159
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6

الجَوِّ وبَينَها ، وأعَدَّ الهَواءَ مُتَنَسَّماً لِساكِنِها ، وأخرَجَ إلَيها أهلَها عَلى تَمام مَرافِقِها ، ثُمَّ لَم يَدَع جُرُزَ الأَرضِ الَّتي تَقصُرُ مِياهُ العُيونِ عَن رَوابيها ، ولا تَجِدُ جَداوِلُ الأَنهارِ ذَريعَةً إلى بُلوغِها ، حَتّى أنشَأَ لَها ناشِئَةَ سَحابٍ تُحيي مَواتَها وتَستَخرِج نَباتَها .
ألَّفَ غَمامَها بَعدَ افتِراقِ لُمَعِهِ وتَبايُنِ قَزَعِهِ ۱ ، حَتّى إذا تَمَخَّضت لُجَّةُ المُزنِ فيهِ ، وَالتَمَعَ بَرقُهُ في كُفَفِهِ ، ولَم يَنَم وَميضُهُ في كَنَهوَرِ ۲ رَبابِهِ ۳ ومُتَراكِمِ سَحابِهِ ، أرسَلَهُ سَحّاً مُتَدارِكاً ، قَد أسَفَّ هَيدَبُهُ ۴ ، تَمريهِ ۵ الجَنوبُ دِرَرَ أهاضيبِهِ ودُفَعَ شَآبيبِهِ . فَلَمّا ألقَتِ السَّحابُ بَركَ بِوانَيها ۶
، وبَعاعَ ۷ مَا استَقَلَّت بِهِ مِنَ العِب ءِ المَحمولِ عَلَيها ، أخرَجَ بِهِ مِن هَوامِدِ الأَرضِ النَّباتَ ، ومِن زُعر ۸ الجِبالِ الأَعشابَ ، فَهِيَ تَبهَجُ بِزينَةِ رِياضِها ، وتَزدَهي بِما اُلبِسَتهُ مِن رَيطِ ۹ أزاهيرِها ، وحِليَةِ ما سُمِطَت بِهِ مِن ناضِرِ أنوارِها ، وجَعَلَ ذلِكَ بَلاغاً لِلأَنامِ ورِزقاً لِلأَنعامِ وخَرَقَ الفِجاجَ في آفاقِها ، وأقامَ المَنارَ لِلسّالِكينَ عَلى جَوادِّ طُرُقها .
فَلَمّا مَهَدَ أرضَهُ وأنفَذَ أمرَهُ ، اختارَ آدَمَ عليه السلام خيرَةً مِن خَلقِهِ ، وجَعَلَهُ أوَّلَ جِبِلَّتِهِ ، وأسكَنَهُ جَنَّتَهُ وأرغَدَ فيها اُكُلَهُ ، وأوعَزَ إلَيهِ فيما نَهاهُ عَنهُ ، وأعلَمَهُ أنَّ فِي الإِقدامِ عَلَيهِ التَّعَرُّضَ لِمَعصِيَتِهِ وَالمُخاطَرَةَ بِمَنزِلَتِهِ ، فَأَقدَمَ عَلى ما نَهاهُ عَنهُ ـ مُوافاةً لِسابِقِ عِلمِهِ ـ فَأَهبَطَهُ بَعدَ التَّوبَةِ لِيَعمُرَ أرضَهُ بِنَسلِهِ ، ولِيُقيمَ الحُجَّةَ بِهِ عَلى عِبادِهِ ، ولَم

1.القَزع : قِطَع السَّحاب المتفرّقة (النهاية : ج۴ ص۵۹) .

2.الكَنَهْوَر : العَظيم من السحاب (النهاية : ج۴ ص۲۰۶) .

3.الرَّباب : الأبيض منه (النهاية : ج۴ ص۲۰۶) أي من السحاب .

4.الهَيدَب : سَحابٌ يَقْرُبُ من الأرض ، كأنّه مُتَدَلٍّ (لسان العرب : ج۱ ص۷۸۰) .

5.تمريه : من مَرَي الضرعَ يَمرِيه (النهاية : ج۴ ص۳۲۲) .

6.بوانيها : ما فيها من المطر (النهاية : ج ۱ ص ۱۶۴) .

7.البَعاع : شِدّة المطَر (النهاية : ج۱ ص۱۴۰) .

8.الزعر : القليلة النبات (النهاية : ج۲ ص۳۰۳) .

9.رَيط : جمع رَيطة : كلّ ثوبٍ رقيق لَيّن (النهاية : ج۲ ص۲۸۹) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
158

مُستَفحِلَةٍ ، ولُجَجَ بِحارٍ زاخِرَةٍ ، تَلتَطِمُ أواذِيُّ أمواجِها ، وتَصطَفِقَ مُتَقاذِفاتُ أثباجِها ۱ ، وتَرغو زَبَداً كَالفُحولِ عِندَ هِياجها ، فَخَضَع جِماحُ الماءِ المُتَلاطِمِ لِثِقَلِ حَملِها ، وسَكَنَ هَيجُ ارتِمائِهِ إذ وَطِئَتهُ بِكَلكَلِها ، وذَلَّ مُستَخذِياً إذ تَمَعَّكَت ۲ عَلَيهِ بِكَواهِلِها ، فَأَصبَحَ بَعدَ اصطِخابِ أمواجِهِ ساجِياً مَقهوراً ، وفي حِكمَةِ الذُّلِّ مُنقاداً أسيراً ، وسَكَنَتِ الأَرضُ مَدحُوَّةً في لُجَّةِ تَيّارِهِ ، ورَدَّت مِن نَخوَةِ بَأوِهِ ۳ وَاعتِلائِهِ ، وشُموخِ أنفِهِ وسُمُّوِ غُلوَائِهِ ، وكَعَمَتهُ ۴ عَلى كِظَّةِ جَريَتِهِ ، فَهَمَدَ بَعدَ نَزَقاتِهِ ، ولَبَدَ ۵ بَعدَ زَيَفانِ ۶ وثَباتِهِ .
فَلَمّا سَكَنَ هَيجُ الماءِ مِن تَحتِ أكنافِها ، وحَملِ شَواهِقِ الجِبالِ الشُّمَّخِ البُذَّخِ عَلى أكتافِها ، فَجَّرَ يَنابيعَ العُيونِ مِن عَرانينِ ۷ اُنوفِها ، وفَرَّقَها في سُهوب ۸ بيدِها وأخاديدِها ، وعَدَّلَ حَرَكاتِها بِالرّاسِياتِ مِن جَلاميدِها وذَواتِ الشَّناخيبِ ۹ الشُّمِّ مَن صَياخيدِها ۱۰ ، فَسَكَنَت مِنَ المَيَدانِ لِرُسوبِ الجِبال في قِطَعِ أديمِها ، وتَغَلغُلِها مُتَسَرِّبَةً في جَوباتِ ۱۱ خَياشيمِها ، ورُكوبِها أعناقَ سُهولِ الأَرَضينَ وجَراثيمِها ۱۲ ، وفَسَحَ بَين

1.الثَّبَج : علوّ وسط البحر إذا تلاقت أمواجه (لسان العرب : ج۲ ص۲۲۰) .

2.تمعَّك : أي تَمرّغ في ترابِه (النهاية : ج۴ ص۳۴۳) .

3.البأو : الكِبر والتعظيم (النهاية : ج۱ ص۹۱) .

4.كَعم : أن يَلثَم الرجلُ صاحِبه ، ويَضع فَمه على فَمِه كالتقبيل ، اُخِذ من كَعم البعير ؛ وهو أن يُشَدّ فَمُه إذا هاج (النهاية : ج۴ ص۱۸۰) .

5.لَبَد بالمكان : أقام به ولَزِق فهو مُلبِدٌ به (لسان العرب : ج۳ ص۳۸۵) .

6.الزَّيَفان : التَّبختُر في المَشي ، من زافَ البعير يَزيف إذا تَبَختر (النهاية : ج۲ ص۳۲۵) .

7.العِرنين : الأنف . وقيل : رَأسه ، وجمعه عَرانين (النهاية : ج۳ ص۲۲۳) .

8.السَّهْب : وهي الأرضُ الواسعة (النهاية : ج۲ ص۴۲۸) .

9.رُؤوس الجِبال العاليةِ ، واحِدها شُنخوب (النهاية : ج۲ ص۵۰۴) .

10.جمع صَيخود ، وهي الصخرة الشديدة (النهاية : ج۳ ص۱۴) .

11.الجَوْبَة : هي الحفرة المستَديرة الواسعة (النهاية : ج۱ ص۳۱۰) .

12.الجراثيم : أماكن مرتفِعة عن الأرض مجتَمِعة من تراب أو طين (النهاية : ج۱ ص۲۵۴) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 234638
الصفحه من 496
طباعه  ارسل الي