243
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6

فَيالَها حَسرَةً عَلى كُلِّ ذي غَفلَةٍ أن يَكونَ عُمُرُهُ عَلَيهِ حُجَّةً ، وأن تُؤَدِّيَهُ أيّامُهُ إلَى الشِّقوَةِ ! نَسأَلُ اللّهَ سُبحانَهُ أن يَجعَلَنا وإيّاكُم مِمَّن لا تُبطِرُهُ نِعمَةٌ ، ولا تُقَصِّرُ بِهِ عَن طاعَةِ رَبِّهِ غايَةٌ ، ولا تَحُلُّ بِهِ بَعدَ المَوتِ نَدامَةٌ ولا كَآبَةٌ ۱ .

4 / 7

فِي التَّزهيدِ مِنَ الدُّنيا

۵۶۲۳.الإمام عليّ عليه السلام :اُوصيكُم عِبادَ اللّهِ! بِتَقوَى اللّهِ الَّتي هِيَ الزّادُ وبِهَا المَعاذُ ؛ زادٌ مُبلِغٌ ، ومَعاذٌ مُنجِحٌ . دَعا إلَيها أسمَعُ داعٍ ، ووَعاها خَيرُ واعٍ . فَأَسمَعَ داعيها ، وفازَ واعيها .
عِبادَ اللّه ! إنَّ تَقوَى اللّه حَمَت ۲ أولِياءَ اللّهِ مَحارَمِهُ ، وألزَمَت قُلوبَهُم مَخافَتَهُ ، حَتّى أسهَرَت لَيالِيَهُم ، وأَظمَأَت هَواجِرَهُم . فَأَخَذُوا الرّاحَةَ بِالنَّصَبِ ، وَالرّيَّ بِالظَّمَاَ. وَاستَقرَبُوا الأَجَلَ فَبادَرُوا العَمَلَ ، وكَذَّبُوا الأَمَلَ فَلاحَظُوا الأَجَلَ .
ثُمَّ إنَّ الدُّنيا دارُ فَناءٍ وعَناءٍ وغِيَرٍ وعِبَرٍ ؛ فَمِنَ الفَناءِ أنَّ الدَّهرَ مُوتِرٌ قوسَهُ ، لا تُخطِئُ سِهامُهُ ، ولا تُؤسى ۳ جِراحُهُ . يَرمِي الحَيَّ بِالمَوتِ ، وَالصَّحيحَ بِالسَّقَمِ ، وَالنّاجِيَ بِالعَطَبِ . آكِلٌ لا يَشبَعُ ، وشارِبٌ لا يَنقَعُ . ومِنَ العَناءِ أنَّ المَرءَ يَجمَعُ ما لا يَأكُلُ ، ويَبني ما لا يَسكُنُ ، ثُمَّ يَخرُجُ إلَى اللّهِ تَعالى لا مالاً حَمَلَ ، ولا بِناءً نَقَلَ ! ومِن غِيَرِها أ نَّكَ تَرَى المَرحومَ مَغبوطا وَالمَغبوطَ مَرحوما ، لَيسَ ذلِكَ إلّا نَعيما زَلَّ ۴ ، وبُؤسا نَزَلَ .
ومِن عِبَرِها أنَّ المَرءَ يُشرِفُ عَلى أمَلِهِ ، فَيَقتَطِعُهُ حُضورُ أجَلِهِ ؛ فَلا أمَلٌ يُدرَكُ ،

1.نهج البلاغة : الخطبة ۶۴ ؛ جواهر المطالب : ج۱ ص۳۰۵ نحوه .

2.حمى الشيءَ : منعه ودفع عنه (لسان العرب : ج۱۴ ص۱۹۸) .

3.أسا الجرحَ : داواه . والأسا : المداواة والعِلاج (لسان العرب : ج۱۴ ص۳۴) .

