17
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

2 . الجهل بالمعارف المفيدة

لا ريب في أنّ الإسلام ينظر بعين الاحترام إلى جميع العلوم والمعارف المفيدة ويدعو إلى تعلّمها إلّا أنّ هذا لا يعني بطبيعة الحال أنّ الجهل بكلّ هذه العلوم مذموم بالنسبة للجميع .
وبعبارة اُخرى ، تدخل الآداب ، والصرف ، والنحو ، والمنطق ، والكلام ، والفلسفة ، والرياضيات ، والفيزياء ، والكيمياء ، وسائر العلوم والفنون الاُخرى في خدمة الإنسان ، وتحظى باحترام الدين الإسلاميّ ، بيد أنّه لا يمكن النظر إلى الجهل بكلّ هذه العلوم كمصدر لجميع الشرور ، واعتباره أشدّ المصائب ، وأعضَل الأدواء ، وألدّ الأعداء ، وأكبر صور الإملاق ، وأنّ كلّ من يجهل هذه العلوم أو بعضها هو شرّ الدواب ، وميّت بين الأحياء .

3 . الجهل بالمعارف الضروريّة للإنسان

إنّ المعارف والعلوم التي تهيّئ للإنسان معرفة بدايته وغايته وتكشف له عن سبيل بلوغ الحكمة من وجوده ، تدخل في إطار أهمّ المعارف الضروريّة لحياته .
والجهل بهذه المعارف يوقع المجتمع الإنساني في أشدّ المصائب والمحن ، ومن الطبيعيّ أنّ تعلّم مثل هذه المعارف لا يجدي نفعا بمفرده ، وإنّما هي ذات فاعليّة فيما لو كبح العقل جماح المفهوم الرابع للجهل ، وهو ما نبيّنه فيما يأتي .

4 . القوّة المقابلة للعقل

إنّ النصوص الإسلاميّة تطرح للجهل مفهوما رابعا ، وهو ـ خلافا للمعاني السابقة ـ أمر وجوديّ لا عدميّ ، وذلك هو الشعور الخفيّ الذي يقع في مقابل العقل ، وهو بطبيعة الحال ـ شأنه كشأن العقل ـ مخلوق من قبل الباري تعالى ، وله آثار ومقتضيات تُسمّى ب «جنود الجهل» تقع في مقابل «جنود العقل».
وكما جاء في النصوص الروائية فقد اعتبرت جميع أنواع الحسن والجمال الاعتقاديّ والأخلاقيّ والعمليّ ، كالخير ، والعلم ، والمعرفة ، والحكمة ، والإيمان ، والعدل ، والإنصاف ، والاُلفة ، والرحمة ، والمودّة ، والرأفة ، والبركة ، والقناعة والسخاء ، والأمانة ، والشهامة ، والحياء ، والنظافة ، والرجاء ، والوفاء ، والصدق ، والحلم ، والصبر ، والتواضع ، والغنى ، والنشاط ، من جنود العقل .
وفي مقابل هذا اعتبرت جميع القبائح الاعتقاديّة والأخلاقيّة والعمليّة ، كالشرّ والحمق ، والكفر ، والجور ، والفرقة ، والقسوة ، والقطيعة ، والعداوة ، والبغض ، والغضب ، والمحق ، والحرص ، والبخل ، والخيانة ، والبلادة ، والجلع ، والتهتّك ، والقذر ، واليأس ، والغدر ، والكذب ، والسفه ، والجزع ، والتكبّر ، والفقر ، والكسل ، من جنود الجهل .
النقطة الاُولى هي أنّ الإسلام على الرغم من شدّة محاربته للجهل وخاصّة بمفهومه الثالث ، إلّا أنّه يعتبر أخطر أنواعه هو نوعه الرابع ؛ أي اختيار السبيل الذي


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
16

العقل في النصوص الإسلامية

قال المحدّث الكبير الشيخ الحرّ العاملي رضوان اللّه تعالى عليه في نهاية باب «وجوب طاعة العقل ومخالفة الجهل» حول معاني العقل ما يلي:
العقل يطلق في كلام العلماء والحكماء على معانٍ كثيرة ۱ ، وبالتتبّع يعلم أنّه يطلق في الأحاديث على ثلاثة معانٍ :
أحدها : قوة إدراك الخير والشرّ والتمييز بينهما، ومعرفة أسباب الاُمور، ونحو ذلك، وهذا هو مناط التكليف.
وثانيها : حالة وملكة تدعو إلى اختيار الخير والمنافع واجتناب الشرّ والمضارّ.
وثالثها : التعقّل بمعنى العلم، ولذا يقابَل بالجهل لا بالجنون . وأحاديث هذا الباب وغيره أكثرها محمول على المعنى الثاني والثالث، واللّه أعلم . ۲

خطر الجهل

يُستخلص ممّا طرحه الإسلام في شتّى أبواب نظريّة المعرفة أنّ هذا الدين الإلهيّ قد أعار ـ قبل كلّ شيء وفوق كلّ شيء ـ أهمّيّة قصوى للفكر والوعي والمعرفة من أجل بناء المجتمع الفاضل الذي يصبو إليه ، وحذّر من مغبّة الجهل وتعطيل الفكر .
فالإسلام يرى في الجهل آفة تهدّد ازدهار الإنسانيّة ، ومصدرا لكلّ المفاسد الفرديّة والاجتماعيّة ۳ ، وما لم تستأصل هذه الآفة لا يتسنّى للفضيلة أن تسود ، ولا يتحقّق المجتمع الإنساني المنشود .
فهذا الدين يعتبر الجهل سبب كلّ شرّ ، وأنّه أكبر وبال ، وأفتك الأمراض ، وأعدى الأعداء ، وأنّ الجاهل شرّ الدوابّ ، بل هو ميّتٌ بين الأحياء .

مفاهيم الجهل

هنالك أربعة معانٍ للجهل المذموم ، هي :
أوّلًا : مطلق الجهل .
ثانيا : الجهل بعموم العلوم والمعارف المفيدة البنّاءة .
ثالثا : الجهل بأهمّ المعارف الضروريّة للإنسان .
رابعا : الجهل كقوّة مقابلة للعقل .
وإليك في ما يليتوضيحا لهذه المعاني :

1 . مطلق الجهل

على الرغم ممّا يتبادر إلى الذهن في الوهلة الاُولى من أنّ مطلق الجهل ضارّ ومذموم ، لكن يتّضح من خلال التأمّل أنّه ليس كلّ جهلٍ مذموما ولا كلّ علم محمودا ، بل إنّ العلم شطر منه نافع بنّاء ، وشطر منه ضارّ مهلك ، ولهذا السبب حرّم الإسلام السعي لإدراك كنه بعض الاُمور والخفايا .

1.راجع كتاب نهاية الحكمة، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي: ص ۳۰۵ و ۳۰۸، كشف المراد: ص ۲۳۴ و ۲۴۵، بحار الأنوار: ج ۱ ص ۹۹ ـ ۱۰۱.

2.وسائل الشيعة : ج ۱۵ ص ۲۰۸ و ۲۰۹.

3.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثالث : الجهل / الفصل الثالث : علامات الجهل / آثار الجهل) .

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 305613
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي