227
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج5

كِيانِهِ مِن روحِ الإِسلامِ ومِن حَقيقَتِهِ ، لَم يَكُن شَيئا مِن ظُروفِ الآخَرينَ ولَم يَرتَبِط بِموجِباتِ العُمُرِ ؛ لِأَنَّ إسلامَ عَلِيٍّ كانَ أعمَقَ مِن ضَرورَةِ الاِرتِباطِ بِالظُّروفِ إذ كانَ جارِيا مِن روحِهِ كَما تَجرِي الأَشياءُ مِن مَعادِنِها وَالمِياهُ مِن يَنابيعِها . فَإِنَّ الصَّبِيَّ ما كادَ يَستَطيعُ التَّعبيرَ عَن خَلَجاتِ نَفَسِهِ ، حَتّى أدّى فَرضَ الصَّلاةِ وشَهِدَ بِاللّهِ ورَسولِهِ دونَ أن يَستَأذِنَ أو يَستَشيرَ .
لَقد كانَ أوَّلُ سُجودِ المُسلِمينَ الاُوَلِ لِالِهَةِ قُرَيشٍ !
وكانَ أوَّلُ سُجودِ عَلِيٍّ لِاءِلهِ مُحَمَّدٍ !
إلّا أنَّهُ إسلامُ الرَّجُلِ الَّذي اُتيحَ لَهُ أن يَنشَأَ عَلى حُبِّ الخَيرِ ويَنمُوَ في رِعايَةِ النَّبِيِّ ويُصبِحَ إمامَ العادِلينَ مِن بَعدِهِ ، ورُبّانَ السَّفينَةِ في غَمرَةِ العَواصِفِ وَالأَمواجِ» ۱ .
يتبيّن ممّا ذكرناه ـ وهو غيض من فيض ، ويمكن ملاحظة حقائق كثيرة تدعم ما أوردناه ـ ما يأتي :
1 ـ يعود إيمان عليّ عليه السلام إلى السنين التي سبقت الجهر بالرسالة الإسلاميّة .
2 ـ تباينت أقوال المؤرّخين في عمره عليه السلام حين تصديقه النبيّ صلى الله عليه و آله بين الثمان ۲ ، والتسع ۳ ،

1.الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانيّة : ص۳۸ .

2.التاريخ الكبير : ج۶ ص۲۵۹ الرقم ۲۳۴۳ ، السنن الكبرى : ج۶ ص۳۳۹ ح۱۲۱۶۰ ، تاريخ دمشق : ج۴۲ ص۲۵ ، المعجم الكبير : ج۱ ص۹۵ ح۱۶۲ كلّها عن عروة ، تاريخ بغداد : ج۱ ص۱۳۴ ح۱ عن أبي الأسود عمّن حدّثه ، الاستيعاب : ج۳ ص۱۹۹ الرقم ۱۸۷۵ عن أبي الأسود .

3.الطبقات الكبرى : ج۳ ص۲۱ عن محمّد بن عبد الرحمن بن زرارة ، تاريخ دمشق : ج۴۲ ص۲۶ عن محمّد بن عبد الرحمن بن زرارة وحسن بن زيد وأبي نعيم ، المعارف لابن قتيبة : ص۱۶۸ عن ابن إسحاق ، تاريخ الطبري : ج۲ ص۳۱۲ ، الكامل في التاريخ : ج۱ ص۴۸۴ ، البداية والنهاية : ج۳ ص۲۵ والثلاثة الأخيرة عن الكلبي ، شرح نهج البلاغة : ج۱۳ ص۲۳۵ عن الشعبي .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج5
226

