263
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6

الآنَ أكثَرَ مِن ألفِ مَرَّةٍ ، ما قَرَأتُها قَطُّ إلّا وأحدَثَت عِندي رَوعَةً وخَوفا وعِظَةً ، وأثَّرَت في قَلبي وَجيبا ۱ وفي أعضائي رِعدَةً ، ولا تَأَمَّلتُها إلّا وذَكَرتُ المَوتى مِن أهلي وأقارِبي وأربابِ وُدّي ، وخَيَّلتُ في نَفسي أنّي أنَا ذلِكَ الشَّخصُ الَّذي وَصَفَ عليه السلام حالَهُ .
وكَم قَد قالَ الواعِظونَ وَالخُطَباءُ وَالفُصَحاءُ في هذَا المَعنى ، وكَم وَقَفتُ عَلى ما قالوهُ وتَكَرَّرَ وقوفي عَلَيهِ ، فَلَم أجِد لِشَيءٍ مِنهُ مِثلَ تَأثيرِ هذَا الكَلامِ في نَفسي ، فَإِمّا أن يَكونَ ذلِكَ لِعَقيدَتي في قائِلِهِ ، أو كانَت نِيَّةُ القائِلِ صالِحَةً ويَقينُهُ كانَ ثابِتا وإخلاصُهُ كانَ مَحضا خالِصا ، فَكانَ تَأثيرُ قَولِهِ فِي النُّفوسِ أعظَمَ ، وسَرَيانُ مَوعِظَتِهِ فِي القُلوبِ أبلَغَ ۲ .

۵۶۴۶.البيان والتبيينـ في بَيانِ قَولِ عَلِيٍّ عليه السلام «قيمَةُ كُلِّ امرِئٍ ما يُحسِنُ» ـ: فَلَو لَم نَقِف مِن هذَا الكِتابِ إلّا عَلى هذِهِ الكَلِمَةِ لَوَجَدناها شافِيَةً كافِيَةً ، ومُجزِئَةً مُغنِيَةً ، بَل لَوَجَدناها فاضِلَةً عَنِ الكِفايَةِ ، وغَيرَ مُقَصِّرَةٍ عَنِ الغايَةِ . وأحسَنُ الكَلامِ ما كانَ قَليلُهُ يُغنيكَ عَن كَثيرِهِ ، ومَعناهُ في ظاهِرِ لَفظِهِ ، وكانَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ قَد ألبَسَهُ مِنَ الجَلالَةِ ، وغَشّاهُ مِن نورِ الحِكمَةِ عَلى حَسَبِ نِيَّةِ صاحِبِهِ وتَقوى قائِلِهِ ۳ .

۵۶۴۷.رسائل الجاحظ :أجمَعوا عَلى أ نَّهُم لَم يَجِدوا كَلِمَةً أقَلَّ حَرفا ، ولا أكثَرَ رَيعا ۴ ، ولا أعَمَّ نَفعا ، ولا أحَثَّ عَلى بَيانٍ ، ولا أدعى إلى تَبَيُّنٍ ، ولا أهجى لِمَن تَرَكَ التَّفَهُّمَ وقَصَّرَ فِي الإِفهامِ ، مِن قَولِ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رِضوانُ اللّه

1.وَجَبَ القلبُ وَجباً ووجِيباً : خَفَق واضطرَبَ (لسان العرب : ج۱ ص۷۹۴) .

2.شرح نهج البلاغة : ج۱۱ ص۱۵۲ .

3.البيان والتبيين : ج۱ ص۸۳ .

4.الرَّيع : الزيادة والنماء على الأصل (النهاية : ج۲ ص۲۸۹) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
262

أهلِ العَدلِ وَالمُوَحِّدينَ :

لَيسَ عَلَى اللّهِ بمُستَنكَرٍ
أن يَجمَعَ العالَمَ في واحِدِ۱

وقال أيضا في ذيل الخطبة 221 : مَن أرادَ أن يَعِظَ ويُخَوِّفَ ويَقرَعَ صَفاةَ القَلبِ ، ويُعَرِّفَ النّاسَ قَدرَ الدُّنيا وتَصَرُّفَها بِأَهلِها ، فَليَأتِ بِمِثلِ هذِهِ المَوعِظَةِ في مِثلِ هذَا الكَلامِ الفَصيحِ وإلّا فَليُمسِك ، فَإِنَّ السُّكوتَ أستَرُ ، وَالعِيَّ خَيرٌ مِن مَنطِقٍ يَفضَحُ صاحِبَهُ ، ومَن تَأَمَّلَ هذَا الفَصلَ عَلِمَ صِدقَ مُعاوِيَةَ في قَولِهِ فيهِ : «وَاللّهِ ما سَنَّ الفَصاحَةَ لِقُرَيشٍ غَيرُهُ» ويَنبَغي لَوِ اجتَمَعَ فُصَحاءُ العَرَبِ قاطِبَةً في مَجلِسٍ وتُلِيَ عَلَيهِم أن يَسجُدوا لَهُ كَما سَجَدَ الشُّعَراءُ لِقَولِ عَدِيِّ بنِ الرِّقاعِ :
«قَلَمٌ أصابَ مِنَ الدَّواةِ مِدادَها» ۲
فَلَمّا قيلَ لَهُم في ذلِكَ قالوا : إنّا نَعرِفُ مَواضِعَ السُّجودِ فِي الشِّعرِ كَما تَعرِفونَ مَواضِعَ السُّجودِ فِي القُرآنِ .
وإنّي لَاُطيلُ التَّعَجُّبَ مِن رَجُلٍ يَخطُبُ فِي الحَربِ بِكَلامٍ يَدُلُّ عَلى أنَّ طَبعَهُ مُناسِبٌ لِطِباعِ الاُسودِ وَالنُّمورِ وأمثالِهِما مِنَ السِّباعِ الضّارِيَةِ ، ثُمَّ يَخطُبُ في ذلِكَ المَوقِفِ بِعَينِهِ إذا أرادَ المَوعِظَةَ بِكَلامٍ يَدُلُّ عَلى أنَّ طَبعَهُ مُشاكِلٌ لِطِباعِ الرُّهبانِ لابِسِي المُسوحِ ، الَّذينَ لَم يَأكُلوا لَحما ولَم يُريقوا دِماءً ، فَتارَةً يَكونُ في صورَةِ بِسطامِ بن قَيسٍ الشَّيبانِيِّ وعُتَيبَةَ بنِ الحارِثِ اليَربوعِيِّ وعامِرِ بنِ الطُّفَيلِ العامِرِيِّ ، وتارَةً يَكونُ في صورَةِ سُقراطَ الحَبرِ اليونانِيِّ ويوحَنَّا المَعمَدانَ الإِسرائيلِيِّ والمَسيحِ بنِ مَريَمَ الإِلهِيِّ .
واُقسِمُ بِمَن تُقسِمُ الاُمَمُ كُلُّها بِهِ ، لَقَد قَرَأتُ هذِهِ الخُطبَةَ مُنذُ خَمسينَ سَنَةً وإلَى

1.شرح نهج البلاغة : ج۷ ص۲۰۲ .

2.صدره : «تُزجي أغنَّ كأنّ إبرة روقة» (الأمالي للسيّد المرتضى : ج۴ ص۳۷) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 186171
الصفحه من 496
طباعه  ارسل الي