557
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

مَكرٌ ومِنِ ابنِ العاصِ مَعَهُ ، وأنَّهُما إلَى النَّكثِ أقرَبُ مِنهُما إلَى الوَفاءِ . فَلَم يَقبَلوا قَولي ، ولَم يُطيعوا أمري ، وأَبَوا إلّا إجابَتَهُ ، كَرِهتُ أم هَويتُ ، شِئتُ أو أبَيتُ ، حَتّى أخَذَ بَعضُهُم يَقولُ لِبَعضٍ : إن لَم يَفعَل فَأَلحِقوهُ بِابنِ عَفّانَ ، أوِ ادفَعوهُ إلَى ابنِ هِندٍ بِرُمَّتِهِ .
فَجَهَدتُ ـ عَلِمَ اللّهُ جَهدي ـ ولَم أدَع غُلّةً ۱ في نَفسي إلّا بَلَّغتُها في أن يُخَلّوني ورَأيي ، فَلَم يَفعَلوا ، وراوَدتُهُم عَلَى الصَّبرِ عَلى مِقدارِ فُواقِ النّاقَةِ أو رَكضَةِ الفَرَسِ فَلَم يُجيبوا ، ما خَلا هذَا الشَّيخَ ـ وأومَأَ بِيَدِهِ إلَى الأَشتَرِ ـ وعُصبَةً مِن أهلِ بَيتي ، فَوَاللّهِ ما مَنَعَني أن أمضِيَ عَلى بَصيرَتي إلّا مَخافَةَ أن يُقتَلَ هذانِ ـ وأومَأَ بِيَدِهِ إلَى الحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهماالسلام ـ فَيَنقَطِعَ نَسلُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وذُرِّيَّتُهُ مِن اُمَّتِهِ ، ومَخافَةَ أن يُقتَلَ هذا وهذا ـ وأومَأَ بِيَدِهِ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ ومُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ ـ فَإِنّي أعلَمُ لَولا مَكاني لَم يَقِفا ذلِكَ المَوقِفَ ، فَلِذلِكَ صَبَرتُ عَلى ما أرادَ القَومُ ، مَعَ ما سَبَقَ فيهِ مِن عَلمِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ .
فَلَمّا رَفَعنا عَنِ القَومِ سُيوفَنا تَحَكَّموا فِي الاُمورِ ، وتَخَيَّروا الأَحكامَ وَالآراءَ ، وتَرَكُوا المَصاحِفَ وما دَعَوا إلَيهِ مِن حُكمِ القُرآنِ ، وما كُنتُ اُحَكِّمُ في دينِ اللّهِ أحَداً ؛ إذ كانَ التَّحكيمُ في ذلِكَ الخَطَأَ الَّذي لا شَكَّ فيهِ ولَا امتِراءَ ، فَلَمّا أبَوا إلّا ذلِكَ أرَدتُ أن اُحَكِّمَ رَجُلاً مِن أهلِ بَيتي أو رَجُلاً مِمَّن أرضى رَأيَهُ وعَقلَهُ وأثِقُ بِنَصيحَتِهِ ومَوَدَّتِهِ ودينِهِ ، وأقبَلتُ لا اُسَمّي أحَداً إلَا امتَنَعَ مِنهُ ابنُ هِندٍ ، ولا أدعوهُ إلى شَيءٍ مِنَ الحَقِّ إلّا أدبَرَ عَنهُ . وأقبَلَ ابنُ هِندٍ يَسومُنا ۲ عَسفاً ، وما ذاكَ إلّا بِاتِّباعِ أصحابي لَهُ عَلى ذلِكَ .

1.كذا ، وفي بحار الأنوار نقلاً عن المصدر : «علّة» ، وفي الاختصاص : «غاية» .

