153
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6

ولم يَتَوَلَّهُم الإِعجابُ فَيَستَكثِروا ما سَلَفَ مِنهُم ، ولا تَرَكَت لَهُم استِكانَةُ الإِجلالِ نَصيباً في تَعظيمِ حَسَناتِهِم . ولَم تَجرِ الفَتَراتُ فيهِم عَلى طولِ دُؤوبِهِم ، ولَم تَغِض ۱ رَغَباتُهُم فَيُخالِفوا عَن رَجاءِ رَبِّهم ، ولَم تَجِفَّ لِطولِ المُناجاةِ أسلاتُ ۲ ألسِنَتِهِم ، ولا مَلَكَتهُمُ الأَشغالُ فَتَنقَطِعَ بِهَمسِ الجُؤارِ ۳ إلَيهِ أصواتُهُم ، ولَم تَختَلِف في مَقاوِمِ الطّاعَةِ مَناكِبُهُم ، ولَم يَثنوا إلى راحَةِ التَّقصيرِ في أمرِهِ رِقابَهُم ، ولا تَعدو عَلى عَزيمَةِ جَدِّهِم بَلادَةُ الغَفَلاتِ ، ولا تَنتَضِلُ ۴ في هِمَمِهِم خَدائِعُ الشَّهَواتِ .
قَدِ اتَّخَذوا ذَا العَرشِ ذَخيرَةً لِيَومِ فاقَتِهِم ، ويَمَّموهُ عِندَ انقِطاعِ الخَلقِ إلَى المَخلوقينَ بِرَغبَتِهِم ، لا يَقطَعونَ أمَدَ غايَةِ عِبادَتِهِ ، ولا يَرجِعُ بِهِمُ الِاستِهتارُ ۵ بِلُزومِ طاعَتِهِ ، إلّا إلى مَوادَّ مِن قُلوبِهِم غَيرَ مُنَقَطِعَةٍ مِن رَجائِهِ ومَخافَتِهِ ، لَم تَنقَطِع أسبابُ الشَّفَقَةِ مِنهُم ، فَيَنوا ۶ في جِدِّهِم ، ولَم تَأسِرهُمُ الأَطماعُ فَيُؤثرِوا وَشيكَ السَّعيِ عَلَى اجتِهادِهِم . لَم يَستَعظِموا ما مَضى مِن أعمالِهِم ، ولَوِ استَعظَموا ذلِكَ لَنَسَخَ الرَّجاءُ مِنهُم شَفَقاتِ وَجَلِهِم ، ولَم يَختَلِفوا في رَبِّهِم بِاستِحواذِ الشَّيطانِ عَلَيهِم . ولَم يُفَرِّقهُم سوءُ التَّقاطُعِ ، ولا تَوَلّاهُم غِلُّ التَّحاسُدِ ، ولا تَشَعَّبَتهُم مَصارِفُ الرِّيَبِ ، ولا اقتَسَمَتهُم أخيافُ الهِمَمِ ، فَهُم اُسراءُ إيمانٍ لَم يَفُكَّهُم مِن رِبقَتِهِ زَيغٌ ولا عُدولٌ ولا وَنًى ولا فُتورٌ . ولَيسَ في أطباقِ السَّماءِ مَوضِعُ إهابٍ إلّا وعَلَيهِ مَلَكٌ ساجِدٌ ، أو ساعٍ حافِدٌ ۷ ،

1.غاضَ الماء : نقَص أو غارَ فذهب (لسان العرب : ج۷ ص۲۰۱) .

2.جمع أسَلَة ؛ وهي طرف اللسان (النهاية : ج۱ ص۴۹) .

3.الجؤار : رَفْع الصَّوت والاستِغاثة ، جأر يَجْأر (النهاية : ج۱ ص۲۳۲) .

4.نَضِلَ البعير والرجُل نَضلاً : هزُل وأعيا وأنضلَه هو (لسان العرب : ج۱۱ ص۶۶۶) .

5.مُستهتَر : أي مُولَع به لا يَتَحدّث بغيره ، ولا يَفعل غَيره (النهاية : ج۵ ص۲۴۳) .

6.أي يَفتُروا في عَزمِهم واجتهادِهِم (النهاية : ج۵ ص۲۳۱) .

7.نَحفِد : أي نُسرع في العمل والخِدمة (النهاية : ج۱ ص۴۰۶) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
152

وأمَدَّهُم بِفَوائِدِ المَعونَةِ ، وأشعَرَ قُلوبَهُم تَواضُعَ إخباتِ السَّكينَةِ ، وفَتَحَ لَهُم أبواباً ذُلُلاً إلى تَماجيدِهِ . ونَصَبَ لَهُم مَناراً واضِحَةً عَلى أعلامِ تَوحيدِهِ . لَم تُثقِلهُم مُؤصِراتُ ۱ الآثامِ ، ولَم تَرتَحِلهُم عُقَبُ اللَّيالي وَالأَيّامِ ، ولَم تَرمِ الشُّكوكُ بِنَوازِعِها عَزيمَةَ إيمانِهِم ، ولَم تَعتَرِكِ الظُّنونُ عَلى مَعاقِدِ يَقينِهِم ، ولا قَدَحَت قادِحَةُ الإِحَنِ ۲ فيما بَينَهم ، ولا سَلَبَتهُمُ الحَيرَةُ ما لاقَ مِن مَعرِفَتِهِ بِضَمائِرِهِم ، وما سَكَنَ مِن عَظَمَتِهِ وهَيبَةِ جَلالَتِهِ في أثناءِ صُدورِهِم ، ولَم تَطمَع فيهِمُ الوَساوِسُ فَتَقتَرِعَ بِرَينِها عَلى فِكرِهِم ، ومِنهُم مَن هُوَ في خَلقِ الغَمامِ الدُّلَّحِ ۳ ، وفي عِظَمِ الجِبالِ الشُّمَّخِ ، وفي قَترَةِ ۴ الظَّلامِ الأَيهَمِ ۵ ، ومِنهُم مَن قَد خَرَقَت أقدامُهُم تَخومَ الأَرضِ السُّفلى ، فَهِيَ كَراياتٍ بيضٍ قَد نَفَذَت في مَخارِقِ الهَواءِ ، وتَحتَها ريحٌ هَفّافَةٌ ۶ تَحبِسُها عَلى حَيثُ انتَهَت مِنَ الحُدودِ المُتَناهِيَةِ ، قَدِ استَفرَغَتهُم أشغالُ عِبادَتِهِ ، ووَصَلَت حَقائِقُ الإِيمانِ بَينَهُم وبَينَ مَعرِفَتِهِ ، وقَطَعَهُمُ الإِيقانُ بِهِ إلَى الوَلَهِ إلَيهِ ، ولم تُجاوِز رَغَباتُهُم ما عِندَهُ إلى ما عِندَ غَيرِهِ .
قد ذاقوا حَلاوَةَ مَعرِفَتِهِ ، وشَرِبوا بِالكَأسِ الرَّوِيَّةِ مِن مَحَبَّتِهِ ، وتَمَكَّنَت مِن سُوَيداءِ قُلوبِهِم وَشيجَةُ خيفَتِهِ ، فَحَنوا بِطولِ الطّاعَةِ اعتِدالَ ظُهورِهِم ، ولَم يُنفِد طولُ الرَّغبَةِ إلَيهِ مادَّةَ تَضَرُّعِهِم ، ولا أطلَقَ عَنهُم عَظيمُ الزُّلفَةِ رِبَقَ ۷ خُشوعِهِم ،

1.يقال للثقلِ : إصر ؛ لأنّه يَأصِرُ صاحِبه من الحرَكة لثقله (مجمع البحرين : ج۱ ص۵۰) .

2.الإحْنَةُ : الحقد ، وجمعها إحَن وإحَنَاتٌ (النهاية : ج۱ ص۲۷) .

3.الدَّلح : أن يَمشي بالحمل وقد أثقلَه (النهاية : ج۲ ص۱۲۹) .

4.القترة : غَبرَة يعلوها سواد كالدخان (لسان العرب : ج۵ ص۷۱) .

5.الأيْهَمُ : البلد الذي لا عَلَمَ به . واليَهمَاء : الفَلاةُ التي لا يُهتَدى لِطُرقِها ، ولا ماء فيها ولا عَلَمَ بِها (النهاية : ج۵ ص۳۰۴) .

6.هفّافة : سريعة المرور في هُبُوبها (النهاية : ج۵ ص۲۶۶) .

7.الربقة: عروة في حَبل تجعل في عنق البهيمة أو يَدِها تُمسِكها ، وتجمع الرِّبقة على رِبَق (النهاية: ج۲ ص۱۹۰).

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 236450
الصفحه من 496
طباعه  ارسل الي