فَدَعَت بِطيبٍ فَطَيَّبَت لِحيَتَهُ ، فَقالَ لَها : أما إنَّها سَتُخضَبُ بِدَمٍ .
فَقالَت : مَن أنبَأَكَ هذَا ؟ قالَ : أنبَأَني سَيِّدي .
فَبَكَت اُمُّ سَلَمَةَ ، وقالَت لَهُ : إنَّهُ لَيسَ بِسَيِّدِكَ وَحدَكَ ؛ هُوَ سَيِّدي وسَيِّدُ المُسلِمينَ ، ثُمَّ وَدَّعَتهُ . فَقَدِمَ الكوفَةَ ، فَاُخِذَ واُدخِلَ عَلى عُبَيدِ اللّهِ بنِ زيادٍ . وقيلَ لَهُ : هذَا كانَ مِن آثَرِ النّاسِ عِندَ أبي تُرابٍ . قالَ : ويحَكُم ! هذَا الأَعجَمِيُّ ؟ ! قالوا : نَعَم .
فَقالَ لَهُ عُبَيدُ اللّهِ : أينَ رَبُّكَ ؟ قالَ : بِالمِرصادِ .
قالَ : قَد بَلَغَنِي اختصاصُ أبي تُرابٍ لَكَ ! قالَ : قَد كانَ بَعضُ ذلِكَ ، فَما تُريدُ ؟
قالَ : وإنَّهُ لَيُقالُ إنَّهُ قَد أخبَرَكَ بِما سَيَلقاكَ . قالَ : نَعَم ، إنَّهُ أخبَرَني .
قالَ : مَا الَّذي أخبَرَكَ أ نّي صانِعٌ بِكَ ؟ قالَ : أخبَرَني أ نَّكَ تَصلُبُني عاشِرَ عَشَرَةٍ وأنَا أقصَرُهُم خَشَبَةً ، وأقرَبُهُم مِنَ المُطَهِّرَةِ . قالَ : لاُخالِفَنَّهُ .
قالَ : وَيحَكَ ! كَيفَ تُخالِفُهُ ؟ ! إنَّما أخبَرَ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأخبَرَ رَسولُ اللّهِ عَن جِبرائيلَ ، وأخبَرَ جِبرائيلُ عَنِ اللّهِ ، فَكَيفَ تُخالِفُ هؤُلاءِ ؟ ! أمَا وَاللّهِ لَقَد عَرَفتُ المَوضِعَ الَّذي اُصلَبُ فيهِ أينَ هُوَ مِنَ الكوفَةِ ، وإنّي لَأَوَّلُ خَلقِ اللّهِ اُلجَمُ في الإِسلامِ بِلِجامٍ كَما يُلجَمُ الخَيلُ .
فَحَبَسَهُ وحَبَسَ مَعَهُ المُختارَ بنَ أبي عُبَيدَةَ الثَّقَفِيَّ ، فَقالَ ميثَمٌ لِلمُختارِ ـ وهُما في حَبسِ ابنِ زِيادٍ ـ : إنَّكَ تُفلِتُ وتَخرُجُ ثائِرا بِدَمِ الحُسَينِ عليه السلام ، فَتَقتُلُ هذَا الجَبّارَ الَّذي نَحنُ في سِجنِهِ ، وتَطَأُ بِقَدَمِكَ هذِهِ عَلى جَبهَتِهِ وخَدَّيهِ .
فَلَمّا دَعا عُبَيدُ اللّهِ بنُ زِيادٍ بِالمُختارِ لِيَقتُلَهُ طَلَعَ البَريدُ بِكتابِ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ إلى عُبَيدِ اللّهِ بنِ زَيادٍ ، يَأمُرُهُ بِتَخلِيَةِ سَبيلِهِ ، وذاكَ أنَّ اُختَهُ كانَت تَحتَ عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ ، فَسَأَلَت بَعلَها أن يَشفَعَ فيهِ إلى يَزيدَ فَشَفَعَ ، فَأمضى شَفاعَتَهُ ، وكَتَبَ بِتَخلِيَةِ سَبيلِ المُختارِ عَلَى البَريدِ ، فَوافَى البَريدُ وقَد اُخرِجَ لِيُضرَبَ عُنُقُهُ ، فَاُطلِقَ .