213
حكم النّبيّ الأعظم ج7

2 . أهل البيت وعلم الطبّ

تدلّ دراسة دقيقة للأحاديث المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام بشأن الخصائص العلميّة ، ومبادئ العلوم ، وأنواعها ۱ ، على أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام لم يتّصفوا بعلم الطبّ فحسب ، بل بالعلوم جميعا ، وليس ذلك عن طريق الاكتساب ، بل عن طريق خارق للعادة ، حتّى أنّهم أنّى شاؤوا أن يعلموا شيئا علموه ، كما قال الإمام الصادق عليه السلام :
إنَّ الإِمامَ إذا شاءَ أن يَعلَمَ عَلِمَ .۲
وبسبب هذا العلم الجمّ كان أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام يكرّر خطابه للناس قائلاً :
سَلوني قَبلَ أن تَفقُدوني ، فَإِنَّ بَينَ جَنبَيَّ عُلوما كَثيرَةً كَالبِحارِ الزَّواخِرِ .۳
وكان أئمّة أهل البيت عليهم السلام قاطبةً زاخرين بهذا العلم ، ولم يتلكّؤوا في جواب أيّ مسألة علميّة قطّ ، وقد قال الإمام الرضا عليه السلام في هذا الشأن :
إنَّ العَبدَ إذَا اختارَهُ اللّه ُ عز و جل لِاُمورِ عِبادِهِ شَرَحَ صَدرَهُ لِذلِكَ ، وأَودَعَ قَلبَهُ يَنابيعَ الحِكمَةِ ، وأَلهَمَهُ العِلمَ إلهاما ، فَلَم يَعيَ بَعدَهُ بِجَوابٍ ، ولا يُحَيَّرُ۴فيهِ عَنِ الصَّوابِ .۵
من هنا ، لا ريب في أنّ أهل البيت عليهم السلام كانوا ملمّين بعلم الطبّ ، وإذا ثبت أنّهم قالوا شيئا يتعلّق بمسألة من مسائله ، فإنّ كلامهم مطابق للواقع حتما .

1.راجع: أهل البيت في الكتاب والسنة : (القسم الرابع/ الفصل الأوّل: خطائصهم في العلم والفصل الثاني: أبواب علومهم والفصل الثالث: مبادئ علومهم) وموسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : ج۱۰ (علوم الإمام علي عليه السلام ).

2.راجع : أهل البيت في الكتاب والسنّة : (القسم الرابع / الفصل الرابع : صفة علومهم) .

3.راجع : موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : (المدخل / الفصل الرابع: قبسات من علمه/ القبس الثالث/ الباب العاشر: سلوني قبل أنْ تفقدوني) .

4.في عيون أخبار الرضا عليه السلام : «لا يَحيدُ» أي لا يَميلُ ، وفي معاني الأخبار : «لا يَحارُ» و[ حارَ يَحارُ فلانٌ : ضَلَّ سبيلَهُ ويقال : حار في الأمر (المعجم الوسيط : ج ۲ ، ص ۲۱۱) .] وهما أنسب ممّا في المتن .

5.الكافي ، ج ۱ ، ص ۲۰۲ ، ح ۱ ، عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج ۱ ، ص ۲۲۱ ، ح ۱ ، معاني الأخبار ، ص ۱۰۱ ، ح ۲ ، كمال الدّين ، ص ۶۸۰ ، ح ۳۱ ، الاحتجاج ، ج ۲ ، ص ۴۴۶ كلّها عن عبدالعزيز بن مسلم .


حكم النّبيّ الأعظم ج7
212

2

التقويم العامّ للأحاديث الطبّية

من الضروري الإجابة عن ثلاثة أسئلة أساسيّة قبل تقويم الأحاديث الطبّية :
السؤال الأوّل : هل لعلم الطبّ مصدر إلهيّ؟ أي أنّه مستند إلى الوحي أم إلى تجربة الإنسان؟
السؤال الثاني : أكان لأئمّة الدين : رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام معرفة بعلم الطبّ أم لا؟
السؤال الثالث : هَبْ أنّ لهم معرفةً بعلم الطبّ ، فهل يقوم الدين على أساس مزاولة الشؤون الطبّية ، ومعالجة أنواع الأمراض الجسديّة؟

1 . مصدر علم الطبّ

يرى بعض العلماء أنّ لعلم الطبّ مصدرا إلهيّا ، وأنّه يستندُ على الوحي ، قال المفكّر والمحقّق الكبير الشيخ المفيد قدس سره في هذا المجال :
الطبّ صحيح ، والعلم به ثابت ، وطريقه الوحي ، وإنّما أخذ العلماء به عن الأنبياء ؛ وذلك أنّه لا طريق إلى علم حقيقة الداء إلّا بالسمع ، ولا سبيل إلى معرفة الدواء إلّا بالتوقيف ۱ ، فثبت أنّ طريق ذلك هو السمع عن العالم بالخفيّات تعالى . ۲
يبدو أنّ حاجة الإنسان الأوّل كانت تستدعي قيام الوحي لرفده ببعض العلوم التجريبيّة الضروريّة لحياته ، ويدعم هذا الرأي ما نقله السيّد رضي الدين علي بن طاووس قدس سره عن بعض الكتب :
إنَّ اللّه َ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ أهبَطَ آدَمَ مِنَ الجَنَّةِ ، وعَرَّفَهُ عِلمَ كُلِّ شَيءٍ ، فَكانَ مِمّا عَرَّفَهُ النُّجومُ وَالطِّبُّ . ۳
من هنا ، يمكننا أن نقول : إنّ بداية علم الطبّ كانت عن طريق الوحي ، ثُمّ زادته تجربة العلماء فاتّسع تدريجيّا ، ويتّسع على تواتر الأيّام ، لكنّ من زعم أنّ الوحي هو الطريق الوحيد لهذا العلم ، فإنّ كلامه لا يقوم على برهان عقليّ أو شرعيّ ، كما أثبتت التجربة بطلانه ، وما نُقل عن المرحوم الشيخ المفيد قوله إنّ طريقه : «السمع عن العالم بالخفيّات» يصحّ إذا قُصد أنّه أحد طرقه ، لا أنّه الطريق الوحيد ، وإلّا فلا .

1.في بحار الأنوار : «بالتوفيق» .

2.تصحيح الاعتقاد ، ص ۱۴۴ ، بحارالأنوار ، ج ۶۲ ، ص ۷۵ .

3.موسوعة الأحاديث الطبيّة: ج۱ (الطبابة/ الفصل الأوّل: الطبابة في منظار الإسلام/ معرفة الإنبياء والأئمة بعلم الطب) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج7
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 335483
الصفحه من 662
طباعه  ارسل الي