تقويم الأحاديث الطبّية من منظور الشيخ الصدوق
يحكم شيخ المحدّثين محمّد بن عليّ بن بابويه القمي المعروف بالصدوق رحمه الله على الأحاديث الطبّية بنحوٍ لا يمكن الركون إليه إلّا في حالات خاصّة ، يقول رحمه الله :
اعتقادنا في الأخبار الواردة في الطبّ أنّها على وجوه :
منها : ما قيل على هواء مكّة والمدينة فلا يجوز استعماله في سائر الأهوية .
ومنها : ما أخبر به العالم عليه السلام على ما عرف من طبع السائل ولم يتعدّ موضعه ؛ إذ كان أعرف بطبعه منه .
ومنها : ما دلّسه المخالفون في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس .
ومنها : ما وقع فيه سهو من ناقله .
ومنها : ما حُفظ بعضه ونُسي بعضه .
وما روي في العسل أنّه شفاء من كلّ داء فهو صحيح ، ومعناه أنّه شفاء من كلّ داء بارد.
وما روي في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير ؛ فإنّ ذلك إذا كان بواسيره من حرارة .
وما روي في الباذنجان من الشفاء ؛ فإنّه في وقت إدراك الرطب لمن يأكل الرطب ، دون غيره من سائر الأوقات .
وأمّا أدوية العلل الصحيحة عن الأئمّة عليهم السلام فهي آيات القرآن وسوره ، والأدعية على حسب ما وردت به الآثار بالأسانيد القويّة والطرق الصحيحة . ۱
وفي ضوء هذا التقويم يتسنّى لنا أن نضع قسما من الأحاديث الطبّية في متناول أشخاص معيّنين ترتبط بهم هذه الأحاديث ، ونضرب عن سائر الأحاديث صفحا . والأحاديث الوحيدة التي يتيسّر وضعها في متناول العامّة من الناس هي الأحاديث الصحيحة التي تدعو الناس إلى العلاج بواسطة الدعاء والاستشفاء بالآيات القرآنيّة .
يبدو أنّ كلام الشيخ الصدوق رحمه الله وإن كان صحيحا مبدئيّا ، إذ إنّ الأحاديث الطبّية فاقدة للسند عادةً ، واحتمال الدسّ فيها كبير ، لكنّ نتيجة هذا الضرب من التقويم حرمان الناس من بعض الذخائر العلميّة لأهل البيت عليهم السلام ؛ لأنّ ضعف السند لا يقوم دليلاً على تعذّر صدور الحديث لا محالة ، كما أنّ صحّة السند ليست دليلاً على صدوره القطعيّ ، من جهة اُخرى لا يُستسهَلُ الحكم على أنّ عددا من أنواع العلاج الواردة في الأحاديث يخصّ أشخاصا معيّنين دون غيرهم .
من هنا ، لا نستطيع أن نزوّد عامّة الناس بجميع الأحاديث كإرشادات طبّية لأئمّة الدين ، كما لا نستطيع أن نضعها جانبا ونحذفها من كتب الحديث بنحو عام ، فما عسانا أن نفعل؟ !