57
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

أيُّهَا النّاسُ ! استَعِدّوا لِقِتالِ عَدُوٍّ في جِهادِهِمُ القُربَةُ إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، ودَركُ الوَسيلَةِ عِندَهُ ؛ قَومٍ حَيارى عَنِ الحَقِّ لا يُبصِرونَهُ موزَعِينَ ۱ بِالجَورِ وَالظُّلمِ لا يَعدِلونَ بِهِ ، جُفاةٍ عَنِ الكِتابِ ، نُكبٍ عَنِ الدّينِ ، يَعمَهونَ ۲ فِي الطُّغيانِ ، ويَتَسَكَّعونَ في غَمرَةِ الضَّلالِ ، فَأَعِدّوا لَهُم ما استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ ومِن رِباطِ الخَيلِ وتَوَكَّلوا عَلَى اللّهِ ، وكفى بِاللّهِ وكَيلاً .
قالَ : فَلَم يَنفِروا ولَم يَنشَروا ۳ ، فَتَرَكَهُم أيّاماً ، ثُمَّ خَطَبَهُم فَقالَ ۴ : اُفٍّ لَكُم ! لَقَد سَئِمتُ عِتابَكُم ! أ رَضيتُم بِالحَياةِ الدُّنيا مِنَ الآخِرَةِ عِوَضا ، وبِالذُّلِّ مِنَ العِزِّ خَلَفا ؟ إذا دَعَوتُكُم إلى جِهادِ عَدُوِّكُم دارَت أعيُنُكُم ، كَأَنَّكُم مِنَ المَوتِ في غَمرَةٍ ، ومِنَ الذُّهولِ في سَكرَةٍ . يَرتَجُّ عَلَيكُم حِواري فَتَعمَهونَ ، فَكَأَنَّ قُلوبَكُم مَألوسَةٌ ، فَأَنتُم لا تَعقِلونَ ، ما أنتُم لي بِثِقَةٍ سَجيسَ اللَّيالي ، وما أنتُم بِرُكنٍ يُمالُ بِكُم ، ولا زَوافِرَ ۵ عِزٍّ يُفتَقَرُ إلَيكُم . ما أنتُم إلّا كَإِبلٍ ضَلَّ رُعاتُها ، فَكُلَّما جُمِعَت مِن جانِبٍ انتَشَرَت مِن آخَرَ .
لَبِئسَ ـ لَعَمرُ اللّهِ ـ سَعرُ نارِ الحَربِ أنتُم ! تُكادونَ ولا تَكيدونَ ، وتُنتَقَصُ أطرافُكُم فَلا تَمتَعِضونَ ، لا يُنامُ عَنكُم وأنتُم في غَفلَةٍ ساهونَ ، غُلِبَ وَاللّهِ المُتَخاذِلونَ ! وَايمُ اللّهِ إنّي لَأَظُنُّ بِكُم أن لَو حَمِس الوَغىُ ، وَاستَحَرَّ المَوتُ ، قَد انفَرَجتُم عَنِ ابنِ أبي طالِبٍ انفِراجَ الرَّأسِ .
وَاللّهِ إنَّ امرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِن نَفسِهِ يَعرُقُ لَحمَهُ ، ويَهشِمُ عَظمَهُ ، ويَفري جِلدَهُ ، لَعَظيمٌ عَجَزُهُ ، ضَعيفٌ ما ضَمَّت عَلَيهِ جَوانِحُ صَدرِهِ .

1.مُوْزَع به : أي مولَع به ، وقد اُوزع بالشيء : إذا اعتاده ، وأكثر منه (النهاية : ج۵ ص۱۸۱) .

2.من العَمَه : التحيّر والتردّد . والعَمَهُ في الرأي ، والعَمَى في البصر (لسان العرب : ج۱۳ ص۵۱۹) .

3.يُقال : جاء القوم نَشَراً ؛ أي منتشرين متفرّقين (النهاية : ج۵ ص۵۵) .

4.من هنا إلى آخر الخطبة نقلناه من نهج البلاغة : الخطبة ۳۴ .

5.زوافر : جمع زافرة ، وزافرة الرجل : أنصاره وخاصّته (النهاية : ج۲ ص۳۰۴) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
56

1 / 2

ذَمُّ الإِمامِ أصحابَهُ لَمّا كَرِهُوا المَسيرَ إلَى الشّامِ

۲۷۵۱.الغارات عن قيس بن السكن :سَمِعتُ عَلِيّا عليه السلام يَقولُ ونَحنُ بِمَسكِنٍ ۱ :
يا مَعشَرَ المُهاجِرينَ ! «ادْخُلُواْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَـسِرِينَ»۲ . فَتَلَكَّؤوا ، وقالوا : البَردُ شَديدٌ ، وكانَ غَزاتُهُم فِي البرَدِ .
فَقالَ عليه السلام : إنَّ القَومَ يَجِدونَ البَردَ كَما تَجِدونَ . قالَ : فَلَم يَفعَلوا وأبَوا ، فَلَمّا رَأى ذلِكَ مِنهُم قالَ : اُفٍّ لَكُم ! إنَّها سُنَّةٌ جَرَت عَلَيكُم ۳ .

۲۷۵۲.شرح نهج البلاغة عن أبي ودّاك :لَمّا كَرِهَ القَومُ المَسيرَ إلَى الشّامِ عَقيبَ واقِعَةِ النَّهرَوانِ أقبَلَ بِهِم أميرُ المُؤمِنينَ ، فَأَنزَلَهُمُ النُّخَيلَةَ ، وأمَرَ النّاسَ أن يَلزِموا مُعَسكَرَهُم ويُوَطِّنوا عَلَى الجِهادِ أنفُسَهُم ، وأن يُقِلّوا زِيارَةَ النِّساءِ وأبنائِهِم حَتّى يَسيرَ بِهِم إلى عَدُوِّهِم ، وكانَ ذلِكَ هُوَ الرَّأيُ لَو فَعَلوهُ ، لكِنَّهُم لَم يَفعَلوا ، وأقبَلوا يَتَسَلَّلونَ ويَدخُلونَ الكوفَةَ ، فَتَرَكوهُ عليه السلام وما مَعَهُ مِنَ النّاسِ إلّا رِجالٌ مِن وُجوهِهِم قَليلٌ ، وبَقِيَ المُعَسكَرُ خالِياً ، فَلا مَن دَخَلَ الكوفَةَ خَرَجَ إلَيهِ ، ولا مَن أقامَ مَعَهُ صَبَرَ ، فَلَمّا رَأى ذلِكَ دَخَلَ الكوفَةَ .
قالَ نَصرُ بنُ مُزاحِمٍ : فَخَطَبَ النّاسَ بِالكوفَةِ ، وهِيَ أَوَّلُ خُطبَةٍ خَطَبَها بَعدَ قُدومِهِ مِن حَربِ الخَوارِجِ ، فَقالَ :

1.مَسْكِن : موضع بالكوفة قريب من أوانا على نهر دُجيل عند دير الجاثليق ، به كانت الوقعة بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير ، فقُتل مصعب ، وقبره هناك معروف (معجم البلدان : ج۵ ص۱۲۷) .

2.المائدة : ۲۱ .

3.الغارات : ج۱ ص۲۶ ؛ شرح نهج البلاغة : ج۲ ص۱۹۳ نحوه .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 165312
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي