93
منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله

المَعاصِيَ ، ويَقولونَ : إنَّ اللّهَ تَعالى قَد قَدَّرَها عَلَيهِم ، الرّادُّ عَلَيهِم كَالشّاهِرِ سَيفَهُ في سَبيلِ اللّهِ . ۱

تحليل حول الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين

لقد شَغلَ موضوع الجبر والتفويض ذهن الإنسان منذ القدم ، ومن أجل تسليط الضوء على هذه المسألة ، فقد درسنا هذا الموضوع في ثلاثة أقسام ، هي : «نظريّة الجبر» ، «نظريّة التفويض» ، و «نظريّة الأمر بين الأمرين» .

أولاً : نظريّة الجبر

إنّ الجبر يقف في مقابل الاختيار والحرّية ، فالإنسان المجبور هو الّذي لا يمتلك القدرة والاختيار والحريّة ؛ فالإنسان القادر المختار هو الّذي يتمتّع بقوّة إرادة واختيار في أداء عملٍ معيّنٍ وإنجازه ، كذلك القدرة على تركه .

أدلّة نظرية الجبر ونقدها

لقد تمسّك أنصار نظريّة الجبر بدليلين ، سنقوم فيما يلي بطرحهما ونقدهما بشكلٍ إجمالي:

1 . التمسّك بالقضاء والقدر

يُعدّ القضاء والقدر الإلهييّن أهمّ أدلّة المتكلّمين من أهل الجبر . فهؤلاء يعتبرون اختيار الإنسان متنافيا مع القضاء والقدر الإلهيّين ، فهم يرون أنّ اللّه إذا قدّر فعلاً للإنسان مثل شرب الخمر ، فإن كان الإنسان حرّا في ترك شرب الخمر ، وتركه فهذا يعني أنّ اللّه مغلوب والإنسان غالب .

نقد الدليل الأوّل لأنصار الجبر

يجب القول إجابةً على هذا الدليل : إنّ القضاء والقدر في أفعال الإنسان الاختياريّة لا يعنيان إجبار الناس على أعمال خاصّة ، بل إنّ التقدير الإلهيّ في هذا المجال يعني أنّ اللّه حدّد قدرة الإنسان ومنحه القدرة بمقدارٍ معيّن ، ويعني القضاء الإلهي أنّ اللّه حكم بهذا التحديد وأوجده ، كما أنّ استخدام هذه القدرة المحدودة مشروط بإذن اللّه .
على هذا فإذا ارتكب الإنسان المعصية ، فإنّ هذا لا يعني أنّ اللّه أصبح مغلوبا ؛ ذلك لأنّ اللّه أعطى الإنسان القدرة على المعصية ، ولم يمنعه من صدور المعصية من الناحية التكوينيّة عند ارتكابها ، رغم أنّه أعلن للناس من الناحية التشريعيّة وعن طريق رسله أنّه لا يرضى بارتكاب المعاصي من الناحية التشريعيّة .

2 . التمسّك بالتوحيد الأفعالي

الدليل الآخر لأنصار الجبر هو : التوحيد الأفعالي ، حيث يعدّ اللّه بموجبه فاعل جميع الأفعال .
نقد الدليل الثاني لأنصار الجبر
يجب القول فيما يتعلّق بالتوحيد الأفعالي : إنّ هذا التوحيد إذا كان يعني القيام بجميع الأفعال ـ ومنها أفعال الإنسان الاختياريّة وذنوبه ـ من قبل اللّه ـ تعالى ـ فإنّ ذلك لا يعني إلّا الجبر نفسه ، وهو غير

1.الطرائف : ص ۳۴۴ .


منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
92

تَشاءُ لِنَفسِكَ ما تَشاءُ ، وبِإِرادَتي كُنتَ أنتَ الَّذي تُريدُ لِنَفسِكَ ما تُريدُ ، وبِفَضلِ نِعمَتي عَلَيكَ قَوِيتَ عَلى مَعصِيَتي ، وبِعِصمَتي وعَوني وعافِيَتي أدَّيتَ إلَيَّ فَرائِضي ، فَأَنَا أولى بِحَسَناتِكَ مِنكَ ، وأنتَ أولى بِسَيِّئاتِكَ مِنّي ، فَالخَيرُ مِنّي إلَيكَ بِما أولَيتُ بَداءٌ ۱ ، وَالشَّرُّ مِنّي إلَيكَ بِما جَنَيتَ جَزاءٌ ، وبِإِحساني إلَيكَ قَوِيتَ عَلى طاعَتي ، وبِسوءِ ظَنِّكَ بي قَنَطتَ مِن رَحمَتي ، فَلِيَ الحَمدُ وَالحُجَّةُ عَلَيكَ بِالبَيانِ ، ولِيَ السَّبيلُ عَلَيكَ بِالعِصيانِ ، ولَكَ جَزاءُ الخَيرِ عِندي بِالإِحسانِ ، لَم أدَع تَحذيرَكَ ، ولَم آخُذكَ عِندَ عِزَّتِكَ ، ولَم اُكَلِّفكَ فَوقَ طاقَتِكَ ، ولَم أحمِلكَ مِنَ الأَمانَةِ إلّا ما أقرَرتَ بِهِ عَلى نَفسِكَ ، رَضيتُ لِنَفسي مِنكَ ما رَضيتَ لِنَفسِكَ مِنّي . ۲

3 / 2 . مَعنَى الأَمرِ بَينَ الأَمرَينِ

۴۴۰.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ اللّهَ لا يُطاعُ جَبرا ولا يُعصى مَغلوبا ولَم يُهمِلِ العِبادَ مِنَ المَملَكَةِ ، ولكِنَّهُ القادِرُ عَلى ما أقدَرَهُم عَلَيهِ ، وَالمالِكُ لِما مَلَّكَهُم إيّاهُ ، فَإِنَّ العِبادَ إنِ ائتَمَروا بِطاعَةِ اللّهِ لَم يَكُن مِنها مانِعٌ ولا عَنها صادٌّ ، وإن عَمِلوا بِمَعصِيَتِهِ فَشاءَ أن يَحولَ بَينَهُم وبَينَها فَعَلَ ، ولَيسَ مَن إن شاءَ أن يَحولَ بَينَهُ وبَينَ شَيءٍ (فَعَلَ) ، ولَم يَفعَلهُ ، فَأَتاهُ الَّذي فَعَلَهُ ، كانَ هُوَ الَّذي أدخَلَهُ فيهِ ۳ . ۴

3 / 3 . ذَمُّ القائِلينَ بِالجَبرِ

۴۴۱.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :ما عَرَفَ اللّهَ مَن شَبَّهَهُ بِخَلقِهِ ولا وَصَفَهُ بِالعَدلِ مَن نَسَبَ إلَيهِ ذُنوبَ عِبادِهِ . ۵

3 / 4 . ذَمُّ القَدَرِيَّةِ

۴۴۲.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :صِنفانِ مِن اُمَّتي لا تَنالُهُم شَفاعَتي يَومَ القِيامَةِ : المُرجِئَةُ وَالقَدَرِيَّةُ . ۶

۴۴۳.عنه صلى الله عليه و آله :لُعِنَتِ القَدَرِيَّةُ عَلى لِسانِ سَبعينَ نَبِيّا . ۷

3 / 5 . مَعنَى القَدَرِيَّةِ

أ ـ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ القَدَرِيَّةَ هُمُ المُفَوِّضَةُ

۴۴۴.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :القَدَرِيَّةُ الَّذينَ يَقولونَ : الخَيرُ وَالشَّرُّ بِأَيدينا ؛ لَيسَ لَهُم في شَفاعَتي نَصيبٌ ، ولا أنَا مِنهُم ولا هُم مِنّي . ۸

۴۴۵.عنه صلى الله عليه و آله :ألا إنَّ لِكُلِّ اُمَّةٍ مَجوسا ، ومَجوسُ هذِهِ الاُمَّةِ الَّذينَ يَقولونَ : لا قَدَرَ ، ويَزعُمونَ أنَّ المَشيئَةَ وَالقُدرَةَ إلَيهِم ولَهُم . ۹

ب ـ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ القَدَرِيَّةَ هُمُ الجَبرِيَّةُ

۴۴۶.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ قَومٌ يَعمَلونَ

1.بالرفع خبر للخير وكذا الجملة التالية أي الخير الواصل منّي إليك مبتدء من دون استحقاقك لأنّ مبادئ الخير الذى تستحقّه بعملك أيضاً منّي ، والشرّ الواصل جزاء متفرّع على جنايتك . وفي نسخة «ب» بالنصب وهو على التمييز والخبر مقدّر (هامش المصدر : ص ۳۴۰) .

2.التوحيد : ص ۳۴۳ ح ۱۳ .

3.توضيح ذلك : إنّ مجرّد القدرة على الحيلولة بين العبد وفعله لا يدلّ على كونه تعالى فاعله ، إذ القدرة على المنع غير المنع ، ولا يوجب إسناد الفعل إليه سبحانه .

4.تحف العقول : ص ۳۷ .

5.التوحيد : ص ۴۷ ح ۱۰ .

6.حلية الأولياء : ج ۹ ص ۲۵۴.

7.الطرائف : ص ۳۴۴ .

8.الفردوس : ج ۳ ص ۲۳۸ ح ۴۷۰۶.

9.تفسير القمّي : ج ۱ ص ۱۹۹ .

  • نام منبع :
    منتخب حكم النبيّ الأعظم صلّى الله عليه و آله
    المساعدون :
    خوش نصیب، مرتضی؛ لجنة من المحققين
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    مشعر
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 244722
الصفحه من 604
طباعه  ارسل الي