355
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6

رَأسُهُ ويُنطَلَقَ بِهِ إلَى السِّجنِ .
ثُمَّ دَعا بِآخَرَ فَأَجلَسَهُ بَينَ يَدَيهِ وكَشَفَ عَن وَجهِهِ ثُمَّ قالَ : كَلّا ! زَعَمتُم أ نّي لا أعلَمُ بِما صَنَعتُم ؟ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ما أنَا إلّا واحدٌ مِنَ القَومِ ، ولَقَد كُنتُ كارِها لِقَتِلِه ، فَأَقَرَّ .
ثُمَّ دَعا بِواحِدٍ بَعدَ واحِدٍ كُلُّهُم يُقِرُّ بِالقَتلِ وأخذِ المالِ ، ثُمَّ رَدَّ الَّذي كانَ أمَرَ بِهِ إلَى السِّجنِ فَأَقَرَّ أيضا ، فَأَلزَمَهُمُ المالَ وَالدَّمَ .
فَقالَ شُرَيحٌ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكَيفَ حَكَمَ داوُدُ النَّبِيُّ عليه السلام ؟
فَقالَ : إنَّ داوُدَ النَّبِيَّ عليه السلام مَرَّ بِغِلمَةٍ يَلعَبونَ ويُنادونَ بَعضَهُم : ب «يا ماتَ الدّينُ» ، فَيُجيبُ مِنهُم غُلامٌ ، فَدَعاهُم داوُودُ عليه السلام فَقالَ : يا غُلامُ ، مَا اسمُكَ ؟ قالَ : ماتَ الدّينُ ، فَقالَ لَهُ داوُدُ عليه السلام : مَن سَمّاكَ بِهذا الاِسمِ ؟ فَقالَ اُمّي .
فَانطَلَقَ داوُدُ عليه السلام إلى اُمِّهِ ، فَقالَ لَها : يا أيَّتُها المَرأَةُ ! مَا اسمُ ابنِكِ هذا ؟ قالَت : ماتَ الدّينُ ، فَقالَ لَها : ومَن سَمّاهُ بِهذا ؟ قالَت : أبوهُ ، قالَ : وكَيفَ كانَ ذاكَ ؟ قالَت : إنَّ أباهُ خَرَجَ في سَفَرٍ لَهُ ومَعَهُ قَومٌ ، وهذَا الصَّبِيُّ حَملٌ في بَطني ، فَانصَرَفَ القَومُ ولَم يَنصَرِف زَوجي ، فَسَأَلتُهُم عَنهُ ، فَقالوا : ماتَ ، فَقُلتُ لَهُم : فَأَينَ ما تَرَكَ ؟ قالوا : لَم يُخلِّف شَيئا ، فَقُلتُ : هَل أوصاكُم بِوَصِيَّةٍ ؟ قالوا : نَعَم ، زَعَمَ أ نَّكِ حُبلى ، فَما وَلَدتِ مِن وَلَدٍ ـ جارِيَةٍ أو غُلامٍ ـ فَسَمّيهِ «ماتَ الدّين» ، فَسَمَّيتُهُ .
قالَ داوُدُ عليه السلام : وتَعرِفينَ القَومَ الَّذينَ كانوا خَرَجوا مَعَ زَوجِكِ ؟ قالَت : نَعَم ، قالَ : فَأَحياءٌ هُم أم أمواتٌ ؟ قالَت : بَل أحياءٌ ، قالَ : فَانطَلِقي بِنا إلَيهِم ، ثُمَّ مَضى مَعَها فَاستَخرَجَهُم مِن مَنازِلِهِم ، فَحَكَمَ بَينَهُم بِهذا الحُكمِ بِعَينِهِ وأثبَتَ عَلَيهِمُ المالَ وَالدَّمَ ، وقالَ لِلمَرأَةِ : سَمِّي ابنَكِ هذا «عاشَ الدّينُ» ۱ .

1.الكافي : ج۷ ص۳۷۱ ح۸ ، تهذيب الأحكام : ج۶ ص۳۱۶ ح۸۷۵ كلاهما عن أبي بصير ، كتاب من فلا يحضره الفقيه : ج۳ ص۲۴ ح۳۲۵۵ ، الإرشاد : ج۱ ص۲۱۵ نحوه من دون إسنادٍ إلى المعصوم وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ج۲ ص۳۷۹ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
354

أميرَ المُؤمِنينَ ، فَكَيفَ ؟
فَقالَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : وَاللّهِ لَأَحكُمَنَّ فيهِم بِحُكمٍ ما حَكَمَ بِهِ خَلقٌ قَبلي إلّا داوُودَ النَّبِيَّ عليه السلام . يا قَنبَرُ ! ادعُ لي شَرَطَةَ الخَميسِ . فَدَعاهُم ، فَوَكَّلَ بِكُلَّ رَجُلٍ مِنهُم رَجُلاً مِنَ الشَّرَطَةِ ، ثُمَّ نَظَرَ إلى وُجوهِهِم فَقالَ : ماذا تَقولونَ ؟أ تَقولونَ : إنّي لا أعلَمُ ما صَنَعتُم بِأَبي هذَا الفَتى ؟ إنّي إذا لَجاهِلٌ !
ثُمَّ قالَ : فَرِّقوهُم وغَطّوا رُؤوسَهُم . فَفُرِّقَ بَينَهُم واُقيمَ كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم إلى اُسطُوانَةٍ مِن أساطينِ المَسجِدِ ورُؤوسُهُم مُغَطّاةٌ بِثِيابِهِم ، ثُمَّ دَعا بِعُبَيدِ اللّهِ بنِ أبي رافِعٍ كاتِبِهِ فَقالَ : هاتِ صَحيفَةً ودَواةً ، وجَلَسَ أميرُ المُؤمِنينَ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ في مَجلِسِ القَضاءِ وجَلَسَ النّاسُ إلَيهِ ، فَقالَ لَهُم : إذا أنا كَبَّرتُ فَكَبِّروا ، ثُمَّ قالَ لِلناسِ : اِفرِجوا ۱ ، ثُمَّ دَعا بِواحِدٍ مِنهُم فَأَجلَسَهُ بَينَ يَدَيهِ وكَشَفَ عَن وَجهِهِ .
ثُمَّ قالَ لِعبُيَدِ اللّهِ بنِ أبي رافِعٍ : اُكتُب إقرارَهُ وما يَقولُ . ثُمَّ أقبَلَ عَلَيهِ بِالسُّؤالِ ، فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام : في أيِّ يَومٍ خَرَجتُم مِن مَنازِلِكُم وأبو هذَا الفَتى مَعَكُم ؟ فَقالَ الرَّجُلُ : في يَومِ كَذا وكَذا . قالَ : وفي أيِّ شَهرٍ ؟ قالَ : في شَهرِ كَذا وكَذا . قالَ : في أيِّ سَنَةٍ ؟ قالَ : في سَنَةِ كَذا وكَذا . قالَ : وإلى أينَ بَلَغتُم في سَفَرِكُم حَتّى ماتَ أبو هذَا الفَتى ؟ قالَ : إلى مَوضِعِ كَذا وكَذا ، قالَ : وفي مَنزِلِ مَن ماتَ ؟ قالَ : في مَنزِلِ فُلانِ بن فُلانٍ ، قالَ : وما كانَ مَرَضُهُ ؟ قالَ : كَذا وكَذا ، قالَ : وكَم يَوما مَرِضَ ؟ قالَ : كَذا وكَذا ، قالَ : فَفي أيِّ يَومٍ ماتَ ؟ ومَن غَسَّلَهُ ؟ ومَن كَفَّنَهُ ؟ وبِما كَفَّنتُموهُ ؟ ومَن صَلّى عَلَيهِ ؟ ومَن نَزَلَ قَبرَهُ ؟
فَلَمّا سَأَلَهُ عَن جَميعِ ما يُريدُ كَبَّرَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وكَبَّرَ النّاسُ جَميعا ، فَارتابَ اُولئِكَ الباقونَ ، ولَم يَشُكّوا أنَّ صاحِبَهُم قَد أقَرَّ عَلَيهِم وعَلى نَفسِهِ . فَأَمَرَ أن يُغَطّى

1.في المصدر : «اخرجوا» ، والصحيح ما أثبتناه كما في تهذيب الأحكام .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج6
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 186197
الصفحه من 496
طباعه  ارسل الي