431
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

أنسب وأجدر لإظهار مسلمي العالم براءتهم العامّة من المشركين ؟ يمكن القول إنّ بيت التّوحيد هو المكان الأنسب ، وإنّ موسم الحجّ خير زمان لإظهار مسلمي العالم براءتهم من الشّرك والمشركين . يقول الإمام الخمينيّ ـ رضوان اللّه تعالى عليه ـ في هذا السّياق :
إنّ إعلان البراءة في الحجّ هو تجديد ميثاق المكافحة وتدريب على تشكيل المجاهدين لاستمرار محاربة الكفر والشّرك وعبادة الأوثان . وهذا لا يتلخّص بالشّعار وحده ، بل هو بداية إعلان منشور المقارعة والتّنظيم لجند اللّه في قبالة إبليس وجنوده ، وهو من الاُصول الأوّليّة للتّوحيد . وإذا لم يُظهر المسلمون البراءة في بيت النّاس وبيت اللّه ... فأين يمكن أن يظهروها ؟ ! وإذا لم يكن الحرم والكعبة والمسجد والمحراب خندقًا ومأمنًا لجنود اللّه وللمدافعين عن حِمى الأنبياء وحرمتهم ... فأين يكون إذن مأمنهم وملجؤهم ؟ !

6 / 2 . حَجُّ الأنبياء

۲۷۷۶.مسند ابن حنبل عن ابن عَبّاس :لَمّا مَرَّ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِوادي عُسفانَ حينَ حَجَّ ، قالَ : يا أبا بَكرٍ ، أيُّ وادٍ هذا ؟ قالَ : وادي عُسفانَ .
قالَ : لَقَد مَرَّ بِهِ هودٌ وصالِحٌ عَلى بَكَراتٍ حُمرٍ خُطُمُهَا اللّيفُ ، اُزُرُهُمُ العَباءُ ، وأردِيَتُهُمُ النِّمارُ ، يُلَبّونَ يَحُجّونَ البَيتَ العَتيقَ . ۱

۲۷۷۷.سنن ابن ماجة عن ابن عَبّاس :كُنّا مَعَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بَينَ مَكَّةَ والمَدينَةَ ، فَمَرَرنا بِوادٍ ، فَقالَ : أيُّ وادٍ هذا ؟ قالوا : وادِي الأَزرَقِ . قالَ : كَأَنّي أنظُرُ إلى موسى واضِعًا إصبَعَيهِ في اُذُنَيهِ ، لَهُ جُؤارٌ ۲ إلَى اللّهِ بِالتَّلبِيَةِ ، مارًّا بِهذَا الوادي .
ثُمَّ سِرنا حَتّى أتَينا عَلى ثَنِيَّةٍ ۳ . فَقالَ: أيُّ ثَنِيَّةٍ هذِهِ ؟ قالوا : ثَنِيَّةُ هَرشى ۴ لِفتٍ . ۵ قالَ: كَأَنّي أنظُرُ إلى يونُسَ ، عَلى ناقَةٍ حَمراءَ ، عَلَيهِ جُبَّةُ صوفٍ ، وخِطامُ ناقَتِهِ خُلبَةٌ ۶ ، مارًّا بِهذَا الوادي مُلَبِّيًا . ۷

6 / 3 . فَضلُ الحَجِّ نِيابَةً

۲۷۷۸.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ عز و جل يُدخِلُ بِالحَجَّةِ الواحِدَةِ ثَلاثَةَ نَفَرٍ الجَنَّةَ : المَيِّتَ، والحاجَّ عَنهُ ، والمُنفِذَ ذلِكَ . ۸

۲۷۷۹.عنه صلى الله عليه و آله :حَجَّةٌ لِلمَيِّتِ ثَلاثَةٌ : حَجَّةٌ لِلمَحجوجِ عَنهُ ، وحَجَّةٌ لِلحاجِّ ، وحَجَّةٌ لِلموصى . ۹

۲۷۸۰.عنه صلى الله عليه و آله :مَن حَجَّ عَن مَيِّتٍ كُتِبَت عَنِ المَيِّتِ ، وكُتِبَ لِلحاجِّ بَراءَةٌ مِنَ النّارِ . ۱۰

1.مسند ابن حنبل: ج ۱ ص ۵۰۱ ح ۲۰۶۷ .

2.الجؤار : رفع الصوت والاستغاثة (النهاية : ج ۱ ص ۲۳۲) .

3.الثَّنِيّة : العَقَبَةُ، أو طريقها ، أو هي الجبل نفسه ، أو الطريقة فيه كالنَّقْب ، أو إليه (تاج العروس : ج ۱۹ ص ۲۵۷) .

4.هَرْشَى : هي ثنيّة في طريق مكّة قريبة من الجحفة (معجم البلدان : ج ۵ ص ۳۹۷ ، لسان العرب: ج ۶ ص ۳۶۳) .

5.لِفْت : هي ثنيّة بين مكّة والمدينة (معجم البلدان : ج ۵ ص ۲۰ ، لسان العرب: ج ۲ ص ۸۶) .

6.الخُلب : الليف ، وقد يسمّى الحبل نفسه خُلبة (لسان العرب : ج ۱ ص ۳۶۵) .

7.سنن ابن ماجة : ج ۲ ص ۹۶۵ ح ۲۸۹۱ .

8.السنن الكبرى : ج ۵ ص ۲۹۳ ح ۹۸۵۵.

9.الفردوس : ج ۲ ص ۱۳۶ ح ۲۶۹۶.

10.كنز العمّال : ج ۵ ص ۱۲۵ ح ۱۲۳۴۲.


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
430

الموحّدة في هذا اليوم هو الشّرك العمليّ بمعناه الثالث ، أي عبادة الأوثان الجديدة والقوى الاستكباريّة والخضوع لها . وغاية البراءة من المشركين مجاهدة هذه القوى الطّاغية المتسلّطة على رقاب المسلمين ، وتحقيق الاستقلال والعزّة والاقتدار لمسلمي العالم .

2 ـ الأديان الإلهيّة والبراءة من المشركين

كان إبراهيم خليل الرحمن ـ على نبيّنا وآله وعليه السّلام ـ أوّل الأنبياء جهرًا بالبراءة من الشّرك والمشركين ـ بحيث دعا القرآن المسلمين إلى الاقتداء بهذا النّبي العظيم بقوله : «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرَ هِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَ ؤُاْ مِنكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ»۱ ـ واحتذت الاُمّة الإسلاميّة في إعلان البراءة من المشركين حذو هذه الاُسوة النّبويّة في التّاريخ ، والنّاظر في القرآن الكريم يجد فيه أنّ البراءة من المشركين أحد ركنَي التّوحيد الأصيلَين ؛ حيث قرن دعوة الأنبياء إلى التّبرّي من الطّاغوت إلى جوار دعوتهم إلى عبادة اللّه «وَ لَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَ اجْتَنِبُواْ الطَّـغُوتَ » . ۲
و«الطّاغوت» لا ينحصر بالأوثان والأنصاب الّتي اصطُنِعت واتُّخذت في عصر الجاهليّة ، بل إنّ أجلى مظاهر الطّاغوت هو تلك السّلطات المشركة الّتي تسوق المجتمع إلى وجهة مغايرة لوجهة أنبياء اللّه تعالى . وهذا قول الصّادق عليه السلام في بيان معنى الطّاغوت في الآية السّابعة عشرة من سورة الزّمر : «وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّـغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا» : من أطاع جبّارًا فقد عَبَده . ۳
والمهمّة الأساسيّة هو التّعرّف على المؤامرة المعقّدة الّتي حيكت في تاريخ المسلمين للتّستّر على أجلى مظاهر الطّاغوت والشّرك ، لئلّا تشعر المجتمعات الإسلاميّة الخطر من هذه النّاحية ، فتظلّ نظرتها إلى البراءة من المشركين حبيسة في نطاق البراءة من أصنام عصر الجاهليّة الاُولى . وقد كشف الإمام الصّادق عليه السلام ـ في عصره ـ عن هذه المؤامرة الخطرة ، وأعلن بصوتٍ جهير : «إنَّ بَني اُمَيَّةَ أطلَقوا لِلنّاسِ تَعليمَ الإيمانِ ولَم يُطلِقوا تَعليمَ الشِّركِ ؛ لِكَي إذا حَمَلوهُم عَلَيهِ لَم يَعرِفوهُ» . ۴

3 ـ زمان البراءة من المشركين ومكانها

ممّا لا ريب فيه أنّ البراءة من المشركين ليست محدودة بزمان أو مكان معيّنين بل يجب على المسلمين ، في كلّ زمان ومكان ـ حيثما تقتضي الضرورة ـ إعلان براءتهم الفرديّة والجماعيّة من المشركين . ولا مراء أنّه إذا حدّد وليّ أمر المسلمين زمانًا ومكانًا واُسلوبًا معيّنًا لأداء هذه الفريضة فإنّ إطاعة وليّ الأمر هنا تكون واجبة .
بيد أنّ المسألة المهمّة هي : أيّ مكان وأيّ زمان

1.الممتحنة : ۴ .

2.النحل : ۳۶ ، وراجع الزمر : ۱۷ ، النساء : ۳۶ .

3.مجمع البيان : ج ۸ ص ۷۷۰ ، تأويل الآيات الظاهرة : ج ۲ ص ۵۱۳ ح ۵ .

4.الكافي : ج ۲ ص ۴۱۵ ح ۱ .

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 255560
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي