ما فَعَلوا لَكانوا رُكناً قَوِيّاً وسَدّاً مَنيعاً ، فَأَبَى اللّهُ إلّا ما صاروا إلَيهِ . 
 ثُمَّ كَتَبتُ إلَى الفِرقَةِ الثّالِثَةِ ، ووَجَّهتُ رَسُلي تَترى ، وكانوا مِن جِلَّةِ أصحابي ، وأهلِ التَّعَبُّدِ مِنهُم ، وَالزُّهدِ فِي الدُّنيا ، فَأَبَت إلَا اتِّباعَ اُختَيها ، وَالِاحتِذاءَ عَلى مِثالِهِما ، وأسرَعَت في قَتلِ مَن خالَفَها مِنَ المُسلِمينَ ، وتَتابَعَت إلَيَّ الأَخبارُ بِفِعلِهِم . فَخَرَجتُ حَتّى قَطَعتُ إلَيهِم دِجلَةَ ، اُوَجِّهُ السُّفَراءَ وَالنُّصَحاءَ ، وأطلُبُ العُتبى بِجُهدي بِهذا مَرَّةً وبِهذا مَرَّةً ـ وأومَأَ بِيَدِهِ إلَى الأَشتَرِ ، والأَحنَفِ بنِ قَيسٍ ، وسَعيدِ بنِ قَيسٍ الأَرحَبِيِّ ، وَالأَشعَثِ بنِ قَيسٍ الكِندِيِّ ـ فَلَمّا أبَوا إلّا تِلكَ رَكِبتُها مِنهُم فَقَتَلَهُمُ اللّهُ ـ يا أخَا اليَهودِ ـ عَن آخِرِهِم ، وهُم أربَعَةُ آلافٍ أو يَزيدونَ ، حَتّى لَم يَفلِت مِنهُم مُخبِرٌ ، فَاستَخرَجتُ ذَا الثُّدَيَّةِ مِن قَتلاهُم بِحَضرَةِ مَن تَرى ، لَهُ ثَديٌ كَثَديِ المَرأَةِ . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ . 
 فَقالَ عليه السلام : قَد وَفَيتُ سَبعاً وسَبعاً يا أخَا اليَهودِ ، وبَقِيَتِ الاُخرى ، وأوشِك بِها فَكَأَن قَد ۱
 . فَبَكى أصحابُ عَلِيٍّ عليه السلام ، وبَكى رَأسُ اليَهودِ ، وقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، أخبِرنا بِالاُخرى ؟ 
 فَقالَ : الاُخرى أن تُخضَبَ هذِهِ ـ وأومَأَ بِيَدِهِ إلى لِحيَتِهِ ـ مِن هذِهِ ـ وأومَأَ بِيَدِهِ إلى هامَتِهِ ـ . قالَ : وَارتَفَعَت أصواتُ النّاسِ فِي المَسجِدِ الجامِعِ بِالضَّجَّةِ وَالبُكاءِ ، حَتّى لَم يَبقَ بِالكوفَةِ دارٌ إلّا خَرَجَ أهلُها فَزِعاً ، وأسلَمَ رَأسُ اليَهودِ عَلى يَدَي عَلِيٍّ عليه السلام مِن ساعَتِهِ . ولَم يَزَل مُقيماً حَتّى قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، واُخِذَ ابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ ، فَأَقبَلَ رَأسُ اليَهودِ حَتّى وَقَفَ عَلَى الحَسَنِ عليه السلام وَالنّاسُ حَولَهُ وَابنُ مُلجَمٍ لَعَنَهُ اللّهُ بَينَ يَدَيهِ ، فَقالَ لَهُ : يا أبَا مُحَمَّدٍ ، اقتُلهُ قَتَلَهُ اللّهُ ؛ فَإِنّي رَأَيتُ فِي الكُتُبِ الَّتى 
 ¨