وقَد رُوِيَ أنَّ السَّنَةَ الَّتي وُلِدَ فيها عَلِيٌّ عليه السلام هِيَ السَّنَةُ الَّتي بُدِئَ فيها بِرِسالَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَاُسمِعَ الهُتافَ مِنَ الأَحجارِ وَالأَشجارِ ، وكُشِفَ عَن بَصَرِهِ ، فَشاهَدَ أنوارا وأشخاصا ، ولَم يُخاطَب فيها بِشَيءٍ .
وهذِهِ السَّنَةُ هِيَ السَّنَةُ الَّتِي ابتَدَأَ فيها بِالتَّبَتُّلِ وَالاِنقِطاعِ وَالعُزلَةِ في جَبَلِ حِراءَ ، فَلَم يَزَل بِهِ حَتّى كوشِفَ بِالرِّسالَةِ ، واُنزِلَ عَلَيهِ الوَحيُ . وكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَتَيَمَّنُ بِتِلكَ السَّنَةِ وبِوِلادَةِ عَلِيٍّ عليه السلام فيها ، ويُسَمّيها سَنَةَ الخَيرِ وسَنَةَ البَرَكَةِ ، وقالَ لِأَهلِهِ لَيلَةَ وِلادَتِهِ ، وفيها شاهَدَ ما شاهَدَ مِن الكَراماتِ وَالقُدرَةِ الإِلهِيَّةِ ، ولَم يَكُن مِن قَبلِها شاهَدَ مِن ذلِكَ شَيئا : «لَقَد وُلِدَ لَنَا اللَّيلَةَ مَولودٌ يَفتَحُ اللّهُ عَلَينا بِهِ أبوابا كَثيرَةً مِنَ النِّعمَةِ وَالرَّحمَةِ» .
وكانَ كَما قالَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ؛ فَإِنَّهُ عليه السلام كانَ ناصِرَهُ وَالمُحامِيَ عَنهُ وكاشِفَ الغَمّاءِ عَن وَجهِهِ ، وبِسَيفِهِ ثَبَتَ دينُ الإِسلامِ ، ورَسَت دَعائِمُهُ ، وتَمَهَّدَت قَواعِدُهُ» ۱ .
ويقول الكاتب المسيحي الشهير جورج جرداق : «وإذا أسلَمَ بَعضُ الوُجوهِ مِن قُرَيشٍ مُنذُ أوَّلِ الدَّعوَةِ احتِكاما لِلعَقلِ وتَخَلُّصا مِنَ الوَثَنِيَّةِ ؛ وإذا أسلَمَ كَثيرٌ مِنَ العَبيدِ وَالأَرِقّاءِ وَالمُضطَهَدينَ طَلَبا لِلعَدالَةِ الَّتي تَتَدَفَّقُ بِها رِسالَةُ مُحَمَّدٍ ، وَاستِنكارا لِلجَورِ الَّذي يُلهِبُ ظُهورَهُم بِسِياطِهِ ؛ وإذا أسلَمَ قَومٌ بَعدَ انتِصارِ النَّبِيِّ امتِثالاً لِلواقِعِ وتَزَلُّفا لِلمُنتَصَرِ كَما هِيَ الحالُ بِالنِّسبَةِ لِأَكثَرِ الأَمَوِيّينَ ؛ إذا أسلَمَ هؤُلاءِ جَميعا في ظُروفٍ تَتَفاوَتُ مِن حَيثُ قيمَتِها ومَعانيهَا الإِنسانِيَّةِ ، وتَتَّحِدُ في خُضوعِها لِلمَنطِقِ أو لِلواقِعِ الرّاهِنِ ، فَإِنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ قَد وُلِدَ مُسلِما ؛ لِأَ نَّهُ مِن مَعدِنِ الرِّسالَةِ مَولِدا ونَشأَةً ، ومِن ذاتِهِ خَلقا وفِطرَةً . ثُمَّ إنَّ الظَّرفَ الَّذي أعلَنَ فيهِ عَمّا يَكمُنُ فى
¨

1.شرح نهج البلاغة : ج۴ ص۱۱۴ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج5
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 326766
الصفحه من 520
طباعه  ارسل الي