55
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج5

9 / 4

أبو عَلِيٍّ ابنُ سينا ۱

۳۹۵۳.معراج نامه :قالَ أشرَفُ البَشَرِ وأعَزُّ الأَنبِياءِ وخاتَمُ الرُّسُلِ لِمَركَزِ دائِرَةِ الحِكمَةِ وفَلَكِ الحَقائِقِ ، وخَزانَةِ العُقولِ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٍّ عليه السلام : «يا عَلِيُّ ، إذا رَأَيتَ النّاسَ مُقَرَّبونَ إلى خالِقِهِم بِأَنواعِ البِرِّ تَقَرَّب إلَيهِ بِأَنواعِ العَقلِ تَسبِقهُم» ۲ . ولا يَستَقيمُ هذَا الخِطابُ لِأَحَدٍ إلّا لِعَظيمٍ كَهذَا ، الَّذي مَحَلُّهُ بَينَ النّاسِ نَظيرُ المَعقولاتِ بَينَ المَحسوساتِ ؛ فَقالَ لَهُ : يا عَلِيُّ ، أتعِب نَفسَكَ في تَحصيلِ المَعقولاتِ كَما أنَّ النّاسَ يُتعِبونَ أنفُسَهُم في كَثرَةِ العِباداتِ ؛ كَي تَسبِقَ الجَميعَ . ولَمّا كانَ إدراكُهُ لِلحَقائِقِ بِبَصيرَةِ العَقلِ استَوَت عِندَهُ المَحسوساتُ وَالمَعقولاتُ وكانَت عِندَهُ بِمَنزِلَةٍ سَواءٍ ، ولِهذا قالَ عليه السلام : «لَو كُشِفَ الغِطاءُ مَا ازدَدتُ يَقيناً» .
ولا ثَروَةَ أعظَمُ مِن إدراكِ المَعقولاتِ ؛ فَإِدراكُ المَعقولاتِ هُوَ الجَنَّةُ بِتَمامِ نَعيمِها بِزَنجَبيلِها وسَلسَبيلِها . وأمَّا الجَحيمُ بِقُيودِها وعَذابِها فَهُوَ مُتابَعَةُ مُتَعَلَّقاتِ الأَجسامِ وشُؤونِها ، وهذِهِ المُتابَعَةُ هَوَت بِالنّاسِ في جَحيمِ الهَوى ، وأسَرَتهُم بِقَيدِ الخَيالِ ومَرارَةِ الوَهمِ ۳ .

1.الشيخ الرئيس إمام الحكماء ، أبو حسين بن عبد اللّه بن حسن بن عليّ ، المعروف بابن سينا . من نوابغ البشريّة . ولد سنة (۳۷۰ ه ) ، وتوفّي في همدان سنة (۴۲۸ ه ) . طلب العلم في بخارى ، وحفظ القرآن الكريم في العاشرة من عمره . تتلمذ عند أبي عبد اللّه النامقي في المنطق والهندسة والنجوم ففاق اُستاذه في هذه العلوم . ثمّ سعى في تحصيل علوم الطبّ وماوراء المادّة . ثمّ اطّلع على مؤلّفات الفارابي ، وأخذ في تحصيل الفلسفة . . . . من كتبه : القانون في الطبّ ، والشفاء والإشارات في الفلسفة .

2.لم نعثر على هذا النصّ بعينه ، وإنّما عثرنا على نصوص مقاربة له ، منها ما ورد في حلية الأولياء : ج۱ ص۱۸ : «يا عليّ ، إذا تقرّب الناس إلى خالقهم في أبواب البرّ فتقرّب بأنواع العقل ، تسبقهم بالدرجات والزلفى عند الناس في الدنيا وعند اللّه في الآخرة» وفي مشكاة الأنوار : ص۴۳۹ ح۱۴۷۶ : «يا عليّ ، إذا تقرّب العباد إلى خالقهم بالبرّ فتقرّب إليه بالعقل تسبقهم ، إنّا معاشر الأنبياء نكلّم الناس على قدر عقولهم» .