4.زَلَّ يَزِلُّ : إذا مَرّ مروراً سريعاً (لسان العرب : ج۱۱ ص۳۰۷) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
242

كِبرَك ، وَاذكُر قَبرَك ؛ فَإِنَّ عَلَيهِ مَمَرَّكَ ، وكَما تَدينُ تُدانُ . وكَما تَزرَعُ تَحصُدُ . وما قَدَّمتَ اليَومَ تَقدَمُ عَلَيهِ غَدا ؛ فَامهَد لِقَدَمِكَ ، وقَدِّم لِيَومِكَ . فَالحَذَرَ الحَذَرَ أيُّهَا المُستَمِعُ ! وَالجِدَّ الجِدَّ أيُّهَا الغافِلُ ! «وَ لَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ»۱ . ۲

4 / 6

المُبادَرَةُ بِالعَمَلِ الصّالِحِ

۵۶۲۲.الإمام عليّ عليه السلام :فَاتَّقُوا اللّهَ عِبادَ اللّهِ ، وبادِروا آجالَكُم بِأَعمالِكُم ، وَابتاعوا ما يَبقى لَكُم بِما يَزولُ عَنكُم ، وتَرَحَّلوا فَقَد جُدَّ بِكُم ۳ ، وَاستَعِدّوا لِلمَوتِ فَقَد أظَلَّكُم ، وكونوا قَوما صيحَ بِهِم فَانتَبَهوا ، وعَلِموا أنَّ الدُّنيا لَيسَت لَهُم بِدارٍ فَاستَبدَلوا ؛ فَإِنَّ اللّهَ سُبحانَهُ لَم يَخلُقكُم عَبَثا ، ولَم يَترُككُم سُدًى ، وما بَينَ أحَدِكُم وبَينَ الجَنَّةِ أوِ النّارِ إلَا المَوتُ أن يَنزِلَ بِهِ . وإنَّ غايَةً تَنقُصُها اللَّحظَةُ ، وتَهدِمُهَا السّاعَةُ لَجَديرَةٌ بِقِصَرِ المُدَّةِ ، وإنَّ غائِبا يَحدوهُ الجَديدانِ ؛ اللَّيلُ وَالنَّهارُ لَحَرِيٌّ بِسُرعَةِ الأَوبَةِ ۴ ، وإنَّ قادِما يَقدُمُ بِالفَوزِ أوِ الشِّقوَةِ لِمُستَحِقٌّ لِأَفضَلِ العُدَّةِ .
فَتَزَوَّدوا فِي الدُّنيا مِنَ الدُّنيا ما تَحرُزونَ بِهِ أنفُسَكُم غَدا . فَاتَّقى عَبدٌ رَبَّهُ نَصَحَ نَفسَهُ ، وقَدَّمَ تَوبَتَهُ ، وغَلَبَ شَهوَتَهُ ؛ فَإِنَّ أجَلَهُ مَستورٌ عَنهُ ، وأمَلَهُ خادِعٌ لَهُ ، وَالشَّيطانُ مُوَكَّلٌ بِهِ يُزَيِّنُ لَهُ المَعصِيَةَ لِيَركَبَها ، ويُمَنّيهِ التَّوبَةَ لِيُسَوِّفَها . إذا هَجَمَت مَنِيَّتُهُ عَلَيهِ أغفَلَ ما يَكونُ عَنها .

1.فاطر : ۱۴ .

2.نهج البلاغة : الخطبة ۱۵۳ ، بحار الأنوار : ج۷۷ ص۴۰۷ ح۳۸ ؛ جواهر المطالب : ج۱ ص۳۰۸ نحوه وراجع تحف العقول : ص۱۵۴ .

3.أي حثثتم على الرحيل (شرح نهج البلاغة : ج۵ ص۱۴۶) .

4.الأوبة : الرُّجوع (لسان العرب : ج۱ ص۲۱۹) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 173719
الصفحه من 496
طباعه  ارسل الي