2.السَّوم : أن تُجشِّم إنسانا مشقّةً أو سوءا أو ظلما (لسان العرب : ج۱۲ ص۳۱۲) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
556

ويُصَلِّبَهُم . وَانتَحَلَ دَمَ عُثمانَ ، ولَعَمرُو اللّهِ ما ألَّبَ ۱ عَلى عُثمانَ ولا جَمَعَ النّاسَ عَلى قَتلِهِ إلّا هُوَ وأشباهُهُ مِن أهلِ بَيتِهِ ، أغصانُ الشَّجَرَةِ المَلعونَةِ فِي القُرآنِ .
فَلَمّا لَم اُجِب إلى مَا اشتَرَطَ مِن ذلِكَ كَرَّ مُستَعلِياً في نَفسِهِ بِطُغيانِهِ وبَغيِهِ ، بِحَميرٍ لا عُقولَ لَهُم ولا بَصائِرَ ، فَمَوَّهَ لَهُم أمراً فَاتَّبَعوهُ ، وأعطاهُم مِنَ الدُّنيا ما أمالَهُم بِهِ إلَيهِ ، فَناجَزناهُم وحاكَمناهُم إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ بَعدَ الإِعذارِ وَالإِنذارِ ، فَلَمّا لَم يَزِدهُ ذلِكَ إلّا تَمادِياً وبَغياً لَقيناهُ بِعادَةِ اللّهِ الَّتي عَوَّدَناهُ مِنَ النَّصرِ عَلى أعدائِهِ وعَدُوِّنا ، ورايَةُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِأَيدينا ، لَم يَزَلِ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى يَفُلُّ حِزبَ الشَّيطانِ بِها حَتّى يَقضِيَ المَوتَ عَلَيهِ ، وهُوَ مُعلِمُ راياتِ أبيهِ الَّتي لَم أزَل اُقاتِلُها مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في كُلِّ المَواطِنِ ، فَلَم يَجِد مِنَ المَوتِ مَنجى إلَا الهَرَبَ ، فَرِكَبَ فَرَسَهُ ، وقَلَبَ رايَتَهُ ، لا يَدري كَيفَ يَحتالُ .
فَاستَعانَ بِرَأيِ ابنِ العاصِ ، فَأَشارَ عَلَيهِ بِإِظهارِ المَصاحِفِ ، ورَفعِها عَلَى الأَعلامِ وَالدُّعاءِ إلى ما فيها ، وقالَ : إنَّ ابنَ أبي طالِبٍ وحِزبَهُ أهلُ بَصائِرَ ورَحمَةٍ وتُقيا ۲ ، وقَد دَعَوكَ إلى كِتابِ اللّهِ أوَّلاً وهُم مُجيبوكَ إلَيهِ آخِراً . فَأَطاعَهُ فيما أشارَ بِهِ عَلَيهِ ؛ إذ رَأى أنَّهُ لا مَنجى لَهُ مِنَ القَتلِ أوِ الهَرَبِ غَيرُهُ ، فَرَفَعَ المَصاحِفَ يَدعو إلى ما فيها بِزَعمِهِ .
فَمالَت إلَى المَصاحِفِ قُلوبٌ ، ومَن بَقِيَ من أصحابي بَعدَ فَناءِ أخيارِهِم وجَهدِهِم في جِهادِ أعداءِ اللّهِ وأعدائِهِم عَلى بَصائِرِهِم ، وظَنّوا أنَّ ابنَ آكِلَةِ الأَكبادِ لَهُ الوَفاءُ بِما دَعا إلَيهِ ، فَأَصغَوا إلى دَعوَتِهِ ، وأقبَلوا بِأَجمَعِهِم في إجابَتِهِ ، فَأَعلَمتُهُم أنَّ ذلِكَ مِنه

1.ألبَ الإبل : جمعها وساقها ، وألبتُ الجيش ؛ إذا جمعته (لسان العرب : ج۱ ص۲۱۵) .

2.كذا ، وفي بحار الأنوار نقلاً عن المصدر : «بقيا» وهو أنسب . والبُقيا : الإبقاء ، والعرب تقول للعدوّ إذا غلب : «البقيّة» ؛ أي أبقوا علينا ولا تستأصلونا (لسان العرب : ج۱۴ ص۸۰) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 169428
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي