481
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

تقوّم الثروة على نحوٍ مطلق ؛ كالعلم بوصفه ظاهرة في نظام الخلقة والتكوين ويكون في خدمة الإنسان ومع حوائجه ، في مقابل الفقر الذي يُقوّم كالجهل بإزاء متطلّبات الإنسان. أمّا في الرؤية الثانية فينظر إلى الثروة في نطاق الدور الذي تنهض به على صعيد الحياة.
يمكن التعبير عن هذه الملاحظة بالصيغة التالية: إنّ ما يكون موضوعا للتقويم في اللّحاظ الأوّل هما الثروة والعلم، وما يكون موضوعا له فياللحاظ الثاني هما الثريّ والعالِم.
عندما يُطَلّ على الثروة من زاوية وجودية ويتمّ تقويمها من هذا المنطلق، فهي بلا ريب تعدّ قيمة في مقابل الفقر ونعمة، تماما كالعلم في مقابل الجهل. أمّا عندما يتمّ تقويم الثروة انطلاقا من طبيعة علاقتها بالإنسان الثريّ فستكتسب المعادلة صيغا اُخرى؛ فكما لا يعدّ العلم نافعا لكلّ عالم ولا الجهل ضارّا بكلّ جاهل، فكذلك تكون الثروة؛ فليس كلّ فقير منتفعاً بالثروة كما ليس كلّ فقير متضرّرا من الفقر، بل الأمر هو ماعبّر عنه الإمام أمير المؤمنين في قوله عليه السلام : «رُبّ غِنَىً أورَثَ الفَقرَ الباقِي»، ۱ و «رُبَّ فَقرٍ عادَ بِالغِنَى الباقِي»، ۲ و«كَم مِن مَنقوصٍ رابِحٍ ومَزيدٍخاسِرٍ!». ۳
تأسيسا على هذه الحالة، عندما تقوّم الثروة انطلاقا من طبيعة صلتها بالثريّ وينظر إلى الفقر من خلال طبيعة صلته بالفقير، لا نستطيع أن نجزم بأنّ الثروة تعدّ قيمةً بالمطلق، تماما كما لا نستطيع أن نجزم بأنّ الفقر يعدّ حالة منافية للقيمة بالمطلق. بل يكون الأجدى ممارسة التقويم من خلال النتائج، فإذا ما استفاد الثريّ من الثروة على ما يرام فستمثّل الثروة قيمة، وإذا ما أساء فستتحوّل إلى الضدّ تماما. وهكذا بالنسبه إلى الفقر، فإذا ما جرّ الفقير إلى الذلّ والدمار فهو عنصر سلبي، وإذا ما قادت الفقير مواقفُه الصحيحة من الفقر إلى الغنى وصارت باعثا لكماله، فالفقر قيمة عندئذٍ.
بشكل عامّ توفّرت الفصول الخمسة الاُولى من الكتاب على تناول موضوع التنمية الاقتصادية من خلال الرؤية الاُولى. أمّا نصوص الفصل السادس فقد أطلّت عليه من خلال الرؤية الثانية، وبالنتيجة ما ثمّة تعارض بين الاثنين.

1.غرر الحكم: ح ۵۳۲۸ .

2.غرر الحكم: ح۵۳۲۷ .

3.غرر الحكم: ح ۶۹۶۰ .


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
480

۳۱۳۵.عنه صلى الله عليه و آله :تُحفَةُ المُؤمِنِ فِي الدُّنيَا الفَقرُ . ۱

۳۱۳۶.عنه صلى الله عليه و آله :الفَقرُ أزيَنُ عَلَى المُؤمِنِ مِنَ العِذارِ الحَسَنِ عَلى خَدِّ الفَرَسِ . ۲

6 / 2 . ما يَدُلُّ عَلى أنَّ الفَقرَ خَيرٌ مِنَ الغِنى

۳۱۳۷.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الفَقرُ خَيرٌ لِلمُؤمِنِ مِنَ الغِنى . ۳

۳۱۳۸.عنه صلى الله عليه و آله :الفَقرُ راحَةٌ ، وَالغِنى عُقوبَةٌ . ۴

۳۱۳۹.عنه صلى الله عليه و آله :شَيئانِ يَكرَهُهُمَا ابنُ آدَمَ : يَكرَهُ المَوتَ ؛ وَالمَوتُ راحَةٌ لِلمُؤمِنِ مِنَ الفِتنَةِ ، ويَكرَهُ قِلَّةَ المالِ ؛ وقِلَّةُ المالِ أقَلُّ لِلحِسابِ . ۵

6 / 3 . ما يُبَيِّنُ الفَقرَ المَمدوحَ

۳۱۴۰.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :الفَقرُ خَيرٌ لِلمُؤمِنِ مِنَ الغِنى ، إلّا مَن حَمَلَ كَلّاً ، وأعطى في نائِبَةٍ . ۶

۳۱۴۱.عنه صلى الله عليه و آله :ألا يا رُبَّ نَفسٍ طاعِمَةٍ ناعِمَةٍ فِي الدُّنيا؛ جائِعَةٍ عارِيَةٍ يَومَ القِيامَةِ! ألا يا رُبَّ نَفسٍ جائِعَةٍ عارِيَةٍ فِي الدُّنيا ؛ طاعِمَةٍ ناعِمَةٍ يَومَ القِيامَةِ! ۷

ملاحظات حول روايات مدح الفقر

ما يبدو للوهلة الاُولى، هو وجود ضرب من التعارض بحسب الظاهر بين روايات المجموعة الاُولى والثانية من هذا الفصل مع نصوص الفصول السابقة. ففي حين تمجّد هذه الروايات الفقر وتمتدح الخمول الاقتصاديوتفضّلهما على الغنى والرفاه المعيشي، ترى الآيات والأحاديث التي طوتها الفصول السابقة تُعلي من شأن التنمية الاقتصادية،وتُبجّل بمعطيات الازدهار المعيشي، وتنوّه ببركاته وآثاره، وتعدّ ذلك من معالم مشروع التنمية الاقتصادية الإسلامية الموعود، كماتحذّر في الوقت ذاته من خطر الفقر وفواجع التخلّف الاقتصادي. والآن، ما الذي تقصده الروايات التي تمتدح الفقر؟ ثمّ هل يمكن الالتزام بمفاد هذه الروايات والإذعان إلى مدلولها؟
1 . ملاحظة الآيات والأحاديث التي ضمّتها الفصول الخمسة الاُولى حول أهمّية التنمية الاقتصادية والأضرار الناشئة عن الفقر، وماستحويه أجزاء الكتاب الاُخرى من حديث عن اُصول التنمية ومبادئها وعن عقباتها وآفاتها؛ ملاحظة ذلك كلّه لا يدع مجالاً للريبة بأنّ الإسلام دين لا يميل إلى الفقر ولا ينحاز إليه، بل تبرز التنمية الاقتصادية في هذا الدين ويُحتفى بها بصفتها هدفا مهمّا.
بتعبير آخر: إنّ انحياز الإسلام ضدّ الفقر ومكافحته له، وما يحفل به هذا الدين من تخطيط للتنمية الاقتصادية، هما من محكمات الإسلام.على ضوء ذلك، إذا ما لاحت روايات تدعو الناس إلى الفقر بحسب الظاهر، ثمّ ثبتت نسبتها إلى أئمّة الدين على نحوٍ قطعي، فلابدّ أن يكون المقصود منها غير ظاهرها.
2 . الغنى والفقر هما كالعلم والجهل تماما؛ يمكن تقويمهما انطلاقا من رؤيتين: ففي إطار الرؤية الاُولى

1.الفردوس : ج ۲ ص ۷۰ ح ۲۳۹۹.

2.المعجم الكبير : ج ۷ ص ۲۹۵ ح ۷۱۸۱ .

3.الجعفريّات : ص ۱۵۵.

4.شُعب الإيمان : ج ۵ ص ۳۸۸ ح ۷۰۴۰.

5.الخصال : ص ۷۴ ح ۱۱۵ .

6.التمحيص : ص ۴۹ ح ۸۵ .

7.شُعب الإيمان : ج ۲ ص ۱۷۰ ح ۱۴۶۱.

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 244845
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي