503
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

غلاء السلعة، ولذلك هناك أهمّية خاصّة للسلعة بالنسبة إلى المحتكر، وخصوصية السلعة هي محطّ نظر المحتكر. أمّا في الكنز، فلمّا كان هدف تراكم الثروة وخزنها هدفا ماليّا، فسيتضاءل عنصر خصوصية السلعة ، ويتمّ التركيز أكثر على عنصر التمحّض المالي.
انطلاقا من هذا المنظور ، اكتسب النقدان الذهب والفضّة قيمة مضاعفة على هذا الصعيد بسبب قيمتهما الاستعمالية كنقد، ولإمكانية ادّخارهما بحجم صغير، وبالنتيجة صارا أبرز أدوات الكنز في الماضي.

الكنز في القرآن

موضوع الكنز في الآية الكريمة: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ»۱ هو مطلق المال المدّخر . ومردّ ذلك أنّ أغلب ما كانت له قابلية الكنز والادّخار في الماضي هما الذهب والفضّة، وهذا أمر تؤيّده أيضا حركة الاكتشافات في الآثار القديمة.

الكنز في الحديث

يمكن تصنيف الأحاديث ذات الصلة بتفسير الكنز إلى ثلاث مجموعات، هي:
المجموعة الاُولى: الأحاديث التي تدلّ على أنّ الكنز هو مطلق ادّخار المال، حتّى سمّت القيراط الواحد كنزا أيضا.
المجموعة الثانية: تشمل الأحاديث التي صرّحت بأنّ الكنز هو المال الذي لم تُؤدَّ زكاته، وإلّا فإنّ ما اُدّيت زكاته فليس كنزا.
المجموعة الثالثة: تشمل الأحاديث التي عيّنت مقدار الكنز أو الثروة التي بمقدور الإنسان أن يتوفّر عليها بحيث يكون ما زاد عنها كنزا.
تتطلّب عملية توضيح هذه الأخبار بيان عدد من النقاط، هي:
1 . إنّ أغلب هذه الأحاديث ضعيف من حيث السند، ومن ثمّ لا يمكن الركون إليها من دون تأييد مضامينها بالقرائن القطعية.
2 . إذا وضعنا هذه الأحاديث إلى جوار الأدلّة التي ترسم حدود الإنفاق الواجب والمستحب في الإسلام، فسيكون من الممكن تبيين معنى الكنز في الآية التي يدور البحث من حولها، ممّا يُساهم في الوقاية من هذه الظاهرة الاقتصادية ـ الاجتماعية الخطيرة.
لتوضيح الفكرة يلحظ أنّ القرآن الكريم يعدّ الإنفاق في سبيل اللّه مانعا من تراكم الثروة والمفاسد الناشئة عنها، كما يُلحظ أنّ الإنفاق نفسه ينقسم ـ على ضوء الأدلّة القطعية ـ إلى واجب ومستحبّ. لكن بقرينة ما وُعد به الممتنعون عن الإنفاق من عذاب يتّضح أنّ المقصود من الإنفاق الذي تعرض له آية الكنز هو دفع الحقوق المالية الواجبة، كما يتّضح في الضمن أيضا أنّ الناس إذا أدّوا ما عليهم من الحقوق المالية الواجبة فسيفضي ذلك إلى حلّ المشكلات الاقتصادية للمجتمع، ويؤدّي إلى اختفاء التبعات السلبية الخطيرة؛ كتراكم الثروة واكتنازها، وإلى غياب الأرضية التي تنشأ على

1.التوبة: ۳۴.


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
502

يعدّ تحريم الكنز أحد أبرز أحكام الإسلام وأكثرها مصيرية .

الخلفية التأريخية

يرجع الكنز من وجهة نظر تأريخية إلى العصر الذي شهد تحوّلاً في النشاطات الاقتصادية ، بحيث راح الإنتاج العائلي يتخطّى احتياجات الاُسرة السنوية، ومن ثمّ خرج الاقتصاد من صورته المعيشية البدائية واستبدل بالاقتصاد التبادلي. على أرضية هذا التحوّل والتكامل في المسار الاقتصادي برزت ظاهرة الكنز. فمع ظهور عنصر المبادلة صار بمقدور كلّ اُسرة أن تنتج من السلع ما يزيد عن حاجتها وأن تبادر إلى تبادل البضاعة مع الآخرين، وقد كان يحصل أحيانا بعد المبادلة ازدياد في مجموع إنتاج الاُسرة ودخلها عن مقدار ما تستهلكه.
لادّخار الفائض الاقتصادي الذي تحقّقه الاُسرة بين ما تنتجه وما تستهلكه، كان هناك طريقان لا ثالث لهما؛ فإمّا أن يعاد الفائض إلى عجلة الإنتاج مجدّدا بصيغة ثروة، وعندئذٍ فإنّ الازدياد الدائم في ثروة أصحاب الفائض الاقتصادي وإن كان يؤدّي إلى وجود الاختلاف الطبقي، إلّا أنّه يفضي إلى تنشيط الفعّاليات الاقتصادية ، وازدهار حركة الإنتاج بشكل عامّ.
أمّا الطريق الثاني فكان يتمثّل بتحويل الفائض إلى بضاعة بحجم أصغر لكن بقيمة اقتصادية أكبر، يمكن الحفاظ عليها وادّخارها.
إنّ المال الذي يدّخر بهذه الصيغة ويخرج عن مدار الحركة الاقتصادية ويكون بعيدا عن متناول الناس واستفادتهم، هو الذي اكتسب عنوان الكنز . ومن ثمّ فقد وُضعت هذه المفردة للمال المتراكم الذي لا يأخذ موقعه في عجلة الإنتاج، ويفضي إلى بروز الاختلاف الطبقي في المجتمع.
الكنز من جهة كونه تراكما للمال وخزنا له هو كالاحتكار، لكن مع فارق في المفهومين؛ فالغرض من الخزن في الاحتكار هو المبادرة إلى البيع بعد

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 255499
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي