161
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6

الأَصدافُ ، وحَضَنَت عَلَيهِ أمواجُ البِحارِ ، وما غَشِيَتهُ سُدفَةُ ۱ لَيلٍ أو ذَرَّ عَلَيهِ شارِقُ نَهارٍ ، ومَا اعتَقَبَت عَلَيهِ أطباقُ الدُّياجيرِ وسُبُحاتُ النّورِ ، وأثَرِ كُلِّ خَطوَةٍ ، وحِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ ، ورَجعِ كُلِّ كَلِمَةٍ ، وتَحريكِ كُلِّ شَفَةٍ ، ومُستَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ ، ومِثقالِ كُلِّ ذَرَّةٍ ، وهَماهِمِ كُلِّ نَفسٍ هامَّةٍ ، وما عَلَيها مِن ثَمَرِ شَجَرَةٍ ، أو ساقِطِ وَرَقَةٍ ، أو قَرارَةِ نُطفَةٍ ، أو نُقاعَةِ دمٍ ومُضغَةٍ ، أو ناشِئَةِ خَلقٍ وسُلالَةٍ ، لَم يَلحَقهُ في ذلِكَ كُلفَةٌ ، ولَا اعتَرَضَتهُ في حِفظِ مَا ابتَدَعَ مِن خَلقِهِ عارِضةٌ ، ولَا اعتَوَرَتهُ في تَنفيذِ الاُمورِ وتَدابيرِ المَخلوقينَ مَلالَةٌ ولا فَترَةٌ ، بَل نَفَذَهُم عِلمُهُ ، وأحصاهُم عَدَدُهُ ، ووَسِعَهُم عَدلُهُ ، وغَمَرَهُم فَضلُهُ مَعَ تَقصيرِهِم عَن كُنهِ ما هُوَ أهلُهُ .
اللّهُمَّ أنتَ أهلُ الوَصفِ الجَميلِ وَالتَّعدادِ الكَثيرِ ، إن تُؤَمَّل فَخَيرُ مَأمولٍ وإن تُرجَ فَخَيرُ مَرجُوٍّ . اللّهُمَّ وقَد بَسَطتَ لي فيما لا أمدَحُ بِهِ غَيرَكَ ، ولا اُثني بِهِ عَلى أحَدٍ سِواكَ ، ولا اُوَجِّهُهُ إلى مَعادِنِ الخَيبَةِ ومَواضِعِ الرّيبَةِ ، وعَدَلتَ بِلِساني عَن مَدائِحِ الآدَمِيّينَ ، وَالثَّناءِ عَلَى المَربوبينَ المَخلوقينَ .
اللّهُمَّ ولِكُلِّ مُثنٍ عَلى مَن أثنى عَلَيهِ مَثوبَةٌ مِن جَزاءٍ أو عارِفَةٌ مِن عَطاءٍ ، وقَد رَجَوتُكَ دَليلاً عَلى ذَخائِرِ الرَّحمَةِ وكُنوزِ المَغفِرَةِ . اللّهُمَّ وهذا مَقامُ مَن أفرَدَكَ بِالتَّوحيدِ الَّذي هُوَ لَكَ ، ولَم يَرَ مُستَحِقّاً لهذِهِ المَحامِدِ وَالمَمادِحِ غَيرَكَ ، وبي فاقَةٌ إلَيكَ لا يَجبُرُ مَسكَنَتَها إلّا فَضلُكَ ، ولا يَنعَشُ مِن خَلَّتِها إلّا مَنُّكَ وجودُكَ ، فَهَب لَنا فيهذَا المَقامِ رِضاكَ، وأغنِنا عَن مَدِّ الأَيديإلى سِواكَ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ ۲ .

۵۳۶۳.عنه عليه السلام :ألا وإنَّ الأَرضَ الَّتي تُقِلُّكُم وَالسَّماءَ الَّتي تُظِلُّكُم مُطيعَتانِ لِرَبِّكُم ، وما أصبَحَتا

1.السُّدْفة : من الأضداد تقع على الضياء والظلمة ، ومنهم من يجعلها اختِلاط الضوء والظلمة معاً ، كوقت ما بين طلوع الفجر والإسفارِ (النهاية : ج۲ ص۳۵۴) .

2.نهج البلاغة : الخطبة ۹۱ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام ، بحار الأنوار : ج۵۷ ص۱۱۱ ح۹۰ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
160

يُخلِهِم بَعدَ أن قَبَضَهُ ، مِمّا يُؤَكِّدُ عَلَيهِم حُجَّةَ رُبوبِيَّتِهِ ، ويَصِلُ بَينَهُم وبَينَ مَعرِفَتِهِ ، بَل تَعاهَدَهُم بِالحُجَجِ عَلى ألسُنِ الخِيَرَةِ مِن أنبيائِهِ ، ومُتَحَمِّلي وَدائِعِ رِسالاتِهِ ، قَرناً فَقَرناً حتّى تَمَّت بِنَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله حُجَّتُهُ ، وبَلَغَ المَقطَعَ عُذرُهُ ونُذُرُهُ .
وقَدَّرَ الأَرزاقَ فَكَثَّرَها وقَلَّلَها . وقَسَّمَها عَلَى الضّيقِ وَالسَّعَةِ فَعَدَلَ فيها لِيَبتَلِيَ مَن أرادَ بِمَيسورِها ومَعسورِها ، ولِيَختَبِرَ بِذلِكَ الشُّكرَ وَالصَّبرَ مِن غَنِيِّها وفَقيرِها . ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِها عَقابيلَ ۱ فاقَتِها ، وبِسَلامَتِها طَوارِقَ آفاتِها ، وبِفُرَجِ أفراحِها غُصَصَ أتراحِها .
وخَلَقَ الآجالَ فَأَطالَها وقَصَّرَها ، وقَدَّمَها وأخَّرَها ، ووَصَلَ بِالمَوتِ أسبابَها ، وجَعَلَهُ خالِجاً ۲ لِأَشطانِها ۳ وقاطِعاً لِمَرائِرِ أقرانِها . عالِمُ السِّرِّ مِن ضَمائِرِ المُضمِرينَ ، ونَجوَى المُتَخافِتينَ ، وخَواطِرِ رَجمِ الظُّنونِ ، وعُقَدِ عَزيماتِ اليَقينِ ، ومَسارِقِ إيماضِ الجُفونِ ، وما ضَمِنَتهُ أكنانُ القُلوبِ وغِياباتُ الغُيوبِ ، وما أصغَت لِاستِراقِهِ مَصائِخُ الأَسماعِ ، ومَصائِفُ الذَّرِّ ومَشاتِي الهَوامِّ ، ورَجعِ الحَنينِ مِنَ المولَهاتِ وهَمسِ الأَقدام ، ومُنفَسَحِ الثَّمَرَةِ مِن وَلائِجِ غُلُفِ الأَكمامِ ، ومُنقَمَعِ الوُحوش مِن غيرانِ الجِبالِ وأودِيَتِها . ومُختَبَإِ البَعوضِ بَينَ سوقِ الأَشجارِ وألحِيَتِها ، ومَغرِزِ الأَوراقِ مِنَ الأَفنانِ ، ومَحَطِّ الأَمشاجِ مِن مَسارِبِ الأَصلابِ ، وناشِئَةِ الغُيومِ ومُتَلاحِمِها . ودُرورِ قَطرِ السَّحابِ في مُتَراكِمِها ، وما تَسفِي الأَعاصيرُ بِذُيولِها ، وتَعفُو الأَمطارُ بِسُيولِها ، وعَومِ بَناتِ الأَرضِ في كُثبانِ الرِّمالِ ، ومُستَقَرِّ ذَواتِ الأَجنِحَةِ بَذُرا شَناخيبِ الجِبالِ ، وتَغريدِ ذَواتِ المَنطِقِ في دَياجيرِ الأَوكارِ ، وما أوعَبَته

1.العقابيل : بقايا المرض وغيره ، واحدها عُقبُول (النهاية : ج۳ ص۲۶۹) .

2.الخالج : المُسرِع في الأخذِ (النهاية : ج۲ ص۴۷۵) .

3.الشَّطن : الحبل وقيل : هو الطَّويلُ منه ، وإنّما شدَّه بشطنين لقُوّته وشدَّته . فاستعار الأشطان للحياة لامتِدادِها وطولِها (النهاية : ج۲ ص۴۷۵) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 234476
الصفحه من 496
طباعه  ارسل الي