477
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج7

قُلتُ : نَعَم ، فَفَدَّوهُ بِآبائِهِم واُمَّهاتِهِم ، وأسرَعوا إلَيه حَتّى دَخَلوا عَلَيهِ ، فَقالَ لَهُم : أبشِروا فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِنَفَرٍ أنَا فيهِم : «لَيَموتَنَّ رَجُلٌ مِنكُم بِفَلاةٍ مِنَ الأَرضِ تَشهَدُهُ عِصابَةٌ مِنَ المُؤمِنينَ» ، ولَيسَ مِن اُولئِكَ النَّفَرِ إلّا وقَد هَلَكَ في قَريَةٍ وجَماعَةٍ ، وَاللّهِ ما كَذَبتُ ولا كُذِبتُ ، ولَو كانَ عِندي ثَوبٌ يَسَعُني كَفَنا لي أو لاِمرَأَتي لَم اُكَفَّن إلّا في ثَوبٍ لي أو لَها ؛ وإنّي أنشُدُكُمُ اللّهَ ألّا يُكَفِّنَني رَجُلٌ مِنكُم كانَ أميرا أو عَريفا ۱ أو بَريدا أونَقيبا ۲ !
قالَت : ولَيسَ في اُولئِكَ النَّفَرِ أحَدٌ إلّا وقَد قارَفَ بَعضَ ما قالَ ، إلّا فَتىً مِنَ الأَنصارِ قالَ لَهُ : أَنا اُكَفِّنُكَ يا عَمُّ في رِدائي هذا ، وفي ثَوبَينِ مَعي في عَيبَتي مِن غَزلِ اُمّي .
فَقالَ أبو ذَرٍّ : أنتَ تُكَفِّنُني ، فَماتَ فَكَفَّنَهُ الأَنصارِيُّ وغَسَّلَهُ النَّفَرُ الَّذينَ حَضَروهُ وقاموا عَلَيهِ ودَفَنوهُ ؛ في نَفَرٍ كُلُّهُم يَمانٍ .
رَوى أبو عُمَرَ بنِ عَبدِ البَرِّ قَبلَ أن يَروِيَ هذَا الحَديثَ في أوَّلِ بابِ «جُندَب» : كانَ النَّفَرُ الَّذينَ حَضَروا مَوتَ أبي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ - مُصادَفَةً - جَماعَةً ؛ مِنهُم حُجرُ بنُ الأَدبَرِ ، ومالِكُ بنُ الحارِثِ الأَشتَرُ .
قُلتُ : حُجرُ بنُ الأَدبَرِ هُو حُجرُ بنُ عَدِيٍّ الَّذي قَتَلَهُ مُعاوِيَةُ ، وهُوَ مِنَ أعلامِ الشّيعَةِ وعُظمائِها ، وأمَّا الأَشتَرُ فَهُو أشهَرُ فِي الشّيعَةِ مِن أبِي الهُذَيلِ فِي المُعتَزِلَةِ ۳ .

راجع : ج3 ص460 (قتال الأشتر و دوره الأساسيّ في الحرب)
وج4 ص95 (الفصل السادس : استشهاد مالك الأشتر) .

1.عَرِيف: وهو القَيّم باُمور القبيلة أو الجَماعة من النّاسِ يَلِي اُمورَهُم ويتعرّف الأمير منه أحوالهم (النهاية : ج۳ ص۲۱۸) .

2.النَقِيب : هو كالعَريف على القوم المُقَدَّم عليهم ، الَّذي يَتعرَّف أخبارهم ، وينقِّب عن أحوالهم : أي يُفَتِّش (النهاية : ج۵ ص۱۰۱) .

3.شرح نهج البلاغة : ج۱۵ ص۹۹ و ۱۰۰ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج7
476

شَهادَةٌ قاطِعَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بِأَنَّهُ مُؤمِنٌ ، رَوى هذَا الحَديثَ أبو عُمَرَ بنِ عَبدِ البَرِّ في كِتابِ الاِستيعابِ في حَرفِ الجيمِ ، في بابِ «جُندَب» ، قالَ أبو عُمَرَ :
لَمّا حَضَرَت أبا ذَرٍّ الوَفاةُ وهُوَ بِالرَّبَذَةِ بَكَت زَوجَتُهُ اُمُّ ذَرٍّ ، فَقالَ لَها : ما يُبكيكِ ؟
فَقالَت : ما لي لا أبكي وأنتَ تَموتُ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرضِ ، ولَيسَ عِندي ثَوبٌ يَسَعُكَ كَفَناً ، ولابُدَّ لي مِنَ القِيامِ بِجَهازِكَ ؟ !
فَقالَ : أبشِري ولا تَبكي ، فَإِنّي سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : «لا يَموتُ بَينَ امرَأَينِ مُسلِمَينِ وَلَدان أو ثَلاثَةٌ ، فَيَصبِرانِ ويَحتَسِبانِ فَيَرَيانِ النّارَ أبَدا» ؛ وقَد ماتَ لَنا ثَلاثَةٌ مِنَ الوُلدِ .
وسَمِعتُ أيضا رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِنَفَرٍ أنَا فيهِم : «لَيموتَنَّ أحَدُكُم بِفَلاةٍ مِنَ الأَرضِ يَشهَدُهُ عِصابَةٌ مِنَ المُؤمِنينَ» ، ولَيسَ مِن اُولئِكَ النَّفَرِ أحَدٌ إلّا وقَد ماتَ في قَريَةٍ وجَماعَةٍ . فَأَنَا ـ لا أشُكُّ ـ ذلِكَ الرَّجُلُ ، وَاللّهِ ما كَذَبتُ ولا كُذِبتُ ، فَانظُرِي الطَّريقَ .
قالَت اُمُّ ذَرٍّ : فَقُلتُ : أنّى وقَد ذَهَبَ الحاجُّ وتَقَطَّعَتِ الطُّرُقُ ؟ !
فَقالَ : اِذهَبي فَتَبَصَّري .
قالَت : فَكُنتُ أشتَدُّ إلَى الكَثيبِ ، فَأَصعَدُ فَأَنظُرُ ، ثُمَّ أرجِعُ إلَيهِ فَاُمَرِّضُهُ ، فَبَينا أنَا وهُوَ عَلى هذِهِ الحالِ إذ أنَا بِرِجالٍ عَلى رِكابِهِم ، كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ ۱ ، تَخُبُّ بِهِم رَواحِلُهُم ، فَأَسرَعوا إلَيَّ حَتّى وَقَفوا عَلَيَّ ، وقالوا : يا أمَةَ اللّهِ ، ما لَكِ ؟
فَقُلتُ : اُمرُؤٌ مِنَ المُسلِمينَ يَموتُ ، تُكَفِّنونَهُ ؟
قالوا : ومَن هُوَ ؟ قُلتُ : أبو ذَرٍّ . قالوا : صاحِبُ رَسولِ اللّهِ عليه السلام ؟

1.الرَّخَم : نوعٌ من الطَّير معروفٌ ، واحدتُه رَخمة (النهاية : ج۲ ص۲۱۲) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج7
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 215379
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي