73
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج5

فَقالَ المَأمونُ : هذا باطِلٌ مِن قِبَلِ أنَّ عَلِيّاً عليه السلام قَعَدَ عَن بَيعَةِ أبي بَكرٍ ، ورَوَيتُم أنَّهُ قَعَدَ عَنها حَتّى قُبِضَت فاطِمَةُ عليهاالسلام ، وأنَّها أوصَت أن تُدفَنَ لَيلاً لِئَلّا يَشهَدا جِنازَتَها .
ووَجهٌ آخَرُ : وهُوَ أنَّهُ إن كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله استَخلَفَهُ ، فَكَيفَ كانَ لَهُ أن يَستَقيلَ وهُوَ يَقولُ لِلأَنصارِ : قَد رَضيتُ لَكُم أحَدَ هذَينِ الرَّجُلَينِ أبا عُبَيدَةَ وعُمَرَ ؟
قالَ آخَرُ : إنَّ عَمرَو بنَ العاصِ قالَ : يا نَبِيَّ اللّهِ مَن أحَبُّ النّاسِ إلَيكَ مِنَ النِّساءِ ؟ قالَ : عائِشَةَ . فَقالَ : مِنَ الرِّجالِ ؟ فَقالَ : أبوها .
فَقالَ المَأمونُ : هذا باطِلٌ مِن قِبَلِ أنَّكُم رَوَيتُم أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله وُضِعَ بَينَ يَدَيهِ طائِرٌ مَشوِيٌّ فَقالَ : اللّهُمَّ ائتِني بِأَحَبِّ خَلقِكَ إلَيكَ ، فَكانَ عَلِيّا عليه السلام . فَأَيُّ رِوايَتِكُم تُقبَلُ ؟
فَقالَ آخَرُ : فَإِنَّ عَلِيّاً عليه السلام قالَ : مَن فَضَّلَني عَلى أبي بَكرٍ وعُمَرَ جَلَدتُهُ حَدَّ المُفتَري .
قالَ المَأمونُ : كَيفَ يَجوزُ أن يَقولَ عَلِيٌّ عليه السلام أجلِدُ الحَدَّ عَلى مَن لا يَجِبُ حَدٌّ عَلَيهِ ، فَيَكونَ مُتَعَدِّياً لِحُدودِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ ، عامِلاً بِخِلافِ أمرِهِ ، ولَيسَ تَفضيلُ مَن فَضَّلَهُ عَلَيهِما فِريَةً ، وقَد رَوَيتُم عَن إمامِكُم أنَّهُ قالَ : وليتُكُم ولَستُ بِخَيرِكُم . فَأَيُّ الرَّجُلَينِ أصدَقُ عِندَكُم ؛ أبو بَكرٍ عَلى نَفسِهِ أو عَلِيٌّ عليه السلام على أبي بَكرٍ ؟ مَعَ تَناقُضِ الحَديثِ في نَفسِهِ ، ولابُدَّ لَهُ في قَولِهِ مِن أن يَكونَ صادِقاً أو كاذِباً ، فَإِن كانَ صادِقاً فَأَنّى عَرَفَ ذلِكَ ؟ بِوَحيٍ ؟ فَالوَحيُ مُنقَطِعٌ ، أو بِالتَّظَنّي ؟ فَالمُتَظَنّي مُتَحَيِّرٌ ، أو بِالنَّظَرِ ؟ فَالنَّظَرُ مَبحَثٌ ، وإن كانَ غَيرَ صادِقٍ ، فَمِنَ المُحالِ أن يَلِيَ أمرَ المُسلِمينَ ، ويَقومَ بِأَحكامِهِم ، ويُقيمَ حُدودَهُم كَذّابٌ .
قالَ آخَرُ : فَقَد جاءَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : أبو بَكرٍ وعُمَرُ سَيِّدا كُهولِ أهلِ الجَنَّةِ .
قالَ المَأمونُ : هذَا الحَديثُ مُحالٌ ؛ لِأَ نَّهُ لا يَكونُ فِي الجَنَّةِ كَهلٌ ، ويُروى أنَّ أشجَعِيَّةً كانَت عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَقالَ : لا يَدخُلُ الجَنَّةَ عَجوزٌ . فَبَكَت ، فَقالَ لَهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله :


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج5
72

وَاستَخلَفَ أبو بَكرٍ ولَم يَفعَل ذلِكَ عُمَرُ ، ولِهذا نَظائِرُ كَثيرَةٌ .
قالَ مُصَنِّفُ هذَا الكِتابِ : في هذا فَصلٌ ولَم يَذكُر[هُ] ۱ المَأمونُ لِخَصمِهِ ؛ وهُوَ أنَّهُم لَم يَرووا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : اِقتَدوا بِاللَّذَينِ مِن بَعدي أبي بَكرٍ وعُمَرَ ، وإنَّما رَوَوا أبو بَكرٍ وعُمَرُ ، ومِنهُم مَن رَوى أبا بَكرٍ وعُمَرَ ، فَلَو كانَتِ الرِّوايَةُ صَحيحَةً لَكانَ مَعنى قَولِهِ بِالنَّصبِ : اِقتَدوا بِاللَّذَينِ مِن بَعدي : كِتابِ اللّهِ وَالعِترَةِ يا أبا بَكرٍ وعُمَرُ ، ومَعنى قَولِهِ بِالرَّفعِ : اِقتَدوا أيُّهَا النّاسُ وأبو بَكرٍ وعُمَرُ بِاللَّذَينِ مِن بَعدي كِتابِ اللّهِ وَالعِترَةِ . رَجَعنا إلى حَديثِ المَأمونِ :
فَقالَ آخَرُ مِن أصحابِ الحَديثِ : فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : لَو كُنتُ مُتَّخِذا خَليلاً لَاتَّخَذتُ أبا بَكرٍ خَليلاً .
فَقالَ المَأمونُ : هذا مُستَحيلٌ ؛ مِن قِبَلِ أنَّ رِواياتِكُم أنَّهُ صلى الله عليه و آله آخى بَينَ أصحابِهِ وأخَّرَ عَلِياً عليه السلام فَقالَ لَهُ في ذلِكَ فَقالَ : ما أخَّرتُكَ إلّا لِنَفسي . فَأَيُّ الرِّوايَتَينِ ثَبَتَت بَطَلَتِ الاُخرى .
قالَ الآخَرُ : إنَّ عَلِيّا عليه السلام قالَ عَلَى المِنبَرِ : خَيرُ هذِهِ الاُمَّةِ بَعدَ نَبِيِّها أبو بَكرٍ وعُمَرُ .
قالَ المَأمونُ : هذا مُستَحيلٌ ؛ مِن قِبَلِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله لَو عَلِمَ أنَّهُما أفضَلُ ما وَلّى عَلَيهِما مَرَّةً عَمرَو بنَ العاصِ ، ومَرَّةً اُسامَةَ بنَ زَيدٍ . ومِمّا يُكَذِّبُ هذِهِ الرِّوايَةَ قَولُ عَلِيٍّ عليه السلام لَمّا قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وأنَا أولى بِمَجلِسِهِ مِنّي بِقَميصي ، ولكِنّي أشفَقتُ أن يَرجِعَ النّاسُ كُفّارا ، وقَولُهُ عليه السلام : أنّى يَكونانِ خَيرا مِنّي وقَد عَبَدتُ اللّهَ تَعالى قَبلَهُما ، وعَبَدتُهُ بَعدَهُما ؟
قالَ آخَرٌ : فَإِنَّ أبا بَكرٍ أغلَقَ بابَهُ ، وقالَ : هَل مِن مُستَقيلٍ فَاُقيلَهُ ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : قَدَّمَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَمَن ذا يُؤَخِّرُكَ ؟

1.ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السياق .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج5
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 329730
الصفحه من 520
طباعه  ارسل الي