63
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4

ووَرِثَها أبعَدُها .
وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ، إنَّ مِن وَرائِكُم للَأَعوَرَ الأَدبَرَ ، جََهنَّمُ الدُّنيا ، لا يُبقي ولا يَذَرُ ، ومِن بَعدِهِ النَّهّاسُ الفَرّاسُ الجَموعُ المَنوعُ ، ثُمَّ لَيَتَوارَثَنَّكُم مِن بَني اُمَيَّةَ عِدَّةٌ ، ما الآخِرُ بِأَرأَفَ بِكُم مِنَ الأَوَّلِ ، ما خَلا رَجُلاً واحِدا ۱ ، بَلاءٌ قَضاهُ اللّهُ عَلى هذِهِ الاُمَّةِ لا مَحالَةَ كائِنٌ ، يَقتُلونَ خِيارَكُم ، ويَستَعبِدونَ أراذِلَكُم ، ويَستَخرِجونَ كُنوزَكُم وذَخائِرَكُم مِن جَوفِ حِجالِكُم ۲
، نِقمَةً بِما ضَيَّعتُم مِن اُمورِكُم ، وصَلاحِ أنفُسِكُم وَدينِكُم .
يا أهلَ الكوفَةِ ! اُخبِرُكُم بِما يَكونُ قَبلَ أن يَكونَ ؛ لِتَكونوا مِنهُ عَلى حَذَرٍ ، ولِتُنذِروا بِهِ مَنِ اتَّعَظَ وَاعتَبَرَ : كَأَنّي بِكُم تَقولونَ : إنَّ عَلِيّا يَكذِبُ ، كَما قالَت قُرَيشٌ لِنَبِيِّها صلى الله عليه و آله وسَيِّدِها نَبِيِّ الرَّحمَةِ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللّهِ حَبيبِ اللّهِ ، فَيا وَيلَكُم ! أفَعَلى مَن أكذِبُ ؟ ! أعَلَى اللّهِ ؟ فَأَنَا أوَّلُ مَن عَبَدَهُ ووَحَّدَهُ ، أم عَلى رَسولِهِ ؟ فَأَنَا أوَّلُ مَن آمَنَ بِهِ وصَدَّقَهُ ونَصَرَهُ ! كَلّا ، وَلكِنَّها لَهجَةٌ خَدِعَةٌ كُنتُم عَنها أغبِياءَ .
وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ «لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ»۳ وذلِكَ إذا صَيَّرَكُم إلَيها جَهلُكُم ، ولا يَنفَعُكُم عِندَها عِلمُكُم .
فَقُبحا لَكُم يا أشباهَ الرِّجالِ ولا رِجالَ ، حُلومُ ۴ الأَطفالِ ، وعُقولُ رَبّاتِ الحِجالِ ، أمَ وَاللّهِ أيُّهَا الشّاهِدَةُ أبدانُهُمُ ، الغائِبَةُ عَنهُم عُقولُهُمُ ، المُختَلِفَةُ أهواؤُهُم ، ما أعَزَّ اللّهُ نَصرَ مَن دَعاكُم ، ولَا استَراحَ قَلبُ مَن قاساكُم ، ولا قَرَّت عَينُ مَن آواكُم ، كَلامُكُم

1.قال المجلسي قدس سره : المراد بالنّهاس الفرّاس إمّا هشام بن عبد الملك ؛ لاشتهاره بالبخل ، أو سليمان بن عبد الملك ، والأوّل أنسب . والمراد بالرجل الواحد هو عمر بن عبد العزيز (بحار الأنوار : ج۳۴ ص۱۴۰) .

2.الحِجال : جمع الحَجَلة ؛ وهي بيت كالقُبّة يُستَر بالثياب ، وتكون له أزرار كِبار (النهاية : ج۱ ص۳۴۶) .

3.ص : ۸۸ .

