155
حكم النّبيّ الأعظم ج7

حكم النّبيّ الأعظم ج7
154

الكنز في الحديث

من ملاحظة نصوص الكتاب، يمكن تصنيف الأحاديث ذات الصلة بتفسير الكنز إلى ثلاث مجموعات، هي:
المجموعة الاُولى: الأحاديث التي تدلّ على أنّ الكنز هو مطلق ادّخار المال، حتّى سمّت القيراط الواحد كنزا أيضا.
المجموعة الثانية: تشمل الأحاديث التي صرّحت بأنّ الكنز هو المال الذي لم تُؤدَّ زكاته، وإلّا فإنّ ما اُدّيت زكاته فليس كنزا.
المجموعة الثالثة: تشمل الأحاديث التي عيّنت مقدار الكنز أو الثروة التي بمقدور الإنسان أن يتوفّر عليها بحيث يكون ما زاد عنها كنزا. وهذه على طوائف، هي:
أ ـ الأحاديث التي عيّنت مقادير مختلفة للكنز مثل 60 من الإبل أو 2000 أو 12000 درهم .
ب ـ الحديث الذي يصرّح بأنّ ما زاد على (4000) فهو كنز سواءً أدّى الإنسان زكاته أم لم يؤدّها.
ج ـ الأحاديث التي حدّد فيها أئمّة أهل البيت عليهم السلام مقادير مختلفة للثروة التي يجدر أن يتوفّر عليها الإنسان. ۱
تتطلّب عملية توضيح هذه الأخبار بيان عدد من النقاط، هي:
1 . إنّ أغلب هذه الأحاديث ضعيف من حيث السند، ومن ثمّ لا يمكن الركون إليها من دون تأييد مضامينها بالقرائن القطعية.
2 . إذا وضعنا هذه الأحاديث إلى جوار الأدلّة التي ترسم حدود الإنفاق الواجب والمستحب في الإسلام، فسيكون من الممكن تبيين معنى الكنز في الآية التي يدور البحث من حولها، ممّا يُساهم في الوقاية من هذه الظاهرة الاقتصادية ـ الاجتماعية الخطيرة.
لتوضيح الفكرة يلحظ أنّ القرآن الكريم يعدّ الإنفاق في سبيل اللّه مانعا من تراكم الثروة والمفاسد الناشئة عنها، كما يُلحظ أنّ الإنفاق نفسه ينقسم ـ على ضوء الأدلّة القطعية ـ إلى واجب ومستحبّ. لكن بقرينة ما وُعد به الممتنعون عن الإنفاق من عذاب يتّضح أنّ المقصود من الإنفاق الذي تعرض له آية الكنز هو دفع الحقوق المالية الواجبة، كما يتّضح في الضمن أيضا أنّ الناس إذا أدّوا ما عليهم من الحقوق المالية الواجبة فسيفضي ذلك إلى حلّ المشكلات الاقتصادية للمجتمع، ويؤدّي إلى اختفاء التبعات السلبية الخطيرة؛ كتراكم الثروة واكتنازها، وإلى غياب الأرضية التي تنشأ على أساسها الاختلافات الطبقية الفاحشة، ومن ثمّ سيحظى الناس بمستوى معقول من الحياة المرفّهة الكريمة. هذه المعطيات يشير إليها عدد من الأحاديث الواردة في هذا المعنى.
3 . على ضوء ما مرّ في النقطتين الآنفتين يمكن تفسير الأحاديث التي جاءت بشأن الكنز على النحو التالي:
أ ـ الأحاديث التي تطلق وصف الكنز على مطلق المال المدّخر ناظرة ـ في الحقيقة ـ إلى الحقوق المالية الواجبة؛ ذلك أنّ التخلّف عن أداء هذه الحقوق ـ حتّى على مستوى القيراط الواحد ـ يعدّ كنزا، ومن ثمّ إذا لم يؤدّ الإنسان ذلك الحق فسيكون مشمولاً بآية الكنز .
ب ـ إنّ الأحاديث التي تفسّر الكنز بأنّه المال الذي لم تؤدّ زكاته ناظرة إلى دفع الحقوق المالية الواجبة، بحيث إذا ما اُدّيت هذه الحقوق فستحلّ مشكلات المجتمع الاقتصادية. على هذا يجوز ادّخار الثروة بالنسبة لمن أدّى ما عليه من الحقوق المالية الواجبة، وذلك إلى الحدود التي لا تلحق الضرر في البنيان الاجتماعي، وبالصيغة التي لا تقود إلى تعميق الفوارق الطبقية الفاحشة. وهذا غير المعنى الذي ذهب إليه كعب الأحبار عندما سأله عثمان : «ما تقول في رجلٍ أدّى زكاةَ ماله المفروضة ، هل يجب عليه في ما بعد ذلك شيء؟» فقال كعب الأحبار : «لا ، ولو اتّخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ما وجب عليه شيء»!
لا ريب أنّ الإسلام لا يجوّز مثل هذا التراكم الهائل في الثروة، ولا يسمح بمثل هذا الادّخار الفاحش للمال، خاصّة عندما يكون من بيت مال المسلمين.
ما كان يرمي إليه عثمان في الحقيقة هو تسويغ حياته الباذخة من خلال الاستناد إلى فتوى كعب الأحبار، كما كان يريد أن يُغطّي على تصرّفاته في إنفاق الأموال على قرابته من بيت المال وهباته لذوي رحمه من دون حساب أو كتاب، ومن ثمّ كان يريد أن يسلم بنفسه من لوم أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ونقدهم له خاصّة أبي ذرّ، ممّا يحتاج بيانه تفصيلاً إلى فرصة مستأنفة. ۲
ج ـ بالنسبة للأحاديث التي تحدّثت عن مقادير مختلفة للكنز فهي ناظرة إلى أوضاع اقتصادية واجتماعية مختلفة؛ حيث تتفاوت الاحتياجات المالية للإنسان تبعا لتلك الأوضاع واستنادا إلى حجم التضخّم، ثمّ يدخل ما زاد عن ذلك في الثروة المكتنزة التي يجب أن تُؤدّى زكاتها ويدفع ما يترتّب عليها من حقوق مالية.
د ـ هناك الروايات التي تمنع الإنسان المسلم من ادّخار المال فوق حدٍّ معيّن سواء أدّى زكاته أم لم يؤدِّها، وكذلك تلك الأحاديث التي ترسم حدّا معلوما للثروة يجدر بالإنسان المسلم أن يلتزم به ولا يتخطّاه، هذان الضربان من الحديث يمكن أن يكون فيهما إشارة إلى حقيقتين اقتصاديّتين مهمّتين في الإسلام:
الاُولى: أنّ ادّخار الثروة من حلال يبقى مشروعا مادام لا يضرّ باقتصاد المجتمع.
الثانية: في ذلك تحذير للمتموّلين والأثرياء الملتزمين بالاُصول الإسلامية؛ فحواه أنّ ادّخار الثروة وإن كان من حلال يمكن أن يتحوّل أيضا إلى خطر على شخص الثريّ نفسه إذا تخطّت الثروة قدرا معيّنا يتفاوت باختلاف الأوضاع الاقتصادية، حتّى لو لم يكن ذلك المقدار من الثروة ضارّا باقتصاد المجتمع. فالخطر هنا يتّجه إلى شخص الإنسان الثريّ الذي يمكن أن تجرّه حالته إلى مرض الترف، وتُفضي به ثروته إلى الطغيان والفساد. ۳

1.اين فهرست در پايان شرح آقا جمال خوانسارى بر غررالحكم و دررالكلم (جلد هفتم) آمده است .

2.راجع : التّنميةُ الإقتصاديّة في الكتاب والسّنّة: (القسم الخامس: آفات التنميّة/ الفصل الاول/ النوادر/ معنى «الكنز» فى القرآن والحديث) .

3.راجع : موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب: ج ۳ (القسم الرابع: الإمام عليّ بعد النبيّ/ الفصل الرابع: مبادئ الثورة على عثمان).

4.راجع : التّنميةُ الاقتصاديّة في الكتاب والسّنّة: (القسم الخامس: آفات التنميّة/ الفصل الاول/ النوادر/ معنى «الكنز» في القرآن والحديث) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج7
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 341152
الصفحه من 662
طباعه  ارسل الي