29
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

ومع الأسف إنّ الخطر الكبير الذي يهدّد المجتمع البشري هذا اليوم هو أنّ العلم قد تقدم كثيرا ، بَيْد أنّه فقد جوهره وخاصّيته واتّجاهه السديد ، واستُخدم باتّجاه انحطاط الإنسانيّة وسقوطها .
ويمكن أن ندرك بتأمّلٍ يسيرٍ ، الآفات التي فرضها العلم على المجتمع البشريّ في واقعنا المعاصر ، ونفهم ماذا تجرّع الإنسان من ويلات حين قبضت القوى الكبرى على سلاح العلم .
فهل يمكن أن نسمّي وسائل النهب ، والجوع ، والقتل ، والفساد علما !
وهل الذي يسوق المجتمع نحو الفساد والضياع ، هو علم ونور أم هو الجهل والظلمة ؟
وهنا يستبين معنى الكلام النبويّ الدقيق ، إذ قال صلى الله عليه و آله :
إنَّ مِنَ العِلمِ جَهلاً .۱
لقد مُني العلم اليوم بهذا المصير المشؤوم بعد فقده جوهره واتّجاهه المستقيم السديد ، فأصبح كالجهل قاتلاً ، مُفسدا ، مدمِّرا ، بل أصبح أشدّ ضررا من الجهل!
ما أروع كلام الإمام عليّ عليه السلام وما أدقّه ! إذ قال :
رُبَّ عالِمٍ قَد قَتَلَهُ جَهلُهُ ، وعِلمُهُ مَعَهُ لا يَنفَعُهُ .۲

الحكمة في القرآن والحديث

تكررت كلمة (الحكمة) في القرآن الكريم عشرين مرة، كما امتدح الحقّ تعالى ذاته المقدّسة بصفة (الحكيم) 91 مرّة .
إنّ التأمّل في موارد استعمال هذه الكلمة في النصوص الإسلامية، يشير إلى أنّ الحكمة من وجهة نظر القرآن والحديث عبارة عن المقدّمات المتقنة والثابتة في المجالات العلمية والعملية والروحية لنيل المقاصد الإنسانية السامية ، وما ورد في الأحاديث الشريفة في تفسير الحكمة انما هو مصداق من مصاديق هذا التعريف الاجمالي .

الفصل الأوّل : الحثّ على طلب العلم والحكمة

1 / 1 . فَضلُ العِلمِ

۶۹.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :أكثَرُ النّاسِ قيمَةً أكثَرُهُم عِلماً ، وأقَلُّ النّاسِ قيمَةً أقَلُّهُم عِلماً. ۳

۷۰.عنه صلى الله عليه و آله :العِلمُ رَأسُ الخَيرِ كُلِّهِ. ۴

۷۱.عنه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل يَقولُ : تَذاكُرُ العِلمِ بَينَ عِبادي مِمّا تَحيا عَلَيهِ القُلوبُ المَيِّتَةُ إذا هُمُ انتَهَوا فيهِ إلى أمري . ۵

۷۲.عنه صلى الله عليه و آله :نِعمَ وَزيرُ الإِيمانِ العِلمُ. ۶

۷۳.عنه صلى الله عليه و آله :العِلمُ حَياةُ الإِسلامِ وعِمادُ الإِيمانِ. ۷

1.سنن أبي داوود : ج ۴ ص ۳۰۳ ح ۵۰۱۲ .

2.نهج البلاغة : الحكمة ۱۰۷ .

3.كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۴ ص ۳۹۵ ح ۵۸۴۰ .

4.جامع الأحاديث للقمّي : ص ۱۰۲ .

5.الكافي : ج ۱ ص ۴۰ ح ۶ .

6.الكافي : ج ۱ ص ۴۸ ح ۳ .

7.الجامع الصغير: ج۲ ص۱۹۲ ح۵۷۱۱ .


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
28

الباب الثّاني : العلم والحكمة والمعرفة

تحقيق حول معنى «العلم» ، «الحكمة» و «المعرفة»

العلم لغة واصطلاحا

العلم لغة هو الادراك وهو نقيض الجهل .
كما أنّ كلمتى «المعرفة والعرفان إدراك الشيء النابع عن التدبر في آثاره ، والعرفان نقيض الانكار .
والحكمة لغة مشتقة من الجذر «حكم» الذي هو بمعنى المنع ؛ لان الحكم العادل مانع من الظلم ، ويسمى اللجام الذي يوضع في فم الفرس والدواب «حكمة» لانه يمنع الحيوان عن مخالفة راكبه . وعلى هذا الأساس سُمّي العلم «حكمة» لأنه يمنع من الجهل . ۱

العلم والمعرفة في القرآن والحديث

«قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الْأَلْبَـبِ» . ۲
لم يُقدِّر دين من الأديان العلمَ والحكمة كتقديرهما من قبل الإسلام ، ولم يُحذِّر أيٌّ من الأديان الناسَ من خطر الجهل كتحذير الإسلام .
إنّ العلم في الإسلام أُسّ جميع القيم ، والجهل أصل المساوئ والمفاسد الفرديّة والاجتماعيّة كلّها .
يرى الإسلام أنّ الإنسان بحاجة إلى العلم والمعرفة في كلّ حركة من حركاته .
ولابدّ لعقائده ، وأخلاقه ، وأعماله أن تقوم على دعامة علميّة .
وتوضيح ذلك أنّ للعلم في الإسلام حقيقة وجوهرا ، وظاهرا وقشرا . وتعدّ ضروب العلوم المتداولة ـ الإسلاميّة وغير الإسلاميّة ـ قشور العلم ، أمّا حقيقة العلم والمعرفة فهي شيء آخر .
لأنّ حقيقة العلم نور يرى به الإنسان العالم كما هو ، ويعرف منزلته الوجودية بسببه ، ولنور العلم درجات ، أرفعُها لا يدل المرء على طريق تكامله فحسب وانما يدفعه في هذا المسار ، ويبلغ به المقصد الأعلى للإنسانيّة .
لقد تحدّث القرآن الكريم عن هذا النور بصراحة ، فقال :
«أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِى الظُّـلُمَـتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا» ؟! ۳
ودليلنا على أنّ هذا النور هو حقيقة العلم ، وجميع العلوم المتعارفة قشرٌ له ، هو أنّ قيمة العلوم المذكورة مرتبطة به . وجوهر العلم هو الذي يهب العلم قيمة حقيقيّة ، أي يجعله في خدمة الإنسان وتكامله وسعادته ، وبغيره لا يفقد العلم مزاياه وآثاره فحسب ، بل يتحوّل إلى عنصر مضادّ للقيم الإنسانيّة .

1.الحاء والكاف والميم أصل واحد وهو المنع . وأول ذلك الحكم وهو المنع من الظلم . وسميت حكمة الدابة لأنها تمنعها ... والحكمة هذا قياسها لأنها تمنع من الجهل» (معجم مقاييس اللغة : ج ۲ ص ۹۱) .

2.الزمر : ۹ .

3.الأنعام : ۱۲۲ .

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 255487
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي