371
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

والمقامات المختلفة . والعقل والوجدان يستشعر في كلّ حال ومقام المدى المناسب من خفية أو جهر الصوت . ومع الحفاظ على مبدأ الهدوء واجتناب الزعيق والصراخ ، فهو يميّز كلّ واحد من مقامات ـ الطلب ، والتحرّق واللهفة ، وحالة تضمين التعليم والتربية في أصل الدعاء ـ عن المقامات والحالات الاُخرى .

7 / 5 . رَفعُ اليَدَينِ

۲۳۵۸.رسول اللّه صلى الله عليه و آلهـ لِعَلِيٍّ عليه السلام ـ: عَلَيكَ بِرَفعِ يَدَيكَ إلى رَبِّكَ ، وكَثرَةِ تَقَلُّبِها . ۱

۲۳۵۹.الإمام الحسين عليه السلام :كانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَرفَعُ يَدَيهِ إذَا ابتَهَلَ ودَعا ، كَما يَستَطعِمُ المِسكينُ . ۲

۲۳۶۰.كنزالعمّال عن البَراء بن عازب :كانَ [ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ] إذا أصابَتهُ شِدَّةٌ فَدَعا ، رَفَعَ يَدَيهِ حَتّى يُرى بَياضُ إبطَيهِ . ۳

تحليل حول رفع اليد إلى السّماء في الدعاء

أحد آداب الدعاء رفع الأيدي إلى السماء ، وهكذا كانت سيرة النبيّ صلى الله عليه و آله إذ كان يرفع يديه عند الدعاء أحيانا إلى الحدّ الذي كان يُرى فيه بياض إبطَيه . ۴ وَمَثله في طلب حاجته من اللّه سبحانه مَثَل بائس مسكين يرفع يديه ليطلب من أحد شيئا .
ويبرز هنا سؤال وهو : لِمَ يرفع الداعي يديه إلى السماء عند الدعاء واللّه موجود في كلّ مكان؟
وخالَ البعض أنّ رفع اليدين إلى السماء علامة الاعتقاد بتجسيم الحقّ تعالى وتحديد مكان له في حين أنّ الجسم والمكان من صفاته السلبيّة سبحانه وتعالى ، فهو ليس جسما ، ولا يخلو منه مكان ، فلا تفاوت بين رفع اليدين في الدعاء وبين تركهما مُسبَلَتَين ، لذلك أنكروا هذا الأدب مع أنّه يجب الانتباهُ إلى الامور التالية :
1 . رفع اليدين في الدعاء نوع من العبادة كلّف اللّه سبحانه به عباده ، وهو كالتوجّه إلى الكعبة في الصلاة ، والركوع والسجود وأمثالها .
2 . رفع اليدين في الدعاء سنّة نبويّة إذ أمر النبيّ صلى الله عليه و آله المسلمين أن يعملوا بها .
3 . الحكمة من رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء تتمثّل في أنّ السماء محلّ أنواع الرزق التي يحتاج إليها الإنسان ويطلبها . من أجل ذلك أمر اللّه أولياءه أن يمدّوا أيديهم إلى السماء والعرش الإلهيّ أثناء دعائهم .

1.المحاسن : ج ۱ ص ۸۲ ح ۴۸.

2.مكارم الأخلاق : ج ۲ ص ۸ ح ۱۹۸۱ .

3.كنز العمّال : ج ۷ ص ۷۱ ح ۱۸۰۰۸.

4.نُقل عن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يرفع يديه بالدعاء عند الاستسقاء لا غيره (صحيح البخاري : ج ۳ ص ۱۳۰۷ ح ۳۳۷۲) . ورُوي عن سليمان بن داوود قوله : لم يُحفَظ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه رفع يديه الرفع كلّه إلّا فى ثلاثة مواطن : الاستسقاء ، والاستنصار ، وعشيّة عرفة . ثمّ كان بعد رفع دون رفع (المراسيل : ص ۱۲۴ ح ۱۳) . ونظرا إلى الأحاديث المارّة في هذا الباب ينبغي أن نقول : كان صلى الله عليه و آله يرفع يديه في الحالات المهمّة . وقلّما رفعهما في غيرها . وأحيانا لم يرفعهما . وحديث أنس قياسا بسائر الأحاديث يحتّم علينا أن نقول : إنّ ما قاله هو مشاهداته الشخصيّة ، ولا يغاير ما رواه سواه .


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
370

«ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً» . ۱

۲۳۵۵.عنه صلى الله عليه و آله :دُعاءُ السِّرِّ يَزيدُ عَلَى الجَهرِ سَبعينَ ضِعفا ، وأثنَى اللّهُ سُبحانَهُ عَلى زَكَرِيّا عليه السلام بِقَولِهِ : «إِذْنَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا» . ۲

7 / 4 . خَفضُ الصَّوتِ

۲۳۵۶.رسول اللّه صلى الله عليه و آلهـ في قَولِهِ تَعالى :«وَ لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَ لَا تُخَافِتْ بِهَا»۳ـ: ذلِكَ فِي الدُّعاءِ ، لا تَرفَع صَوتَكَ فِي الدُّعاءِ ، فَتَذكُرَ ذُنوبَكَ ، فَيُسمَعَ مِنكَ ، فَتُعَيَّرَ بِها . ۴

۲۳۵۷.إرشاد القلوب :سَمِعَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أقواما يُجاهِرونَ بِالدُّعاءِ ، فَقالَ : لا تَرفَعوا بِأَصواتِكُم ؛ فَإِنَّ رَبَّكُم لَيسَ بِأَصَمَّ . ۵

توضيح حول رفع الصّوت بالدّعاء

الدعاء كلام مع من ليس أحد أقرب إلى الإنسان مثله ، بل هو أقرب إليه من حبل الوريد . من هنا يُعدّ رفع الصوت بالدعاء خلافا للأدب ، كما أشار النبيّ صلى الله عليه و آله إلى هذه النقطة قائلاً :
اِربَعوا عَلى أنفُسِكُم ، إنَّكُم لا تَدعونَ أصَمَّ ولا غائِبا ، إنَّكُم تَدعونَ سَميعا قَريبا ، وهُوَ مَعَكُم .۶
على هذا الأساس ، إذا كان في رفع الصوت بالدعاء أذىً للناس فهو مذموم بل محظور عقلاً ونقلاً .
ويُثار هنا سؤال ، وهو : إذا كان رفع الصوت بالدعاء مذموما ، فَلِمَ كان الأئمّة يرفعون أصواتهم بالدعاء أحيانا كما مرّ في بعض الحالات من سيرتهم؟
والجواب هو أنّ ذمّ رفع الصوت موضوع عرفيّ ، فلطبيعته ومقداره أثر في حكم العرف . وشتّان بين من يطلب حاجته من اللّه بصوت عالٍ ونبرة مسيئة للأدب كالدائن الذي يريد من غريمه شيئا ، وبين من يطلبها بأدب ووقار كالإمام الحسين عليه السلام حين تفاعل في عرفات وهو يدعو اللّه بكلّ تواضع وانكسار ونحيب وتضرّع وعيونه دامعة وقلبه حزين ، لكنّه يقول بصوت عالٍ : «يا أسمَعَ السّامِعينَ ...»۷ أو كالإمام الصادق عليه السلام إذ كان ينادي في جوف الليل وهو قائم مع المتهجّدين فيقول : «اللّهُمَّ أعِنّي عَلى هَولِ المُطَّلَعِ ووَسِّع عَلَيَّ ضيقَ المَضجَعِ ...»۸ فلم يزعجهم ويؤذهم ، بل كان أهل بيته متشوّقين إلى سماع مناجاته الرافدة بالقوّة والنشاط في جوف الليل .
وبعبارة اُخرى ؛ إنّ خفض الصوت في أثناء الدعاء وهو ما يقتضيه تعظيم اللّه والتواضع بين يديه من جهة ، ويوجب من جهة اُخرى نيل رضا اللّه وإيجاد مزيد من التوجّه إليه والاُنس به . وهذا ما يدركه ويصدّقه عقل الإنسان ووجدانه بكلّ جلاء .
وعلى هذا الأساس يختلف مقتضى الحالات

1.إرشاد القلوب : ص ۱۵۴.

2.إرشاد القلوب : ص ۱۵۴ .

3.الإسراء : ۱۱۰ .

4.التاريخ الكبير : ج ۳ ص ۲۵۶ الرقم ۸۸۲ .

5.إرشاد القلوب : ص ۱۵۴ .

6.صحيح البخاري : ج ۴ ص ۱۵۴۱ ح ۳۹۶۸ .

7.البلد الأمين : ص ۲۵۸ .

8.الكافي : ج ۲ ص ۵۳۹ ح ۱۳ .

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 306235
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي