11
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6

الاعتراف بالعجز أمام هذه الظاهرة المدهشة.
على هذا يتحتّم على الإنسان أن يكون كالمتنبّي في الإفصاح عن عجزه في بيان أبعاد المعرفة العلويّة ، حيث يكون الصمت في مثل هذا المشهد أبلغ من أيّ نطق ۱ . ومن ثمَّ ما أحرانا أن نرفع الأقلام صوب ساحته الغرّاء فنمسك عن الكتابة لنصغي إليه وننصت له بأدب ، عساه يُفيض بشيء قليل ممّا عنده ، ويُبدي قطرة من بحر علومه الزخّار ، وينشر وميضاً من مكنون حقائقه.

1.راجع : ج ۵ ص ۱۳۳ (المتنبّي) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
10

العقول ، ويأخذ بمجامع النفوس ، ويبعث برعشةٍ راحت تسري في الأجساد ، وذلك قوله عليه السلام : «اندَمَجتُ عَلى مَكنونِ عِلمٍ لَو بُحتُ بِهِ لَاضطَرَبتُمُ اضطِرابَ الأَرشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ البَعيدَةِ» ۱ .
لقد برقت عن ينبوع الإمام المعرفي ومكنون علمه ومضات علميّة ومعرفيّة صدرت قبل أربعة عشر قرناً استجابة لمتطلّبات ذلك العصر وتلبية لحاجات الموقف إليها ـ لا أنّها صدرت بدافع الواقع ونفس الأمر ـ راحت تُلقي أضواءً على بداية الخليقة وانبثاق الوجود ، وخلق الملائكة ، وخلق السماوات والأرضين ، والإنسان ، والحيوان ، وأعطت رؤىً مكثّفة في المجتمع ، وعلم النفس ، والتاريخ ، والأدب ، وأبدت إشارات في الفيزياء ، وعلم الأرض «الجيولوجيا» ممّا لا يزال يتّسم بالجدة والحداثة لدى العلماء المعاصرين رغم التطوّر والتكامل .
مَن تكون هذه أثارة من علمه وقبضة من معرفته ، كيف يمكن تحديد أبعاد علمه ، والوقوف على مكنون معرفته؟
وهل يمكن تحرّي جميع الجوانب ، ومعرفة كافّة الزوايا في علم إنسانٍ وقف يصدع بعلوّ قامته ، ويهتف بصلابة ورسوخ : «سَلُوني قَبلَ أن تَفقِدُوني» ۲ ، ثمّ لم يعجز عن جواب سؤال قطّ ، ولم يسجّل التاريخ مثيلاً لهذه الظاهرة ، ولم تعرف الإنسانيّة في ماضيها وحاضرها من نطق بمثل هذه المقالة أبداً .
هالة من الغموض كانت ولا تزال تكتنف علم عليّ ومداه ، ولا غرو فهذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «ما عَرَفَ اللّهَ حَقَّ مَعرِفَتِهِ غَيري وغَيرُكَ ، وَما عَرَفَكَ حَقَّ مَعرِفَتِكَ غَيرُ اللّهِ وغَيري» ۳ .
إنّ القلم ليعجز ، وتنكفئ الكلمات ، ولن يكون أمام المرء مهما بلغت كفاءته إلا

1.راجع : ج ۲ ص ۵۲ (وعي الإمام في مواجهة الفِتنة) .

2.راجع : ج ۳ ص ۶۰۹ (المارقون من وجهة نظر الإمام) .

3.راجع : ج ۴ ص ۵۱۴ (ما عرفه إلّا اللّه وأنا) .

عدد المشاهدين : 236051
الصفحه من 496
طباعه  ارسل الي