559
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

ما فَعَلوا لَكانوا رُكناً قَوِيّاً وسَدّاً مَنيعاً ، فَأَبَى اللّهُ إلّا ما صاروا إلَيهِ .
ثُمَّ كَتَبتُ إلَى الفِرقَةِ الثّالِثَةِ ، ووَجَّهتُ رَسُلي تَترى ، وكانوا مِن جِلَّةِ أصحابي ، وأهلِ التَّعَبُّدِ مِنهُم ، وَالزُّهدِ فِي الدُّنيا ، فَأَبَت إلَا اتِّباعَ اُختَيها ، وَالِاحتِذاءَ عَلى مِثالِهِما ، وأسرَعَت في قَتلِ مَن خالَفَها مِنَ المُسلِمينَ ، وتَتابَعَت إلَيَّ الأَخبارُ بِفِعلِهِم . فَخَرَجتُ حَتّى قَطَعتُ إلَيهِم دِجلَةَ ، اُوَجِّهُ السُّفَراءَ وَالنُّصَحاءَ ، وأطلُبُ العُتبى بِجُهدي بِهذا مَرَّةً وبِهذا مَرَّةً ـ وأومَأَ بِيَدِهِ إلَى الأَشتَرِ ، والأَحنَفِ بنِ قَيسٍ ، وسَعيدِ بنِ قَيسٍ الأَرحَبِيِّ ، وَالأَشعَثِ بنِ قَيسٍ الكِندِيِّ ـ فَلَمّا أبَوا إلّا تِلكَ رَكِبتُها مِنهُم فَقَتَلَهُمُ اللّهُ ـ يا أخَا اليَهودِ ـ عَن آخِرِهِم ، وهُم أربَعَةُ آلافٍ أو يَزيدونَ ، حَتّى لَم يَفلِت مِنهُم مُخبِرٌ ، فَاستَخرَجتُ ذَا الثُّدَيَّةِ مِن قَتلاهُم بِحَضرَةِ مَن تَرى ، لَهُ ثَديٌ كَثَديِ المَرأَةِ . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ عليه السلام : قَد وَفَيتُ سَبعاً وسَبعاً يا أخَا اليَهودِ ، وبَقِيَتِ الاُخرى ، وأوشِك بِها فَكَأَن قَد ۱
. فَبَكى أصحابُ عَلِيٍّ عليه السلام ، وبَكى رَأسُ اليَهودِ ، وقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا بِالاُخرى ؟
فَقالَ : الاُخرى أن تُخضَبَ هذِهِ ـ وأومَأَ بِيَدِهِ إلى لِحيَتِهِ ـ مِن هذِهِ ـ وأومَأَ بِيَدِهِ إلى هامَتِهِ ـ . قالَ : وَارتَفَعَت أصواتُ النّاسِ فِي المَسجِدِ الجامِعِ بِالضَّجَّةِ وَالبُكاءِ ، حَتّى لَم يَبقَ بِالكوفَةِ دارٌ إلّا خَرَجَ أهلُها فَزِعاً ، وأسلَمَ رَأسُ اليَهودِ عَلى يَدَي عَلِيٍّ عليه السلام مِن ساعَتِهِ . ولَم يَزَل مُقيماً حَتّى قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، واُخِذَ ابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ ، فَأَقبَلَ رَأسُ اليَهودِ حَتّى وَقَفَ عَلَى الحَسَنِ عليه السلام وَالنّاسُ حَولَهُ وَابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ بَينَ يَدَيهِ ، فَقالَ لَهُ : يا أبَا مُحَمَّدٍ ، اقتُلهُ قَتَلَهُ اللّهُ ؛ فَإِنّي رَأَيتُ فِي الكُتُبِ الَّتى
¨

1.أي فكأن قد وقعت (بحار الأنوار : ج۳۸ ص۱۸۶) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
558

فَلَمّا أبَوا إلّا غَلَبَتي عَلَى التَّحَكُّمِ تَبَرَّأتُ إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ مِنهُم ، وفَوَّضتُ ذلِكَ إلَيهِم ، فَقَلَّدوهُ امرَءاً ، فَخَدَعَهُ ابنُ العاصِ خَديعَةً ظَهَرَت في شَرقِ الأَرضِ وغَربِها ، وأظهَرَ المَخدوعُ عَلَيها نَدَماً . ثُمَّ أقبَلَ عليه السلام عَلى أصحابِهِ فَقال : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ عليه السلام : وأمَّا السّابِعَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله كانَ عَهِدَ إلَيَّ أن اُقاتِلَ في آخِرِ الزَّمانِ مِن أيّامي قَوماً مِن أصحابي يَصومونَ النَّهارَ ويَقومونَ اللَّيلَ ويَتلونَ الكِتابَ ، يَمرُقونَ ـ بِخِلافِهِم عَلَيَّ ومُحارَبَتِهِم إيّايَ ـ مِنَ الدّينِ مُروقَ السَّهمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، فيهِم ذُو الثُدَيَّةِ ، يُختَمُ لي بِقَتلِهِم بِالسَّعادَةِ .
فَلَمَّا انصَرَفتُ إلى مَوضِعي هذا ـ يَعني بَعدَ الحَكَمَينِ ـ أقبَلَ بَعضُ القَومِ عَلى بَعضٍ بِاللائِمَةِ فيما صاروا إلَيهِ مِن تَحكيمِ الحَكَمَينِ ، فَلَم يَجِدوا لِأَنفُسِهِم مِن ذلِكَ مَخرَجاً إلّا أن قالوا : كانَ يَنبَغي لِأَميرِنا أن لا يُبايِعَ ۱ مَن أخطَأَ ، وأن يَقضِيَ بِحَقيقَةِ رَأيِهِ عَلى قَتلِ نَفسِهِ وقَتلِ مَن خالَفَهُ مِنّا ، فَقَد كَفَرَ بِمُتابَعَتِهِ إيّانا وطاعَتِهِ لَنا فِي الخَطَأِ ، واُحِلَّ لَنا بِذلِكَ قَتلُهُ وسَفكُ دَمِهِ .
فَتَجَمَّعوا عَلى ذلِكَ وخَرَجوا راكِبينَ رُؤوسَهُم ، يُنادونَ بِأَعلى أصواتِهِم : لا حُكمَ إلّا للّهِِ ، ثُمَّ تَفَرَّقوا ؛ فِرقَةٌ بِالنُّخَيلَةِ ، واُخرى بِحَروراءَ ، واُخرى راكِبَةٌ رَأسَها تَخبِطُ الأَرضَ شَرقاً حَتّى عَبَرَت دِجلَةَ ، فَلَم تَمُرَّ بِمُسلِمٍ إلَا امتَحَنَتهُ ؛ فَمَن تابَعَهَا استَحيَتهُ ، ومَن خالَفَها قَتَلَتهُ .
فَخَرَجتُ إلَى الاُولَيَينِ واحِدَةً بَعدَ اُخرى أدعوهُم إلى طاعَةِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ وَالرُّجوعِ إلَيهِ ، فَأَبَيا إلَا السَّيفَ ، لا يَقنَعُهُما غَيرُ ذلِكَ ، فَلَمّا أعيَتِ الحيلَةُ فيهِما حاكَمتُهُما إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، فَقَتَلَ اللّهُ هذِهِ وهذِهِ . وكانوا ـ يا أخَا اليَهودِ ـ لَولا

1.في بحار الأنوار: «لايتابع» وهو الأنسب.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 169406
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي