عجيب هو علم الإمام ، يُثير التأمّل في مدياته الممتدّة الذهول والحيرى . إذا رام القلم أن يخطّ من هذا العلم حقيقة واحدة سرعان ما يتراءى أمامه بحر زخّار تتدافع أمواجه ، وتتباعد المسافة بين شُطّانه حتى تبلغ المدى الأقصى . بحر لا ينزف هو علم الإمام ، تتراكب أمواجه موج فوقه موج ، شواطئ ممتدّة على الاُفق دون نهاية ، وقعر ليس له قرار .
أنّى للقلم أن يرقى إلى بيان علمه وهو «باب علم» النبيّ و«حكمته» ، وأنّى للكلمات أن تتسلّق إلى ذراه وهو «خزانة علم النبيّ» وجميع النبيّين .
ثمّ كيف يقدر القلم أن يواكب علم عليّ عليه السلام ، وفي مدى هذا العلم اجتمعت جميع العلوم القرآنيّة ، والمعارف الدينيّة ، وعلم المنايا والبلايا ؛ وقد كان صاحب العلم ينظر إلى الماضي والحاضر كما ينظر إلى الذي بين يديه ، يتبدّى له كما تتبدّى الشمس في رابعة النهار !
«عِلْمُ الْكِتَـبِ»۱ كلّه كان عند عليّ بن أبي طالب عليه السلام بنصّ الروايات ، ولم يكن عند آصف بن برخيّا من هذا العلم إلّا شيئاً منه «عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَـبِ»۲ وقد استطاع أن يُحضِر عرش بلقيس عند سليمان عليه السلام من مسافة بعيدة بأقلّ من طرفة عين . وعندئذٍ ينبغي التأمّل ببصيرة وفكر في هذا العلم «علم من الكتاب» مقارنة بذلك العلم «علم الكتاب» لنتصوّر الفارق بين الاثنين ، وفيما إذا كان بمقدور الكلمات والصفحات والأقلام أن ترقى إلى بيان علم عليّ عليه السلام مهما بلغت ، أو تومئ إلى أبعاده !
كان علم الإمام من السعة بحيث أنّ شعاعاً واحداً منه لو تبلّج لكان حريّاً أن يُبهر