مَكرٌ ومِنِ ابنِ العاصِ مَعَهُ ، وأنَّهُما إلَى النَّكثِ أقرَبُ مِنهُما إلَى الوَفاءِ . فَلَم يَقبَلوا قَولي ، ولَم يُطيعوا أمري ، وأَبَوا إلّا إجابَتَهُ ، كَرِهتُ أم هَويتُ ، شِئتُ أو أبَيتُ ، حَتّى أخَذَ بَعضُهُم يَقولُ لِبَعضٍ : إن لَم يَفعَل فَأَلحِقوهُ بِابنِ عَفّانَ ، أوِ ادفَعوهُ إلَى ابنِ هِندٍ بِرُمَّتِهِ . 
 فَجَهَدتُ ـ عَلِمَ اللّهُ جَهدي ـ ولَم أدَع غُلّةً ۱ في نَفسي إلّا بَلَّغتُها في أن يُخَلّوني ورَأيي ، فَلَم يَفعَلوا ، وراوَدتُهُم عَلَى الصَّبرِ عَلى مِقدارِ فُواقِ النّاقَةِ أو رَكضَةِ الفَرَسِ فَلَم يُجيبوا ، ما خَلا هذَا الشَّيخَ ـ وأومَأَ بِيَدِهِ إلَى الأَشتَرِ ـ وعُصبَةً مِن أهلِ بَيتي ، فَوَاللّهِ ما مَنَعَني أن أمضِيَ عَلى بَصيرَتي إلّا مَخافَةَ أن يُقتَلَ هذانِ ـ وأومَأَ بِيَدِهِ إلَى الحَسَنِ وَالحُسَينِ عليهماالسلام ـ فَيَنقَطِعَ نَسلُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وذُرِّيَّتُهُ مِن اُمَّتِهِ ، ومَخافَةَ أن يُقتَلَ هذا وهذا ـ وأومَأَ بِيَدِهِ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ جَعفَرٍ ومُحَمَّدِ ابنِ الحَنَفِيَّةِ ـ فَإِنّي أعلَمُ لَولا مَكاني لَم يَقِفا ذلِكَ المَوقِفَ ، فَلِذلِكَ صَبَرتُ عَلى ما أرادَ القَومُ ، مَعَ ما سَبَقَ فيهِ مِن عَلمِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ . 
 فَلَمّا رَفَعنا عَنِ القَومِ سُيوفَنا تَحَكَّموا فِي الاُمورِ ، وتَخَيَّروا الأَحكامَ وَالآراءَ ، وتَرَكُوا المَصاحِفَ وما دَعَوا إلَيهِ مِن حُكمِ القُرآنِ ، وما كُنتُ اُحَكِّمُ في دينِ اللّهِ أحَداً ؛ إذ كانَ التَّحكيمُ في ذلِكَ الخَطَأَ الَّذي لا شَكَّ فيهِ ولَا امتِراءَ ، فَلَمّا أبَوا إلّا ذلِكَ أرَدتُ أن اُحَكِّمَ رَجُلاً مِن أهلِ بَيتي أو رَجُلاً مِمَّن أرضى رَأيَهُ وعَقلَهُ وأثِقُ بِنَصيحَتِهِ ومَوَدَّتِهِ ودينِهِ ، وأقبَلتُ لا اُسَمّي أحَداً إلَا امتَنَعَ مِنهُ ابنُ هِندٍ ، ولا أدعوهُ إلى شَيءٍ مِنَ الحَقِّ إلّا أدبَرَ عَنهُ . وأقبَلَ ابنُ هِندٍ يَسومُنا ۲ عَسفاً ، وما ذاكَ إلّا بِاتِّباعِ أصحابي لَهُ عَلى ذلِكَ .