241
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

حياتهم بالفساد، هي من وجهة نظر القرآن جزء من العقاب على أعمالهم ، وهذا العقاب ليس تعاقديّا واعتباريّا ، بل هو عقاب تكوينيّ والنتيجة الطبيعية للفعل القبيح الّذي يرتكبه المجرم .
وقد ابتليت على مرّ التاريخ اُمم مختلفة بالزلازل والسيول والبلايا المختلفة ، واعتبر القرآن هذه البلايا النتيجة الطبيعيّة لسيّئاتهم ، فجاء في سورة العنكبوت بعد استعراض مصير قوم نوح وإبراهيم ولوط وتمرّد قوم عاد وثمود، ومواجهة قارون وفرعون وهامان للرسل وامتناعهم عن قبول دعوتهم:
«فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَ مِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَ مِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْـلِمَهُمْ وَ لَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْـلِمُونَ» . ۱

ب ـ التأديب

إنّ الهدف من بعض المصائب والبلايا الّتي يواجهها الإنسان، هو تأديبه وتحذيره من خطر الذنوب والانحرافات، يروى عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في هذا المجال:
ان البَلاءَ لِلظّالِمِ أَدَبٌ .۲
ويبّين القرآن الكريم، دور مشاكل الحياة في توعية الناس قائلاً:
«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» . ۳

ج ـ التمحيص

يمثّل تمحيص الإنسان وتطهيره من الذنوب حكمة اُخرى من حكم مصائب الحياة ومشاكلها ؛ فإنّ العمل السيّئ يلوّث روح الإنسان ويدنّس قلبه :
«كَلَا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ» . ۴
وبلايا الحياة ومصائبها، هي من عوامل جلاء صدأ الذنوب وتطهير النفس من أرجاسها، فروح الإنسان تتطهّر وتصفو في بوتقة المصائب، وقد روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله في هذا الصدد:
ما يُصيبُ المُؤمِنَ مِن وَصَبٍ ، ولا نَصَبٍ ، ولا سَقَمٍ ، ولا حَزَنٍ ؛ حتّى الهَمِّ يَهُمُّهُ ، إلّا كُفِّرَ بِهِ مِن سَيِّئاتِهِ .۵
وعلى هذا الأساس، فإنّ مصائب الحياة تعدّ من النعم الإلهيّة الكبرى لأهل الإيمان ، كما روي عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام :
للّهِِ فِي السَّرّاءِ نِعمَةُ التَّفَضُّلِ ، وفِي الضَّرّاءِ نِعمَةُ التَّطَهُّرِ .۶

2 . المصائب البنّاءة

الهدف والحكمة من بعض شرور الحياة ومصائبها وبلاياها، اختبار الإنسان وبناؤه، حيث

1.العنكبوت: ۴۰ .

2.راجع : جامع الأخبار : ص ۳۱۰ ح ۸۵۲ .

3.الروم: ۴۱ .

4.المطففين : ۱۴ .

5.صحيح مسلم : ج ۴ ص ۱۹۹۳ ح ۵۲ .

6.تحف العقول : ص ۳۶۱ .


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
240

الجَنَّةِ ، مَن قالَها أذهَبَ اللّهُ عَنهُ سَبعينَ بابا مِنَ الشَّرِّ أدناهَا الهَمُّ . ۱

۱۴۳۴.عنه صلى الله عليه و آلهـ لَمّا سَمِعَ رَجُلاً يَسألُ اللّهَ الصَّبرَ ـ: سَألتَ اللّهَ البَلاءَ ، فَاسألْهُ المُعافاةَ . ۲

۱۴۳۵.عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ ، وإنَّ صَنائِعَ المَعروفِ تَقي مَصارِعَ السَّوءِ ، وإنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَزيدُ فِي العُمُرِ وتَقِي الفَقرَ وأكثِروا مِن قَولِ : لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ ، فَإِنَّها كَنزٌ مِن كُنوزِ الجَنَّةِ ، وإنَّ فيها شَفاءً مِن تِسعَةٍ وتِسعينَ داءً ، أدناهَا الهَمُّ . ۳

كلام حول حكمة المصائب والشّرور

اولاً : فلسفة مصائب الواعين من الناس

من خلال التأمّل في الآيات والروايات الّتي تشير إلى فلسفة الشرور والمصائب والإخفاقات، يمكن أن نخلص إلى هذه النتيجة وهي أنّ مصائب الأشخاص الواعين هي إما أثر لأفعالهم القبيحة وإمّا سبب لتكاملهم.
وتوضيح ذلك يتم عبر النقاط التالية :

1 . المصائب الّتي هي نتيجة أفعال الإنسان

يرى القرآن الكريم أنّ جميع المصائب الّتي يُبتلى بها الأشخاص المكلّفون والواعون الذين يرتكبون المعاصي والذنوب ، إنّما هي شمار أفعالهم ونتيجة ما كسبت أيديهم :
«وَ مَا أَصَـبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ» . ۴
وهذا يعني أنّ المصائب والمنغّصات الّتي تواجه المجتمع ، مثل : الجفاف ، والغلاء، والأعاصير والزلازل وما إلى ذلك، إنّما سببها الذنوب الّتي يرتكبها الناس، ولكنّ هذه المصائب لا تمثّل عقوبة جميع ذنوبهم ؛ لأنّ الكثير من الذنوب يعفو عنها اللّه ـ تعالى ـ بحكمته، وإلّا لما بقي على الأرض من دابّة :
«وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ» . ۵
ويعلن القرآن بصراحة أنّ الإنسان إذا لم يرتكب الأفعال القبيحة واختار الطريق الصحيح في الحياة ، فإنّ البركات الإلهيّة ستنهمر عليه من السماء والأرض :
«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـهُم بِمَا كَانُوايَكْسِبُونَْ» . ۶

أقسام المصائب الّتي هي نتيجة أفعال الإنسان

يمكن تقسيم المصائب الّتي تحيق بالإنسان على إثر عمله السيِّئ إلى ثلاثة أقسام :

أ ـ العقوبة

إنّ المصائب الّتي يُبتلى بها الأشخاص الذين لا توجد في حياتهم أيّة نقطة إيجابيّة والذين حفلت

1.تاريخ دمشق : ج ۱۵ ص ۱۶۳ ح ۳۷۱۵.

2.كنز العمّال : ج ۲ ص ۶۲۷ ح ۴۹۳۵.

3.المعجم الأوسط : ج ۱ ص ۲۸۹ ح ۹۴۳.

4.الشورى: ۳۰ .

5.فاطر: ۴۵ وراجع: النحل: ۶۱ .

6.الأعراف: ۹۶ وراجع: المائدة: ۶۶ .

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 255443
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي