227
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

أعمّ من جميع القيم العقائدية والأخلاقية والعملية ، والشرّ أيضا أعمّ من جميع ما يقع خلاف القيم ويضادّها ، فقد تبوّءا على هذا الأساس موقعهما في صدر جنود العقل والجهل .

سهولة فعل الخير

اتّضح ممّا سلف أنّ الجُنوح صوب الخير والميل نحو الحسن ، وفي المقابل النفرة من الشرّ والسوء ، أمر فطري . على هذا تعيش الفِطَر السليمة النقيّة إحساسا بالطمأنينة والاستقرار عند النهوض بأفعال الخير ، وهي إلى ذلك لا تُطيق الشرّ وترتاب من الإثم، وبذلك فإنّ القيام بأفعال الخير أسهل من اجتراح السيّئات وارتكاب الشرّ ، تماما كما نصّ الإمام عليّ عليه السلام على ذلك بقوله :
الخَيرُ أسهَلُ مِن فِعلِ الشَّرِّ.۱
بديهي أنّ هذا التمييز يصدُق على الناس الذين لا يزالون يعيشون الفطرة بصفاء ، ولم تتلوّث جبلّتهم الإنسانية . أمّا من تلوَّثت فطرته وأصابه الدَرَن فيصدق عليه عكس هذه المعادلة تماما ، فكلّما كانت الفطرة أكثر لوثا شقّت عليها أفعال الخير أكثر ، وخفّ عليها اجتراح الشرّ وسهلت عليها مآخذه .

الفصل الأوّل : معرفة الخير

1 / 1 . مَبدَأُ مَعرِفَةِ الخَيرِ وَالشَّرِّ وميزانُها

الكتاب

« وَ نَفْسٍ وَ مَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَاهَا » . ۲

الحديث

۱۳۰۹.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :دَع ما يُريبُكَ إلى ما لا يُريبُكَ ؛ فَإِنَّ الخَيرَ طُمَأنينَةٌ ، وإنَّ الشَّرَّ ريبَةٌ . ۳

۱۳۱۰.عنه صلى الله عليه و آله :البِرُّ ما طابَت بِهِ النَّفسُ وَاطمَأَنَّ إلَيهِ القَلبُ ، وَالإِثمُ ما جالَ فِي النَّفسِ وتَرَدَّدَ فِي الصَّدرِ . ۴

۱۳۱۱.عنه صلى الله عليه و آلهـ لَمّا سُئِلَ عَنِ البِرِّ وَالإِثمِ ـ: البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ ، وَالإِثمُ ما حاكَ في صَدرِكَ وكَرِهتَ أن يَطَّلِعَ عَلَيهِ النّاسُ . ۵

1 / 2 . حَقيقَةُ الخَيرِ وَالشَّرِّ

الكتاب

« وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ » . ۶

الحديث

۱۳۱۲.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّمَا الخَيرُ ما اُريدَ بِهِ وَجهُ اللّهِ تَعالى ، وعُمِلَ عَلى ما أمَرَ اللّهُ تَعالى [ بِهِ] . ۷

۱۳۱۳.عنه صلى الله عليه و آلهـ لَمّا سَأَلَهُ رَجُلٌ : كَيفَ لي أن أعلَمَ أمري؟ـ: إذا أرَدتَ شَيئا مِن اُمورِ الدُّنيا فَعَسُرَ عَلَيكَ فَاعلَم أنَّكَ بِخَيرٍ ، وإذا أرَدتَ شَيئا مِن أمرِ الدُّنيا فَيَسُرَ

1.راجع : الخير والبركة في الكتاب والسنة : (القسم الأوّل/ الفصل الأول : معرفة الخير : ح۲۹) .

2.الشمس : ۷ و ۸ .

3.المستدرك على الصحيحين : ج ۲ ص ۱۶ ح ۲۱۶۹ و ۲۱۷۰ .

4.الجعفريّات : ص ۱۴۸.

5.صحيح مسلم : ج ۴ ص ۱۹۸۰ ح ۱۴.

6.آل عمران : ۱۷۸.

7.التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : ص ۲۸۵ ح ۱۴۱ .


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
226

الباب التاسع : الخير

كلام حول «الخير»

يعدّ معنى «الخير» ومثله البرّ والإحسان والحسنة ـ والذي يأتي في مقابل الشرّ والمنكر والإثم والإساءة والسيّئة ـ واضحا وبديهيا.

معرفة الخير والشرّ فطرية

يستطيع كلّ إنسان ـ مهما كان انتماؤه العقيدي وإطاره الفكري والمذهبي ـ تحديد حُسن الخير وجماله وقبح الشرّ وسوئه على نحو فطري . بتعبير آخر : يمكن القول بأنّ معرفة الخير والشرّ ممارسة ممزوجة بذات الإنسان وبحقيقته وبتكوينه الفطري ، فالناس خلقوا جميعا بحيث يميلون صوب الخير ذاتا وينفرون من الشرّ طبعا وجبلّة. ۱

حاجة العقل والفطرة إلى الوحي

ثمّ نقطة على غاية قصوى من الأهمية وتستحقّ الكثير من الدقّة ، تتمثّل في أنّ العقل والفطرة غير قادرين على تشخيص موارد الخير والشرّ ومصاديقهما كافّة ؛ لأنّهما لا يحيطان بجميع المصالح والمفاسد ، بل أكثر من ذلك ، فقد يظنّ الإنسان أنّ أمرا ما هو «خير» نتيجة اُلفته به ، كما قد يحسب أنّ أمرا آخر هو «شرّ» لغياب الآصرة التي تربطه به ، والحقيقة غير ذلك . لهذا يحذّر القرآن من هذه الحالة بقوله :
«وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْـئا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْـئا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ» . ۲
على هذا الأساس ، يحتاج العقل والفطرة إلى الوحي ؛ بغية تشخيصهما الخير والشرّ على نحو تام وفي جميع الموارد . فالوحي ـ بوصفه مبدأ يحيط بجميع المصالح والمفاسد ـ بمقدوره أن يعرض أكمل برنامج حياتي ينهض بتأمين السعادة الدائمة للإنسان .

الخير وزير العقل

في الحديث المشهور عن الإمام الصادق عليه السلام في تبيين جنود العقل والجهل،عُدّ الخير أوّل جنود العقل، في حين عُدّ الشرّ أوّل جنود الجهل ، ونصّ الحديث :
ثُمَّ جَعَلَ لِلعَقلِ خَمسَةً وسَبعينَ جُندا .. . فَكانَ مِمّا أعطَى العَقلَ مِنَ الخَمسَةِ وَالسَّبعينَ الجُندَ : الخَيرُ ؛ وهُوَ وَزيرُ العَقلِ ، وجَعَلَ ضِدَّهُ الشَّرَّ ؛ وهُوَ وَزيرُ الجَهلِ.۳
جاء العقل هنا بمعنى الوجدان الأخلاقيّ ۴ ، ومن ثَمَّ صار الالتزام بأفعال الخير موجبا لتقويته ، واجتراح أفعال الشرّ موجبا لتضعيفه . ولمّا كان الخير

1.جاء في معجم مقاييس اللغة : «الخاء والياء والراء أصله العطف والميل ، ثمّ يُحمَل عليه . فالخير خلاف الشرّ ؛ لأنّ كلّ أحد يميل إليه». كما جاء في معنى «المعروف» ما نصّه : «العين والراء والفاء أصلان صحيحان ، يدلّ أحدهما على تتابع الشيء متّصلاً ببعض ، والآخر يدلّ على السكون والطمأنينة ... والعرف : المعروف ، وسُمّي بذلك لأنَّ النفوس تسكن إليه».

2.البقرة : ۲۱۶ .

3.الكافي : ج ۱ ص ۲۱ ح ۱۴ .

4.راجع : العقل والجهل في الكتاب والسنة : (المدخل/ إستخدام العقل في ما يخصّ مبدأ الإدراكات/ الوجدان الأخلاقي) .

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 244729
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي