151
حكم النّبيّ الأعظم ج7

معنى الكنز في القرآن والحديث

يعدّ تحريم الكنز أحد أبرز أحكام الإسلام وأكثرها مصيرية، ومسألة الكنز بحاجة إلى الدراسة والتحليل من وجهة نظر تأريخية وتربوية وتفسيرية وفقهية وأخيرا اقتصادية. لا ريب أنّ النهوض بمثل هذه الدراسة الشاملة يتطلّب رسالة مستقلّة في الموضوع .
بيد أنّ ما سنقصر عليه الكلام في هذا البحث الوجيز ينصبّ حول معنى الكنز فيالقرآن والحديث، على أن نمهّد لذلك بإشارة إلى مفهومه اللغوي وإيماءات إلى خلفيّته التأريخية.

الكنز في اللغة

الكنز في اللغة : جعل المال بعضه على بعض وحفظه، وكذلك جمعه وادّخاره، ودفن الذهب والفضّة خاصّة، كما يُطلَق اسم الكنز على ما يُحفظ المال بواسطته. ۱

الخلفية التأريخية

يرجع الكنز من وجهة نظر تأريخية إلى العصر الذي شهد تحوّلاً في النشاطات الاقتصادية ، بحيث راح الإنتاج العائلي يتخطّى احتياجات الاُسرة السنوية، ومن ثمّ خرج الاقتصاد من صورته المعيشية البدائية واستبدل بالاقتصاد التبادلي. على أرضية هذا التحوّل والتكامل في المسار الاقتصادي برزت ظاهرة الكنز. فمع ظهور عنصر المبادلة صار بمقدور كلّ اُسرة أن تنتج من السلع ما يزيد عن حاجتها وأن تبادر إلى تبادل البضاعة مع الآخرين، وقد كان يحصل أحيانا بعد المبادلة ازدياد في مجموع إنتاج الاُسرة ودخلها عن مقدار ما تستهلكه.
لادّخار الفائض الاقتصادي الذي تحقّقه الاُسرة بين ما تنتجه وما تستهلكه، كان هناك طريقان لا ثالث لهما؛ فإمّا أن يعاد الفائض إلى عجلة الإنتاج مجدّدا بصيغة ثروة، وعندئذٍ فإنّ الازدياد الدائم في ثروة أصحاب الفائض الاقتصادي وإن كان يؤدّي إلى وجود الاختلاف الطبقي، إلّا أنّه يفضي إلى تنشيط الفعّاليات الاقتصادية ، وازدهار حركة الإنتاج بشكل عامّ.
أمّا الطريق الثاني فكان يتمثّل بتحويل الفائض إلى بضاعة بحجم أصغر لكن بقيمة اقتصادية أكبر، يمكن الحفاظ عليها وادّخارها.
إنّ المال الذي يدّخر بهذه الصيغة ويخرج عن مدار الحركة الاقتصادية ويكون بعيدا عن متناول الناس واستفادتهم، هو الذي اكتسب عنوان الكنز . ومن ثمّ فقد وُضعت هذه المفردة للمال المتراكم الذي لا يأخذ موقعه في عجلة الإنتاج، ويفضي إلى بروز الاختلاف الطبقي في المجتمع.
الكنز من جهة كونه تراكما للمال وخزنا له هو كالاحتكار، لكن مع فارق في المفهومين؛ فالغرض من الخزن في الاحتكار هو المبادرة إلى البيع بعد غلاء السلعة، ولذلك هناك أهمّية خاصّة للسلعة بالنسبة إلى المحتكر، وخصوصية السلعة هي محطّ نظر المحتكر. أمّا في الكنز، فلمّا كان هدف تراكم الثروة وخزنها هدفا ماليّا، فسيتضاءل عنصر خصوصية السلعة ، ويتمّ التركيز أكثر على عنصر التمحّض المالي.
انطلاقا من هذا المنظور ، اكتسب النقدان الذهب والفضّة قيمة مضاعفة على هذا الصعيد بسبب قيمتهما الاستعمالية كنقد، ولإمكانية ادّخارهما بحجم صغير، وبالنتيجة صارا أبرز أدوات الكنز في الماضي.
تدلّ المشاهدات التأريخية على أنّ أصحاب الكنوز كانوا يبادرون في الماضي إلى دفن مدّخراتهم وكنوزهم في الأرض حفاظا عليها، وما يُكشف لنا عنه في الوقت الحاضر هو جزء من تلك الكنوز المدفونة. ربّما لهذا السبب عرّف بعضهم الكنز بأنّه المال المدفون، لكن تفحّص ما مرّت إليه الإشارة يدلّ على أنّ خصوصية الدفن لم تؤخذ في مفهوم الكنز.

1.الكنز : جعْل المال بعضه على بعض (مفردات ألفاظ القرآن). كَنَزتُ المالَ كنزا ـ من باب ضَرَبَ ـ : جمعتُه وادّخرتُه... والكنز : المال المدفون؛ تسمية بالمصدر (المصباح المنير). الكنز: المال المدفون، وقد كَنَزَه يَكنِزُه، والذهب والفضّة، وما يُحرَزُ به المالُ، ورَكْزُ الرُّمح في الأرض وكلُّ شيء غَمَزْتَه في وعاء أو أرضٍ فقد كَنَزْتَه (القاموس المحيط). الكنز: اسمٌ للمال الذي يكنزه، وما يُحرَز به المال (ترتيب كتاب العين).


حكم النّبيّ الأعظم ج7
150

۱۰۵۶۵.المستدرك على الصحيحين عن عطاء :إنَّها [أي اُمَّ سَلَمَةَ] كانَت تَلبَسُ أوضاحا مِن ذَهَبٍ ، فَسَأَلَت عَن ذلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَقالَت : أكَنزٌ هُوَ ؟ فَقالَ : إذا أدَّيتِ زَكاتَهُ فَلَيسَ بِكَنزٍ . ۱

۱۰۵۶۶.سنن أبي داوود عن اُمّ سلمة :كُنتُ ألبَسُ أوضاحا مِن ذَهَبٍ ، فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّه ِ ، أكَنزٌ هُوَ ؟ فَقالَ : ما بَلَغَ أن تُؤَدّى زَكاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيسَ بِكَنزٍ . ۲

1.المستدرك على الصحيحين : ج ۱ ص ۵۴۷ ح ۱۴۳۸ .

2.سنن أبي داوود : ج ۲ ص ۹۵ ح ۱۵۶۴ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج7
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 335485
الصفحه من 662
طباعه  ارسل الي