العقل في النصوص الإسلامية
قال المحدّث الكبير الشيخ الحرّ العاملي رضوان اللّه تعالى عليه في نهاية باب «وجوب طاعة العقل ومخالفة الجهل» حول معاني العقل ما يلي:
العقل يطلق في كلام العلماء والحكماء على معانٍ كثيرة ۱ ، وبالتتبّع يعلم أنّه يطلق في الأحاديث على ثلاثة معانٍ :
أحدها : قوة إدراك الخير والشرّ والتمييز بينهما، ومعرفة أسباب الاُمور، ونحو ذلك، وهذا هو مناط التكليف.
وثانيها : حالة وملكة تدعو إلى اختيار الخير والمنافع واجتناب الشرّ والمضارّ.
وثالثها : التعقّل بمعنى العلم، ولذا يقابَل بالجهل لا بالجنون . وأحاديث هذا الباب وغيره أكثرها محمول على المعنى الثاني والثالث، واللّه أعلم . ۲
خطر الجهل
يُستخلص ممّا طرحه الإسلام في شتّى أبواب نظريّة المعرفة أنّ هذا الدين الإلهيّ قد أعار ـ قبل كلّ شيء وفوق كلّ شيء ـ أهمّيّة قصوى للفكر والوعي والمعرفة من أجل بناء المجتمع الفاضل الذي يصبو إليه ، وحذّر من مغبّة الجهل وتعطيل الفكر .
فالإسلام يرى في الجهل آفة تهدّد ازدهار الإنسانيّة ، ومصدرا لكلّ المفاسد الفرديّة والاجتماعيّة ۳ ، وما لم تستأصل هذه الآفة لا يتسنّى للفضيلة أن تسود ، ولا يتحقّق المجتمع الإنساني المنشود .
فهذا الدين يعتبر الجهل سبب كلّ شرّ ، وأنّه أكبر وبال ، وأفتك الأمراض ، وأعدى الأعداء ، وأنّ الجاهل شرّ الدوابّ ، بل هو ميّتٌ بين الأحياء .
مفاهيم الجهل
هنالك أربعة معانٍ للجهل المذموم ، هي :
أوّلًا : مطلق الجهل .
ثانيا : الجهل بعموم العلوم والمعارف المفيدة البنّاءة .
ثالثا : الجهل بأهمّ المعارف الضروريّة للإنسان .
رابعا : الجهل كقوّة مقابلة للعقل .
وإليك في ما يليتوضيحا لهذه المعاني :
1 . مطلق الجهل
على الرغم ممّا يتبادر إلى الذهن في الوهلة الاُولى من أنّ مطلق الجهل ضارّ ومذموم ، لكن يتّضح من خلال التأمّل أنّه ليس كلّ جهلٍ مذموما ولا كلّ علم محمودا ، بل إنّ العلم شطر منه نافع بنّاء ، وشطر منه ضارّ مهلك ، ولهذا السبب حرّم الإسلام السعي لإدراك كنه بعض الاُمور والخفايا .