بِالنَّفسِ الإِنصافُ مِنها فيما أحبَبتَ وكَرِهتَ .
وأشعِر قَلبَكَ الرَّحمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، وَالمَحَبَّةَ لَهُم ، وَاللُّطفَ بِالإِحسانِ إلَيهِم ، ولا تَكونَنَّ عَلَيهِم سَبُعاً ضارِياً تَغتَنِمُ اُكلَهُم ؛ فَإِنَّهُم صِنفانِ ؛ إمّا أخٌ لَكَ فِي الدّينِ ، وإمّا نَظيرٌ لَكَ فِي الخَلقِ ، يَفرُطُ ۱ مِنهُمُ الزَّلَلَ ، وتَعرِضُ لَهُمُ العِلَلُ ، ويُؤتى على أيديهِم فِي العَمدِ وَالخَطَاَ، فَأَعطِهِم مِن عَفوِكَ وصَفحِكَ مِثلَ الَّذي تُحِبُّ أن يُعطِيَكَ اللّهُ مِن عَفوِهِ ؛ فَإِنَّكَ فَوقَهُم ، ووالِي الأَمرِ عَلَيكَ فَوقَكَ ، وَاللّهُ فَوقَ مَن وَلّاكَ بِما عَرَّفَكَ مِن كِتابِهِ ، وبَصَّرَكَ مِن سُنَنِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله .
عَلَيكَ بِما كَتَبنا لَكَ في عَهدِنا هذا ، لا تَنصِبَنَّ نَفسَكَ لِحَربِ اللّهِ ؛ فَإِنَّهُ لا يَدَ لَكَ بِنِقمَتِهِ ، ولا غِنى بِكَ عَن عَفوِهِ ورَحمَتِهِ . فَلا تنَدَمَنَّ عَلى عَفوٍ ، ولا تَبجَحَنَّ ۲ بِعُقوبَةٍ ، ولا تَسرَعَنَّ إلى بادِرَةٍ ۳ وَجَدتَ عَنها مَندوحَةً ۴ ، ولا تَقولَنَّ : إنّي مُؤَمَّرٌ ؛ آمُرُ فَاُطاعُ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ إدغالٌ ۵ فِي القَلبِ ، ومَنهَكَةٌ ۶ لِلدّينِ ، وتَقَرُّبٌ مِنَ الفِتَنِ ، فَتَعَوَّذ بِاللّهِ مِن دَركِ الشِّقاءِ .
وإذا أعجَبَكَ ما أنتَ فيهِ مِن سُلطانِكَ فَحَدَثَت لَكَ بِهِ اُبَّهَةً أو مَخيلَةً فَانظُر إلى عِظَمِ مُلكِ اللّهِ فَوقَكَ ، وقُدرَتِهِ مِنكَ عَلى ما لا تَقدِرُ عَلَيهِ مِن نَفسِكَ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ يُطامِنُ ۷ إلَيك
1.كما في نهج البلاغة ، وفي المصدر : «تفرط» .
2.البَجَح : الفَرَح ، وتبجّح به : فخر ، وفلان يتبجّح : أي يفتخر ويباهي بشيء ما ، وقد بَجِح يَبجحَ (لسان العرب : ج۲ ص۴۰۵ و ۴۰۶) .
3.البادِرَة : الحِدّة ، وهو ما يَبدر من حِدّةِ الرجل عند غضبه من قول أو فعل (لسان العرب : ج۴ ص۴۸) .
4.لي عن هذا الأمر مَندوحة : أي مُتّسعٌ (لسان العرب : ج۲ ص۶۱۳) .
5.أدغلَ في الأمر : أدخل فيه ما يُفسِده ويخالفه (لسان العرب : ج۱۱ ص۲۴۴) .
6.النَّهك : التنقّص (لسان العرب : ج۱۰ ص۴۹۹) .
7.طامَنَ ظهره : إذا حنى ظهره (لسان العرب : ج۱۳ ص۲۶۸) والمراد يُخفض ويسكن .