3.معراج نامه (بالفارسيّة) : ص۹۴ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج5
54

فَضلِهِم وزُهدِهِم وعِبادَتِهِم وسَخائِهِم ، وَانتِفاعِ الخَلقِ بِهِم .
فَهَل يُمكِنُ ألّا يَتَعَصَّبَ البَشَرُ كُلُّهُم مَعَ هذَا الشَّخصِ ؟ ! وهَل تَستَطيعُ القُلوبُ ألّا تُحِبَّهُ وتَهواهُ ، وتَذوبَ فيهِ وتَفنى في عِشقِهِ ، انتِصارا لَهُ ، وحَمِيَّةً مِن أجلِهِ ، وأنَفَةً مِمّا نالَهُ ، وَامتِعاضا مِمّا جَرى عَلَيهِ ؟ ! وهذا أمرٌ مَركوزٌ فِي الطَّبائِعِ ، ومَخلوقٌ فِي الغَرائِزِ ، كَما يُشاهِدُ النّاسُ عَلَى الجُرُفِ إنسانا قَد وَقَعَ فِي الماءِ العَميقِ ، وهُوَ لا يُحسِنُ السِّباحَةَ ؛ فَإِنَّهُم بِالطَّبعِ البَشَرِيِّ يَرِقّونَ عَلَيهِ رِقَّةً شَديدَةً ، وقَد يُلقي قَومٌ مِنهُم أنفُسَهُم فِي الماءِ نَحوَهُ ، يَطلُبونَ تَخليصَهُ ،لايَتَوَقَّعونَ عَلى ذلِكَ مُجازاةً مِنهُ بِمالٍ أو شُكرٍ ، ولا ثَوابا فِي الآخِرَةِ ، فَقَد يَكونُ مِنهُم مَن لا يَعتَقِدُ أمرَ الآخِرَةِ ، ولكِنَّها رِقَّةٌ بَشَرِيَّةٌ ، وكَأَنَّ الواحِدَ مِنهُم يَتَخَيَّلُ في نَفسِهِ أنَّهُ ذلِكَ الغَريقُ ، فَكَما يَطلُبُ خَلاصَ نَفسِهِ لَو كانَ هذَا الغَريقُ ، كَذلِكَ يَطلُبُ تَخليصَ مَن هُوَ في تِلكَ الحالِ الصَّعبَةِ لِلمُشارَكَةِ الجِنسِيَّةِ .
وكَذلِكَ لَو أنَّ مَلِكا ظَلَمَ أهلَ بَلَدٍ مِن بِلادِهِ ظُلما عَنيفا ، لَكانَ أهلُ ذلِكَ البَلَدِ يَتَعَصَّبُ بَعضُهُم لِبَعضٍ فِي الِانتِصارِ مِن ذلِكَ المَلِكِ ، وَالِاستِعداءِ عَلَيهِ ، فَلَو كانَ مِن جُملَتِهِم رَجُلٌ عَظيمُ القَدرِ ، جَليلُ الشَّأنِ ، قَد ظَلَمَهُ المَلِكُ أكثَرَ مِن ظُلمِهِ إيّاهُم ، وأخَذَ أموالَهُ وضِياعَهُ ، وقَتَلَ أولادَهُ وأهلَهُ ، كانَ لِياذُهُم بِهِ ، وَانضِواؤُهُم إلَيهِ ، وَاجتِماعُهُم وَالتِفافُهُم بِهِ أعظَمَ وأعظَمَ ؛ لِأَنَّ الطَّبيعَةَ البَشَرِيَّةَ تَدعو إلى ذلِكَ عَلى سَبيلِ الإيجابِ الِاضطِرارِيِّ ، ولا يَستَطيعُ الإِنسانُ مِنهُ امتِناعا .
وهذا مَحصولُ قَولِ النَّقيبِ أبي جَعفَرٍ ، قَد حَكَيتُهُ وَالأَلفاظُ لي وَالمَعنى لَهُ ؛ لِأَ نّي لا أحفَظُ الآنَ ألفاظَهُ بِعَينِها ، إلّا أنَّ هذا هُوَ كانَ مَعنى قَولِهِ وفَحواهُ ۱ .

1.شرح نهج البلاغة : ج۱۰ ص۲۲۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج5
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 255907
الصفحه من 520
طباعه  ارسل الي