4.الحُلوم : جمع الحِلمْ ؛ وهو الأناة والعقل (لسان العرب : ج۱۲ ص۱۴۶) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
62

قَد رَأيتُمُ الحِرمانَ وَالأَثَرَةَ ، ووَقعَ السَّيفِ ، ونُزولَ الخَوفِ ، لَقَد نَدِمتُم وخَسِرتُم عَلى تَفريطِكُم في جِهادِهِم ، وتَذاكَرتُم ما أنتُم فيهِ اليَومَ مِنَ الخَفضِ ۱ والعافِيَةِ حينَ لا يَنفَعُكُمُ التَّذكارُ ۲ .

2 / 2

التَّحذيرُ مِن جَهَنَّمِ الدُّنيا

۲۷۵۶.الإمام عليّ عليه السلامـ في كَلامِهِ مَعَ أهلِ الكوفَةِ ـ: أيُّهَا النّاسُ ! إنِّي استنَفَرتُكُم لِجِهادِ هؤُلاءِ القَومِ [أي أهلِ الشّامِ ]فَلَم تَنفِروا ، وأسمَعتُكُم فَلَم تُجيبوا ، ونَصَحتُ لَكُم فَلمَ تَقبَلوا ، شُهودٌ كَالغُيَّبِ ، أتلو عَلَيكُمُ الحِكمَةَ فتُعرِضونَ عَنها ، وأعظِكُمُ بِالمَوعِظَةِ البالِغَةِ فَتَتَفَرَّقونَ عَنها ، كَأنَّكُم حُمُرٌ مُستَنفِرَةٌ فَرَّت مِن قَسوَرَةٍ ۳ ، وأحُثُّكُم عَلى جِهادِ أهلِ الجَورِ فَما آتي عَلى آخِرِ قَولي حَتّى أراكُم مُتَفَرِّقينَ أيادِيَ سَبَأٍ ، تَرجِعونَ إلى مَجالِسِكُم تَتَرَبَّعونَ حِلَقا ، تَضرِبونَ الأَمثالَ وتَناشَدونَ الأشعارَ ، وتَجَسَّسونَ الأَخبارَ ، حَتّى إذا تَفَرَّقتُم تَسأَلونَ عَنِ الأَسعارِ ، جَهلةً مِن غَيرِ عِلمٍ ، وغَفلةً مِن غَيرِ وَرَعٍ ، وتَتَبُّعا في غَير خَوفٍ ، نَسيتُمُ الحَربَ والاِستِعدادَ لَها ، فَأَصبَحَت قُلوبُكُم فارِغَةً مِن ذِكرِها ، شَغَلتُموها بِالأَعاليلِ وَالأَباطيلِ . فَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ ! وما لي لا أعجَبُ مِنِ اجتِماعِ قَومٍ عَلى باطِلِهِم ، وتَخاذُلِكُم عَن حَقِّكُم !
يا أهلَ الكوفَةِ ! أنتُم كَاُمِّ مُجالِدٍ ، حَمَلَت فَأَملَصَت ۴ ، فَماتَ قَيِّمُها ، وطالَ تَأَيُّمُها ،

1.الخَفْض : الدَّعة والسكون (النهاية : ج۲ ص۵۴) .

2.الإرشاد : ج۱ ص۲۷۴ ، الغارات : ج۲ ص۵۱۱ عن عمرو بن محصن ؛ الإمامة والسياسة : ج۱ ص۱۷۲ كلاهما نحوه .

3.قيل : هو الرُّماة من الصيّادين . وقيل : هو الأسد . وقيل : كلُّ شديد (النهاية : ج۴ ص۶۳) .

4.إملاص المرأة الجنين : هو أن تُزلِق الجنين قبل وقت الولادة . وكلّ ما زلق من اليد فقد مَلِص (النهاية : ج۴ ص۳۵۶) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج4
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 165087
الصفحه من 684
طباعه  ارسل الي