي فارِسٌ إلّا طَحَنتُهُ ، ثُمَّ شَدَدتُ عَلَيهِم شِدَّةَ اللَّيثِ عَلى فَريسَتِهِ ، حَتّى أدخَلتُهُم جَوفَ مَدينَتِهِم مُسَدَّداً عَلَيهِم ، فَاقتَلَعتُ بابَ حِصنِهِم بِيَدي ، حَتّى دَخَلتُ عَلَيهِم مَدينَتَهُم وَحدي أقتُلُ مَن يَظهَرُ فيها مِن رِجالها ، وأسبي مَن أجِدُ مِن نِسائِها حَتَّى افتَتَحتُها ۱ وَحدي ، ولَم يَكُن لي فيها مُعاوِنٌ إلَا اللّهُ وَحدَهُ . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ عليه السلام : وأمَّا السّابِعَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمّا تَوَجَّهَ لِفَتحِ مَكَّةَ أحَبَّ أن يُعذِرَ إلَيهِم ويَدعُوَهُم إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ آخِراً كَما دَعاهُم أوَّلاً ، فَكَتَبَ إلَيهِم كِتاباً يُحَذِّرُهُم فيهِ ويُنذِرُهُم عَذابَ اللّهِ ، ويَعِدُهُمُ الصَّفحَ ، ويُمَنّيهِم مَغفِرَةَ رَبِّهِم ، ونَسَخَ لَهُم في آخِرِهِ سورَةَ بَراءَةٌ لِيَقرَأَها عَلَيهِم . ثُمَّ عَرَضَ عَلى جَميعِ أصحابِهِ المُضِيَّ بِهِ ، فُكُلُّهُم يَرَى التَّثاقُلَ فيهِ ، فَلَمّا رَأى ذلِكَ نَدَبَ مِنهُم رَجُلاً فَوَجَّهَهُ بِهِ ، فَأَتاهُ جَبرَئيلُ فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ . فَأَنبَأَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِذلِكَ ، ووَجَّهَني بِكِتابِهِ ورِسالَتِهِ إلى أهلِ مَكَّةَ ، فَأَتَيتُ مَكَّةَ وأهلُها مَن قَد عَرَفتُم ؛ لَيسَ مِنهُم أحَدٌ إلّا ولَو قَدَرَ أن يَضَعَ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنّي إرباً لَفَعَلَ ، ولَو أن يَبذُلَ في ذلِكَ نَفسَهُ وأهلَهُ ووُلدَهُ ومالَهُ ، فَبَلَّغتُهُم رِسالَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وقَرَأتُ عَلَيهِم كِتابَهُ ، فَكُلُّهُم يَلقاني بِالتَّهَدُّدِ وَالوَعيدِ ، ويُبدي لِيَ البَغضاءَ ، ويُظهِرُ الشَّحناءَ مِن رِجالِهِم ونِسائِهِم ، فَكانَ مِنّي في ذلِكَ ما قَد رَأَيتُم . ثُمَّ التَفَتَ إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ عليه السلام : يا أخَا اليَهودَ ، هذِهَ المَواطِنُ الَّتِي امتَحَنَني فيهِ رَبّي عَزَّ وجَلَّ مَعَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، فَوَجَدَني فيها كُلِّها بِمَنِّهِ مُطيعاً ، لَيسَ لِأَحَدٍ فيها مِثلُ الَّذي لي ، ولَو شِئتُ لَوَصَفتُ ذلِكَ ، ولكِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ نَهى عَنِ التَّزكِيَةِ .

1.في المصدر : «أفتتحها» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار نقلاً عن المصدر .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
544

فَقالَ عليه السلام : وأمَّا الخامِسَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ قُرَيشاً وَالعَرَبُ تَجَمَّعَت وعَقَدَت بَينَها عَقداً وميثاقاً لا تَرجِعُ مِن وَجهِها حَتّى تَقتُلَ رَسولَ اللّهِ وتَقتُلَنا مَعَهُ مَعاشِرَ بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، ثُمَّ أقبَلَت بِحَدِّها وحَديدِها حَتّى أناخَت عَلَينا بِالمَدينَةِ واثِقَةً بِأَنفُسِها فيما تَوَجَّهَت لَهُ ، فَهَبَطَ جَبرَئيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَأَنبَأَهُ بِذلِكَ ، فَخَندَقَ عَلى نَفسِهِ ومَن مَعَهُ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ . فَقَدِمَت قُرَيشٌ فَأَقامَت عَلَى الخَندَقِ مُحاصِرَةً لَنا ، تَرى في أنفُسِهَا القُوَّةَ وفينَا الضَّعفَ ، تُرعِدُ وتُبرِقُ ، ورَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَدعوها إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ويُناشِدُها بِالقَرابَةِ وَالرَّحِمِ فَتَأبى ، ولا يَزيدُها ذلِكَ إلّا عُتُوّاً ، وفارِسُها وفارِسُ العَرَبِ يَومَئِذٍ عَمرُو بنُ عَبدِ وَدٍّ يَهدِرُ كَالبَعيرِ المُغتَلِمِ ، يَدعو إلَى البِرازِ ، ويَرتَجِزُ ، ويَخطِرُ بِرُمحِهِ مَرَّةً وبِسَيفِهِ مَرَّةً ، لا يُقدِمُ عَلَيهِ مُقدِمٌ ، ولا يَطمَعُ فيهِ طامِعٌ ، ولا حَمِيَّةٌ تُهَيِّجُهُ ، ولا بَصيرَةٌ تُشَجِّعُهُ ، فَأَنهَضَني إلَيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وعَمَّمَني بِيَدِهِ ، وأعطاني سَيفَهُ هذا ـ و ضَرَبَ بِيَدِهِ إلى ذِي الفَقارِ ـ فَخَرَجتُ إلَيهِ ونِساءُ أهلِ المَدينَةِ بَواكٍ ؛ إشفاقاً عَلَيَّ مِن ابنِ عَبدِ وَدٍّ ، فَقَتَلَهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِيَدي ، وَالعَرَبُ لا تَعُدُّ لَها فارِساً غَيرَهُ ، وضَرَبَني هذِهِ الضَّربَةَ ـ وأومَأَ بِيَدِهِ إلى هامَتِهِ ـ فَهَزَمَ اللّهُ قُرَيشاً وَالعَرَبَ بِذلِكَ ، وبِما كان مِنّي فيهِم مِنَ النِّكايَةِ . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ عليه السلام : وأمَّا السّادِسَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنّا وَرَدنا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَدينَةَ أصحابِكَ خَيبَرَ عَلى رِجالٍ مِنَ اليَهودِ وفُرسانِها مِن قُرَيشٍ وغَيرِها ، فَتَلَقَّونا بِأَمثالِ الجِبالِ مِنَ الخَيلِ وَالرِّجالِ وَالسِّلاحِ ، وهُمَ في أمنَعِ دارٍ وأكثَرِ عَدَدٍ ، كُلٌّ يُنادي ويَدعو ويُبادِرُ إلَى القِتالِ ، فَلَم يَبرُز إلَيهِم مِن أصحابي أحَدٌ إلّا قَتَلوهُ ، حَتّى إذَا احمَرَّتِ الحَدَقُ ، ودُعيتُ إلَى النِّزالِ ، وأهَمَّت كُلَّ امرِىٍء نَفسُهُ . وَالتَفَتَ بَعضُ أصحابي إلى بَعضٍ وكُلٌّ يَقولُ : يا أبَا الحَسَنِ انهَض . فَأَنهَضَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلى دارِهِم ، فَلَم يَبرُز إلَيَّ مِنهُم

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 218021
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي