595
حكم النّبيّ الأعظم ج7

45 / 4

وَصايا النَّبيِّ لِأَبي ذَرٍّ

۱۱۹۸۴.مكارم الأخلاق عن أبي الأسود الدؤلي عن أبي ذر عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :يا أَبا ذَرٍّ ، اُعبُدِ اللّه َ كأنَّكَ تَراهُ ، فإِن كُنتَ لا تَراهُ فإِنَّهُ يراكَ ، واعلَم أَنَّ أَوَّلَ عِبادَةِ اللّه ِ المَعرِفَةُ بِهِ ، فَهُوَ الأوَّلُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ فَلا شَيءَ قَبلَهُ ، والفَردُ فَلا ثانِيَ لَهُ ، والباقِي لا إلى غايَةٍ ، فاطِرُ السَّماواتِ والأَرضِ وَما فيهِما وَما بَينَهُما مِن شَيءٍ وَهوَ اللّه ُ اللَّطيفُ الخَبيرُ وَهوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . ثُمَّ الإِيمانُ بِي والإقرارُ بِأَنَّ اللّه َ تَعالى أَرسَلَني إِلى كافَّةِ النَّاسِ بَشيرا وَنَذيرا وَداعيا إِلى اللّه ِ بِإِذنِهِ ، وَسِراجا مُنيرا . ثُمَّ حُبُّ أَهلِ بَيتي الَّذينَ أَذهَبَ اللّه ُ عَنهُمُ الرِّجسَ وَطهَّرَهُم تَطهيرا .
واعلَم ـ يا أَبا ذَرٍّ ـ إِنَّ اللّه َ عَزَّوَجَلَّ جَعَلَ أَهلَ بَيتي في أُمَّتي كَسَفينَةِ نُوحٍ مَن رَكِبَها نَجا وَمَن رَغِبَ عَنها غَرِقَ ، وَمِثَلَ بابِ حِطَّةٍ ۱ في بَني إِسرائيلَ ؛ مَن دَخَلَها كانَ آمِنا .
يا أَبا ذَرٍّ : اِحفَظ ما أُوصيكَ بِهِ تَكُن سَعيدا في الدُّنيا والآخِرَةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : نِعمَتانِ مَغبونٌ فيهِما كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ : الصِّحَّةُ والفَراغُ .
يا أَبا ذَرٍّ : اِغتَنِم خَمسا قَبلَ خَمسٍ : شَبابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سُقمِكَ ، وَغِناكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَراغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَياتَكَ قَبلَ مَوتِكَ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِيّاكَ والتَّسويفَ بِأَمَلِكَ، فإنَّكَ بِيَومِكَ وَلَستَ بِما بَعدَهُ، فإِن يَكُن غَدٌ لَكَ فَكُن في الغَدِ كَما كُنتَ في اليَومِ ، وإِن لَم يَكُن غَدا لَم تَندَم عَلى ما فَرَّطتَ في اليَومِ .
يا أَبا ذَرٍّ : كَم مِن مُستَقبِلٍ يَوما لا يَستَكمِلُهُ ، ومُنتَظِرٍ غَدا لا يَبلُغُهُ !
يا أَبا ذَرٍّ : لَو نَظَرتَ إِلى الأَجَلِ وَمَسيرِهِ لأَبغَضتَ الأَملَ وَغُرورَهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : كُن كأنَّكَ في الدُّنيا غَريبٌ ، أَو كَعابِرِ سَبيلٍ، وَعُدَّ نَفسَكَ مِن أَصحابِ القُبورِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِذا أَصبَحتَ فَلا تُحَدِّث نَفسَكَ بِالمَساءِ ، وَإِذا أَمسَيتَ فَلا تُحَدِّث نَفسَكَ بِالصَّباحِ ، وَخُذ مِن صِحَّتِكَ قَبلَ سَقَمِكَ ، وَمِن حَياتِكَ قَبلَ مَوتِكَ ؛ فإِنَّكَ لا تَدري ما اسمُكَ غَدا .
يا أَبا ذَرٍّ : إِيّاكَ أَن تُدرِكَكَ الصَّرعَةُ عِندَ العَثرَةِ ، فلا تُقالَ العَثرَةُ ولا تُمَكَّنَ مِنَ الرَّجعَةِ ، ولا يَحمَدَكَ مَن خَلَّفتَ بِما تَرَكتَ ، وَلا يَعذُرَكَ مَن تَقدِمُ عَلَيهِ بِما اشتَغَلتَ بِهِ .
يا أَبا ذَرٍّ : كُن عَلى عُمُرِكَ أَشَحَّ مِنك عَلى دِرهَمِكَ وَدينارِكَ .
يا أَبا ذَرٍّ : هَل يَنتَظِرُ أَحدُكُم إِلَا غِنىً مُطغيا ، أَو فَقرا مُنسيا ، أَو مَرَضا مُفسِدا ، أَو هَرَما مُقعِدا ، أَو مَوتا مُجهِزا ، أَو الدَّجَّالُ ، فَإِنَّهُ شَرُّ غائِبٍ يُنتَظَرُ ، أَو السَّاعَةَ وَالسَّاعَةُ أَدهى وَأَمَرُّ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنزِلَةً عِندَ اللّه ِ يَومَ القيامَةِ عالِمٌ لا يُنتَفَعُ بِعِلمِهِ ، وَمَن طَلَبَ عِلما ليَصرِفَ بِهِ وُجوهَ النَّاسِ إِليهِ لَم يَجِد ريحَ الجَنَّةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن ابتَغى العِلمَ ليخدَعَ بِهِ النَّاسَ لَم يَجِد ريحَ الجَنَّةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِذا سُئِلتَ عَن عِلمٍ لا تَعلَمُهُ فَقُل : لا أَعلَمُهُ ، تَنجُ مِن تَبِعَتِهِ ، وَلا تُفتِ بِما لا عِلمَ لَكَ بِهِ ، تَنجُ مِن عَذابِ اللّه ِ يَومَ القيامَةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : يَطَّلِعُ قَومٌ مِن أَهلِ الجَنَّةِ عَلى قَومٍ مِن أَهلِ النَّارِ فَيقولونَ : ما أَدخَلَكُمُ النَّارَ وَقَد دَخَلنا الجَنَّةَ لِفَضلِ تأديبِكُم وَتَعليمِكُم ؟ فَيقولونَ : إِنَّا كُنَّا نأمرُ بِالخَيرِ وَلا نَفعَلُهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ حُقوقَ اللّه ِ جَلَّ ثناؤُهُ أَعظَمُ مِن أَن يَقومَ بِها العِبادُ ، وإِنَّ نِعمَ اللّه ِ أَكثَرُ مِن أَن يُحصيها العِبادُ ، وَلَكِن أَمسَوا وَأَصبَحوا تائِبينَ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّكَ في مَمَرِّ اللَّيلِ وَالنَّهارِ في آجالٍ مَنقوصَةٍ ، وأَعمالٍ مَحفوظَةٍ ، والمَوتُ يأتي بَغتَةً ، وَمَن يَزرَع خَيرا يوشِك أَن يَحصِدَ خَيرا ، وَمَن يَزرَع شَرَّا يوشِك أَن يَحصِدَ نَدامَةً ، وَلِكُلِّ زارِعٍ مِثلُ ما زَرَعَ .
يا أَبا ذَرٍّ : لا يُسبَقُ بَطيءٌ لَحظَةً ، وَلا يُدرِكُ حَريصٌ ما لَم يُقَدَّر لَهُ ، وَمَن أُعطيَ خَيرا فاللّه َ أَعطاهُ ، وَمَن وُقيَ شَرَّا فاللّه ُ وَقاهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : المُتَّقونَ سادَةٌ ، وَالفُقهاءُ قادَةٌ ، وَمُجالَسَتُهُم الزِّيادَة .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنّ المُؤمِنَ لَيَرى ذَنبَهُ كَأَنَّهُ صَخرَةٍ يَخافُ أَن تَقَعَ عَلَيهِ ، وإِنَّ الكافِرَ يَرى ذَنبَهُ كأَنَّهُ ذُبابٌ مَرَّ عَلى أَنفِهِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ اللّه َ تَبارَكَ وَتَعالى إِذا أَرادَ بِعَبدٍ خَيرا جَعَلَ ذُنوبَهُ بَينَ عَينيهِ مُمَثَّلَةً ، والإِثمَ عَلَيهِ ثَقيلاً وبَيلاً ، وإِذا أَرادَ بِعَبدٍ شَرَّا أَنساهُ ذُنوبَهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : لا تَنظُر إِلى صِغَرِ الخَطيئَةِ ، وَلَكِنِ انظُر إِلى مَن عَصيتَ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ المُؤمِنَ أَشَدُّ ارتِكاضا مِنَ الخَطيئَةِ مِنَ العُصفورِ حينَ يُقذَفُ بِهِ في شَركِهِ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن وافَقَ قَولُهُ فِعلَهُ فَذاكَ الَّذي أَصابَهُ حَظُّهُ ، وَمَن خالَفَ قَولُهُ فِعلَهُ فَإِنَّما يُوبِّخُ نَفسَهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحرَمُ رِزقَهُ بِالذَّنبِ يُصيبُهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : دَع ما لَستَ مِنهُ في شَيءٍ ، فَلا تَنطِق فيما لا يَعنيكَ ، واخزُن لِسانَكَ كما تَخزُنُ وَرِقَكَ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ اللّه َ جَلَّ ثَناؤُهُ لَيُدخِلُ قَوما الجَنَّةَ فَيُعطيهِم حَتَّى يَمَلُّوا وَفَوقَهُم قَومٌ في الدَّرَجاتِ العُلى ، فَإِذا نَظَروا إِلَيهِم عَرفوهُم فَيَقولونَ : رَبَّنا إِخوانُنا كُنَّا مَعَهُم في الدُّنيا ، فَبِمَ فَضَّلتَهُم عَلَينا ؟ فَيُقالُ : هَيهاتَ هَيهاتَ ، إِنَّهم كانوا يَجوعونَ حينَ تَشبَعونَ وَيَظمَئونَ حينَ تَروَونَ ، وَيَقومونَ حينَ تَنامونَ وَيَشخَصونَ حينَ تَخفِضونَ .
يا أَبا ذَرٍّ : جَعَلَ اللّه ُ جَلَّ ثَناؤُهُ قُرَّةَ عَيني في الصَّلاةِ ، وَحَبَّبَ إِليَّ الصَّلاةَ كَما حَبَّبَ إِلى الجائِعِ الطَّعامَ ، وإِلى الظَّمآنِ الماءَ . وإِنَّ الجائِعَ إِذا أَكَلَ شَبِعَ ، وإِنَّ الظَّمآنَ إِذا شَرِبَ رَويَ ، وَأَنا لا أَشبَعُ مِنَ الصَّلاةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : أَيُّما رَجُلٍ تَطَوَّعَ في يَومٍ وَلَيلَةٍ اثنَتي عَشَرَةَ رَكعَةً سِوى المَكتوبَةِ كانَ لَهُ حَقَّا واجِبا بَيتٌ في الجَنَّةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّكَ ما دُمتَ في الصَّلاةِ فَإِنَّكَ تَقرَعُ بابَ المَلِكِ الجَبّار ، وَمَن يُكثِر قَرعَ بابِ المَلِكِ يُفتَح لَهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : ما مِن مُؤمِنٍ يَقومُ مُصَلِّيا إِلَا تَناثَرَ عَلَيهِ البِرُّ ما بَينَهُ وَبَينَ العَرشِ ، وَوُكِّلَ بِهِ مَلَكُ يُنادي : يابنَ آدَمَ لَو تَعلَمُ ما لَكَ في الصَّلاةِ وَمَن تُناجي ما انفَتَلتَ .
يا أَبا ذَرٍّ : طوبى لِأَصحابِ الأَلويَةِ يَومَ القيامَةِ ، يَحمِلونَها فَيَسبِقونَ النَّاسَ إِلى الجَنَّةِ ، أَلا هُمُ السَّابِقونَ إِلى المَساجِدِ بِالأَسحارِ وَغَيرِ الأَسحارِ .
يا أَبا ذَرٍّ : الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ واللِّسانُ أَكبَرُ ، وَالصَّدَقَةُ تَمحو الخَطيئَةَ وَاللِّسانُ أَكبَرُ ، وَالصَّومُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ وَاللِّسانُ أَكبَرُ ، وَالجِهادُ نباهَةٌ وَاللِّسانُ أَكبَرُ .
يا أَبا ذَرٍّ : الدَّرَجَةُ في الجَنَّةِ فَوقَ الدَّرَجَةُ كَما بَينَ السَّماءِ والأَرضِ ، وإِنَّ العَبدَ لَيَرفَعُ بَصَرَهُ فَيَلمَعُ لَهُ نورٌ يَكادُ يَخطُفُ بَصَرَهُ فَيَفزَعُ لِذَلِكَ فَيقولُ : ما هَذا؟ فَيُقالُ : هَذا نورُ أَخيكَ ، فَيَقولُ : أَخي فُلانٌ ! كُنَّا نَعمَلُ جَميعا في الدُّنيا وَقَد فُضِّلَ عَليَّ هَكَذا ؟ فَيُقالُ لَهُ : إِنَّه كانَ أَفضَلَ مِنكَ عَمَلاً . ثُمَّ يُجعَلُ في قَلبِهِ الرِّضا حَتّى يَرضى .
يا أَبا ذَرٍّ : الدُّنيا سِجنُ المُؤمِنِ وَجَنَّةُ الكافِرِ ، ومَا أَصبَحَ فيها مُؤمِنٌ إِلَا حَزينا ، فكَيفَ لا يَحزَنْ المُؤمِنُ وَقَد أَوعَدَهْ اللّه ُ جَلَّ ثَناؤُهُ إِنَّه وارِدُ جَهَنَّم وَلَم يَعِدُه أَنَّه صادِرٌ عَنها وَلَيَلقيَنَّ أَمراضا وَمُصيباتٍ ، وَأُمورا تَغيظُهُ ، وَلَيُظلَمَنَّ فَلا يُنتَصرُ ، يَبتَغي ثَوابا مِنَ اللّه ِ تَعالى ، فَلا يَزالُ حَزينا حَتّى يُفارِقَها ، فَإِذا فَارَقَها أَفضى إِلى الرَّاحَةِ والكَرامَةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : ما عُبِدَ اللّه ُ عَزَّوَجَلَّ عَلى مِثلِ طولِ الحُزنِ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن أُوتي مِنَ العِلمِ ما لا يَبكيهِ لَحقيقٌ أَن يَكونَ قَد أُوتي عِلما لا يَنفعُهُ ، لِأَنَّ اللّه َ نَعَتَ العُلماءِ فَقالَ عَزَّوَجَلَّ : «إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَ يَقُولُونَ سُبْحَـنَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعًا»۲ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن استَطاعَ أَن يَبكيَ فَليَبكِ ، وَمَن لَم يَستَطِع فَليُشعِرُ قَلبَهُ الحُزنَ وَليَتَباكَ ، إِنَّ القَلبَ القاسيَ بَعيدٌ مِنَ اللّه ِ تَعالى وَلَكِن لا يَشعُرونَ .
يا أَبا ذَرٍّ : يَقولُ اللّه ُ تَعالى : «لا أَجمَعُ عَلى عَبدٍ خَوفَينِ وَلا أَجمَع لَهُ أَمنَينِ فَإِذا أَمِنَني في الدُّنيا أَخفتُهُ يَومَ القيامَةِ وَإِذا خافَني فَي الدُّنيا آمنتُهُ يَومَ القيامَةِ» .
يا أَبا ذَرٍّ : لو أَنَّ رَجُلاً كانَ لَهُ كَعَمَلِ سَبعينَ نَبيَّا لاحتَقَرَهُ وَخَشيَ أَن لا يَنجوَ مِن شَرِّ يَومِ القيامَةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ العَبدَ لَتُعرَضُ عَلَيهِ ذُنوبُهُ يَومَ القيامَةِ فيمَن ذَنَبَ ذُنوبهُ فَيَقولُ : أما إِنِّي كُنتُ مُشفِقا ، فَيُغفَرُ لَهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ الحَسَنَةَ فَيَتَّكِلَ عَلَيها ، وَيَعمَلَ المُحَقَّراتِ حَتَّى يأتيَ اللّه َ وَهوَ عَلَيهِ غَضبانُ . وإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ السَّيِّئَةَ فَيَفرَقُ مِنها يأتي آمِنا يَومَ القيامَةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ العَبدَ لَيُذنِبُ الذَّنبَ فَيَدخُلُ بِهِ الجَنَّةِ .
فَقُلتُ : وَكَيفَ ذَلِكَ بِأَبي أَنتَ وَأُمِّي يا رَسولَ اللّه ِ؟
قالَ : يَكونَ ذَلِكَ الذَّنبُ نَصبَ عَينَيهِ تائِبا مِنهُ فارَّا إِلى اللّه ِ عَزَّوَجَلَّ حَتَّى يَدخُلَ الجَنَّةَ .
يا أَبا ذَرٍّ : الكَيِّسُ مَن دانَ نَفسَهُ وَعَمِلَ لِما بَعدَ المَوتِ . والعاجِزُ مَنِ اتَّبَعَ نَفسَهُ وَهَواها وَتَمَنَّى عَلى اللّه ِ عَزَّوَجَلَّ الأَمانيَّ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ أَوَّل شَيءٍ يُرفَعُ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ : الأَمانَةُ وَالخُشوعُ ، حَتَّى لا تَكادَ تَرى خاشِعا .
يا أَبا ذَرٍّ : والَّذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ ، لَو أَنَّ الدُّنيا كانَت تَعدِلُ عِندَ اللّه ِ جَناحَ بعَوضَةٍ أو ذُبابٍ ما سَقى الكافِرَ مِنها شَرَبةً مِن ماءٍ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ الدُّنيا مَلعونَةٌ مَلعونٌ ما فيها إِلَا ما ابتُغي بِهِ وَجهُ اللّه ِ . وَما مِن شَيءٍ أَبغَضْ إِلى اللّه ِ تَعالى مِن الدُّنيا ، خَلَقَها ثُمَّ (أعرَضَ عَنها) ۳ فَلَم يَنظُر إلَيها ، وَلا يَنظُرْ إِلَيها حَتَّى تَقومَ السَّاعَةُ ، وَما مِن شَيءٍ أَحَبُّ إِلى اللّه ِ مِنَ الإِيمانِ بِهِ وَتَركِ ما أَمَرَ بِتَركِهِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ اللّه َ تَبارَكَ وَتَعالى أَوحى إِلى أَخي عيسى عليه السلام : «لا تُحِبَّ الدُّنيا فإِنِّي لَستُ أُحِبُّها ، وأَحِبَّ الآخِرَةِ فَإِنَّما هي دارُ المَعادِ» .
يا أَبا ذَرٍّ : إنَّ جَبرَئيلَ عليه السلام أَتاني بِخَزائِنِ الدُّنيا عَلى بَغلَةٍ شَهباءَ فَقالَ لي : يا مُحَمّدُ هَذِهِ خَزائِنُ الدُّنيا ولا تَنقُصُكَ مِن حَظِّكَ عِندَ رَبِّكَ ، فَقُلتُ : حَبيبي جَبرَئيلُ لا حاجَةَ لي بِها ، إِذا شَبِعتُ شَكَرتُ رَبِّي ، وَإِذا جُعتُ سأَلتُهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِذا أَرادَ اللّه ُ عَزَّوَجَلَّ بِعَبدٍ خَيرا فَقَّهَهُ في الدَّينِ ، وَزَهَّدَهُ في الدُّنيا ، وَبَصَّرَهُ بِعيوبِ نَفسِهِ .
يا أَبا ذَرٍّ : ما زَهِدَ عَبدٌ في الدُّنيا إِلَا أَنبَتَ اللّه ُ الحِكمَةَ في قَلبِهِ ، وأَنطَقَ بِها لِسانَهُ ، وَبَصَّرَهُ بِعُيوبِ الدُّنيا وَدائِها وَدَوائِها ، وَأَخرجَهُ مِنها سالِما إِلى دارِ السَّلامِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِذا رَأَيتَ أَخاكَ قَد زَهِدَ في الدُّنيا فَاستَمِع مِنهُ فَإِنَّه يُلقى الحِكمَةَ فَقلُتُ : يا رَسولَ اللّه ِ : مَن أَزهدُ النّاسِ ؟
فَقالَ : مَن لَم يَنسَ المَقابِرَ وَالبِلى ، وَتَرَكَ فَضلَ زينَةِ الدُّنيا ، وَآثَرَ ما يَبقى عَلى ما يَفنى ، وَلَم يَعُدَّ غَدا مِن أَيّامِهِ ، وَعَدَّ نَفسَهُ في المَوتى .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ اللّه َ تَبارَكَ وَتَعالى لَم يُوحِ إِليَّ أَن أَجمَعَ المالَ ، وَلَكِن أَوحى إِليَّ أَن «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُن مِّنَ السَّـجِدِينَ * وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ»۴ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنِّي أَلبَسُ الغَليظَ ، وأَجلِسُ عَلى الأَرضِ ، وأَلعَقُ أَصابِعي ، وَأَركَبُ الحِمارَ بِغَيرِ سَرجٍ ، وأَردَفُ خَلفي ، فَمَن رَغِبَ عَن سُنَّتي فَلَيسَ مِنِّي .
يا أَبا ذَرٍّ : حُبُّ المالِ والشَّرَفِ أَذهَبُ لِدينِ الرَّجُلِ مِن ذِئبَينِ ضاريَينِ في زِربِ الغَنَمِ فأَغارا فيها حَتّى أَصبَحا ، فَماذا أَبقَيا مِنها .
قالَ : قُلتُ : يا رَسولَ اللّه ِ الخائِفونَ الخاضِعونَ المُتَواضِعونَ الذَّاكِرونَ اللّه َ كَثيرا ، أَهُم يَسبِقونَ النَّاسَ إِلى الجَنَّةِ ؟
فَقالَ : لا ، وَلَكِن فُقراءُ المُسلِمينَ ، فَإِنَّهم يأتونَ يَتَخطَّونَ رِقابَ النَّاسِ ، فَيَقولُ لَهُم خَزَنَةُ الجَنَّةِ : كَما أَنتُم حَتَّى تُحاسِبوا ، فَيَقولونَ : بِمَ نُحاسَبُ؟ فَواللّه ِ ما مَلِكنا فَنَجورَ وَنَعدِلَ ، وَلا أُفيضَ عَلَينا فَنَقبِضَ وَنَبسُطَ ، وَلَكِن عَبَدنا رَبَّنا حَتَّى دَعانا فأَجَبنا .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ الدُّنيا مَشغَلَةٌ لِلقُلوبِ وَالأَبدانِ ، وَإِنَّ اللّه َ تَبارَكَ وَتَعالى سائِلُنا عَمَّا نَعَّمَنا في حَلالِهِ فَكيفَ بِما أَنعَمنا في حَرامِهِ؟
يا أَبا ذَرٍّ : إِنّي قَد دَعوتُ اللّه َ جَلَّ ثَناؤُهُ أَن يَجعَلَ رِزقَ مَن يُحِبُّني كَفافا ، وَأَن يُعطيَ مَن يُبغِضُني كَثرَةَ المالِ وَالوَلَدِ .
يا أَبا ذَرٍّ : طوبى لِلزّاهِدينَ في الدُّنيا ، الرَّاغِبينَ في الآخِرَةِ ، الَّذين اتَّخذوا أَرضَ اللّه ِ بِساطا ، وَتُرابَها فِراشا ، وَماءَها طيبا ، واتَّخذوا كِتابَ اللّه ِ شِعارا ، وَدُعاءَهُ دِثارا ، يَقرِضونَ الدُّنيا قَرضا .
يا أَبا ذَرٍّ : حَرثُ الآخِرَةِ العَمَلُ الصالِحُ ، وَحَرثُ الدُّنيا المالُ والبَنونَ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ رَبِّي أَخبَرَني فَقالَ : «وَعِزَّتي وَجَلالي ، ما أَدرَكَ العابِدونَ دَركَ البُكاءِ ، وإِنِّي لأَبني لَهُم في الرَّفيقِ الأَعلى قَصرا لا يُشرِكُهُم فيهِ أَحَدٌ» .
قالَ : قُلتُ : يا رَسولَ اللّه ِ! أَيُّ المُؤمِنينَ أَكيَسُ؟
قالَ : أَكثَرُهُم لِلموتِ ذِكرا ، وأَحسَنَهُم لَهُ استِعدادا .
يا أَبا ذَرٍّ : إِذا دَخَلَ النُّورُ القَلبَ انفَسَحَ القَلبُ واستَوسَعَ .
قُلتُ : فَما عَلامَةُ ذَلِكَ بِأَبي أَنتَ وأُمِّي يا رَسولَ اللّه ِ؟
قالَ صلى الله عليه و آله : الإِنابَةُ إِلى دارِ الخُلودِ ، والتَّجافي عَن دارِ الغُرورِ ، والاستِعدادُ لِلمَوتِ قَبلَ نُزولِهِ .
يا أَبا ذَرٍّ : اتِّقِ اللّه ِ ، وَلاتُرِ النَّاسَ أَنَّكَ تَخشى اللّه َ فَيُكرِموكَ وَقَلبُكَ فاجِرٌ .
يا أَبا ذَرٍّ : لِيَكُن لَكَ في كُلِّ شَيءٍ نيَّةٌ صالِحَةٌ حَتَّى في النَّومِ والأَكلِ .
يا أَبا ذَرٍّ : ليَعظُم جَلالُ اللّه ِ في صَدرِكَ ، فَلا تَذكُرهُ كَما يَذكُرُهُ الجاهِلُ عِندَ الكَلَبِ : «اللَّهُمَّ أَخزِهِ» وَعِندَ الخِنزيرِ : «اللَّهُمَّ أَخزِهِ» .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ للّه ِِ مَلائِكَةً قياما مِن خيفَةِ اللّه ِ ما رَفَعوا رُؤوسَهُم حَتّى يُنفَخَ في الصُّورِ النَّفخَةُ الآخِرَةُ فَيَقولونَ جَميعا : سُبحانَكَ وَبِحَمدِكَ ما عَبَدناكَ كَما يَنبَغي لَكَ أَن تُعبَدَ .
يا أَبا ذَرٍّ : لَو كانَ لِرَجُلٍ عَمَلُ سَبعينَ نَبيّا لاستَقَلَّ عَمَلَهُ مِن شِدَّةِ ما يَرى يَومَئِذٍ ، وَلَو أَنَّ دَلوا صُبَّت مِن غِسلِينِ صُبَّ في مَطلَعِ الشَّمسِ لَغَلَت مِنهُ جَماجِمُ مَن في مَغرِبِها ، وَلَو زَفَرَت جَهَنَّمَ زَفرَةً لَم يَبقَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبيُّ مُرسَلٌ إِلَا خَرَّ جاثيا عَلى رُكبَتَيهِ يَقولُ : رَبِّ نَفسي ، حَتّى يَنسى إِبراهيمُ إسحاقَ وَيَقولُ : يا رَبِّ أَنا خَليلُكَ إِبراهيمُ فَلا تُنسِني .
يا أَبا ذَرٍّ : لَو أَنَّ امرأَةً مِن نِساءِ أَهلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَت مِن سَماءِ الدُّنيا في لَيلَةِ ظَلماءَ لأَضاءَت الأَرضَ أَفضَلَ مِمَّا يُضيئُها القَمَرُ لَيلَةَ البَدرِ ، وَلَوَجَدَ ريحَ نَشرِها جَميعُ أَهلِ الأَرضِ .
وَلَو أَنَّ ثَوبا مِن ثيابِ أَهلِ الجَنَّةِ نُشِرَ اليَومَ في الدُّنيا لَصَعِقَ مَن يَنظُرُ إِلَيهِ ، وَما حَمَلَتهُ أَبصارُهُم .
يا أَبا ذَرٍّ : اخفِض صَوتَكَ عِندَ الجَنائِزِ ، وَعِندَ القِتالِ ، وَعَندِ القُرآنِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِذا تَبِعتَ جَنازَةً فَليَكُن عَقلُكَ فيها مَشغولاً بِالتَّفَكُّرِ وَالخُشوعِ ، وَاعلَم أَنَّكَ لاحِقٌ بِهِ .
يا أَبا ذَرٍّ : اعلَم أَنَّ كُلَ شَيءٍ إِذا فَسَدَ فالمِلحُ دَواؤُهُ ، فَإِذا فَسَدَ المِلحُ فَلَيسَ لَهُ دَواءٌ . واعلَم أَنَّ فيكُم خُلْقينِ : الضَّحِكَ مِن غَيرِ عَجَبٍ ، والكَسَلَ مِن غَيرِ سَهوٍ .
يا أَبا ذَرٍّ : رَكعَتانِ مُقتَصَدَتانِ في التَّفَكُّرِ خَيرٌ مِن قيامِ لَيلَةٍ والقَلبُ ساهٍ .
يا أَبا ذَرٍّ : الحَقُّ ثَقيلٌ مُرٌّ ، والباطِلُ خَفيفٌ حُلوٌ ، وَرُبَّ شَهوَةِ ساعَةٍ تورِثُ حُزنا طَويلاً .
يا أَبا ذَرٍّ : لا يَفقَهُ الرَّجُلُ كُلَّ الفِقهِ حَتّى يَرى النَّاسَ في جَنبِ اللّه ِ أَمثالَ الأَباعِرِ ، ثُمَّ يَرجِعَ إِلى نَفسِهِ فَيَكونُ هوَ أَحقَرَ حاقِرٍ لَها .
يا أَبا ذَرٍّ : لا تُصيبُ حَقيقَةُ الإِيمانِ حتَّى تَرى النّاس كُلَّهُم حَمقى في دينِهِم ، وَعُقَلاءَ في دُنياهِم .
يا أَبا ذَرٍّ : حاسِب نَفسَكَ قَبلَ أَن تُحاسَبَ فَهوَ أَهوَنُ لِحِسابِكَ غَدا ، وَزِن نَفسَكَ قَبلَ أَن توزَنَ ، وَتَجَهَّز لِلعَرضِ الأَكبَرِ يَومَ تُعرَضُ لاتَخفى مِنكَ عَلى اللّه ِ خافيَةٌ .
يا أَبا ذَرٍّ : استَحيِ مِنَ اللّه ِ ، فَإِنِّي والَّذي نَفسي بيَدِهِ لأُظِلُّ حينَ أَذهبُ إِلى الغائِطِ مُتَقَنِّعا بِثَوبي استَحي مِنَ المَلَكَينِ اللَّذَينِ مَعي .
يا أَبا ذَرٍّ : أَتُحِبُّ أَن تَدخُلَ الجَنَّةَ؟
قُلتُ : نَعَم ، فِداكَ أَبي .
قالَ صلى الله عليه و آله : فاقصِر مِنَ الأَمَلِ ، واجَعَلِ المَوتَ نُصبَ عَينَيكَ ، واستَحِ مِنَ اللّه ِ حَقَّ الحَياءِ .
قالَ : قُلتُ : يا رَسولَ اللّه ِ ، كُلُّنا نَستَحي مِنَ اللّه ِ ؟
قالَ : لَيسَ ذَلِكَ الحَياءَ ، وَلَكِنَّ الحَياءَ مِنَ اللّه ِ أَن لا تَنسى المَقابِرَ وَالبِلَى ، والجَوفَ وَما وَعى ، والرّأسَ وَما حَوى . وَمَن أَرادَ كَرامَةَ الآخِرَةِ فَليَدَع زينَةَ الدُّنيا ، فَإِذا كُنتَ كَذَلِكَ أصَبتَ وَلايَةَ اللّه ِ .
يا أَبا ذَرٍّ : يَكفي مِنَ الدُّعاءِ مَعَ البِرِّ ما يَكفي الطَّعامَ مِنَ المِلحِ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَثَلُ الَّذي يَدعو بِغَيرِ عَمَلٍ كَمَثَلِ الَّذي يَرمي بِغَيرِ وَتَرٍ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ اللّه َ يُصلِحُ بِصَلاحِ العَبدِ وُلدَهُ وَوُلدَ وُلدِهِ ، وَيَحفَظُهُ في دُويرَتِهِ والدُّورَ حَولَهُ ما دامَ فيهِم .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ رَبَّكَ عَزَّوَجَلَّ يُباهي المَلائِكَةَ بِثَلاثَةِ نَفَرٍ : رَجُلٍ في أَرضٍ قَفرٍ فَيُؤَذِّنُ ثُمَّ يُقيمُ ثُمَّ يُصَلِّي ، فَيَقولُ رَبُّكَ لِلملائِكَةِ : «انظُروا إِلى عَبدي يُصلِّي وَلا يَراهُ أَحَدٌ غَيري» ، فَيَنزِلُ سَبعونَ أَلفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ وَراءَهُ وَيَستَغفِرونَ لَهُ إِلى الغَدِ مِن ذَلِكَ اليَومِ .
وَرَجُلٍ قامَ مِنَ اللَّيلِ فَصَلَّى وَحدَهُ فَسَجَدَ وَنامَ وَهوَ ساجِدٌ ، فَيَقولُ اللّه ُ تَعالى : «انظُروا إِلى عَبدي روحُهُ عِندي وَجَسَدَهُ ساجِدٌ» .
وَرَجُلٍ في زَحفٍ فَرَّ أَصحابُهُ وَثَبَتَ هوَ يُقاتِلُ حَتَّى يُقتَلَ .
يا أَبا ذَرٍّ : ما مِن رَجُلٍ يَجعَلُ جَبهَتَهُ في بُقعَةٍ مِن بِقاعِ الأَرضِ إِلَا شَهِدَت لَهُ بِها يَومَ القيامَةِ ، وَما مِن مَنزِلٍ يَنزِلُهُ قَومٌ إِلَا وأَصبَحَ ذَلِكَ المَنزِلُ يُصَلِّي عَلَيهِم أَو يَلعَنُهُم .
يا أَبا ذَرٍّ : ما مِن صَباحٍ وَلا رَواحٍ إِلَا وَبِقاعُ الأَرضِ يُنادي بَعضُها بَعضا ، يا جارَةُ هَل مَرَّ بِكِ مَن ذَكَرَ اللّه َ تَعالى أَو عَبدٌ وَضَعَ جَبهَتَهُ عَلَيكِ ساجِدا للّه ِ ؟ فَمِن قائِلةٍ : لا ، وَمِن قائِلَةٍ : نَعَم ، فإِذا قالَت : نَعَم ، اهتَزَّت وانشَرَحَت وَتَرى أَنَّ لَها الفَضلَ عَلى جارَتِها .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ اللّه َ جَلَّ ثَناؤُهُ لَمَّا خَلَقَ الأَرضَ وَخَلَقَ ما فيها مِنَ الشَّجَرِ لَم يَكُن في الأَرضِ شَجَرَةٌ يأتيها بَنو آدَمَ إِلَا أَصابوا مِنها مَنفَعَةً ، فَلَم تَزَلِ الأَرضُ والشَّجَرُ كَذَلِكَ حَتّى تُكَلَّمَ فَجَرَةَ بَني آدَمَ بِالكَلَمَةِ العَظيمَةِ ، قَولِهِم : «اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا»۵ فَلَمَّا قالوها اقشَعَرَّتِ الأَرضُ وَذَهَبَت مَنفَعَةُ الأَشجارِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ الأَرضَ لَتَبكي عَلى المُؤمِنِ إِذا ماتَ أَربَعينَ صَباحا .
يا أبا ذَرٍّ : إِذا كانَ العَبدُ في أَرضٍ قَفرٍ فَتَوَضّأَ أَو تَيَمَّمَ ثُمّ أَذَّنَ وأَقامَ وَصَلَّى ، أَمَرَ اللّه ُ عَزَّوَجَلَّ المَلائِكَةَ فَصَفُّوا خَلفَهُ صَفّا لا يُرى طَرَفاهُ ؛ يَركَعونَ بِرُكوعِهِ ، وَيَسجُدونَ بِسُجودِهِ ، وَيُؤَمِّنونَ عَلى دُعائِهِ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن أَقامَ وَلَم يُؤذِّن لَم يُصَلِّ مَعهُ إِلَا مَلَكاهُ اللَّذانِ مَعَهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : ما مِن شابٍّ يَدَعْ للّه ِ الدُّنيا وَلَهوَها ، وَأَهرَمَ شَبابَهُ في طاعَةِ اللّه ِ ، إِلَا أَعطاهُ اللّه ُ أَجرَ اثنَينِ وَسَبعينَ صِدِّيقا .
يا أَبا ذَرٍّ : الذَّاكِرُ في الغافِلينَ كالمُقاتِلِ في الفارِّينَ .
يا أَبا ذَرٍّ : الجَليسُ الصَّالِحُ خَيرٌ مِنَ الوَحدَةِ ، والوَحدَةُ خَيرٌ مِن جَليسِ السُّوءِ ، وإِملاءُ الخَيرِ خَيرٌ مِنَ السُّكوتِ ، وَالسُّكوتُ خَيرٌ مِن إِملاءِ الشَّرِّ .
يا أَبا ذَرٍّ : لا تُصاحِب إِلَا مُؤمِنا ، وَلا يأكُل طَعامَكَ إِلَا تَقيٌّ ، وَلا تأكُل طَعامَ الفاسِقينَ .
يا أَبا ذَرٍّ : أَطعِم طَعامَكَ مَن تُحِبُّهُ في اللّه ِ ، وَكُل طَعامَ مَن يُحِبُّكَ في اللّه ِ عَزَّوَجَلَّ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ اللّه َ عَزَّوَجَلَّ عِندَ لِسانِ كُلِّ قائِلٍ ، فَليَتَّقِ اللّه َ امرؤٌ وَليَعلَم ما يَقولُ .
يا أَبا ذَرٍّ : اترُك فُضولَ الكَلامِ ، وَحَسبُكَ مِنَ الكَلامِ ما تبلُغُ بِهِ حاجَتَكَ .
يا أَبا ذَرٍّ : كَفى بِالمَرءِ كَذِبا أَن يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما يَسمَعُ .
يا أَبا ذَرٍّ : ما مِن شَيءٍ أَحَقَّ بِطولِ السِّجنِ مِنَ اللِّسانِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ مِن إِجلالِ اللّه ِ إِكرامَ ذي الشَّيبَةِ المُسلِمِ ، وَإِكرامَ حَمَلةِ القُرآنِ العامِلَينَ ، وَإِكرامَ السُّلطانِ المُقسِطِ .
يا أَبا ذَرٍّ : ما عَمِلَ مَن لَم يَحفَظ لِسانَهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : لا تَكُن عَيّابا ، وَلا مَدّاحا ، وَلا طَعّانا ، وَلا مُماريا .
يا أَبا ذَرٍّ : لا يَزالُ العَبدُ يَزدادُ مِنَ اللّه ِ بُعدا ما ساءَ خُلقُهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ خُطوَةٍ تَخطوها إِلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن أَجابَ داعيَ اللّه ِ ، وَأَحسَنَ عِمارَةَ مَساجِدِ اللّه ِ ، كانَ ثَوابُهُ مِنَ اللّه ِ الجَنَّةَ .
فَقُلتُ : بِأَبي أَنتَ وَأُمِّي يا رَسولَ اللّه ِ ، كَيفَ تُعمَرُ مَساجِدُ اللّه ِ ؟
قالَ : لا تُرفَعُ فيها الأَصواتُ ، وَلا يُخاضُ فيها بِالباطِلِ ، وَلا يُشترى فيها وَلا يُباعُ ، وَاترُكِ اللَّغوِ ما دُمتَ فيها ، فَإِن لَم تَفعَل فَلا تَلومَنَّ يَومَ القيامَةِ إِلَا نَفسَكَ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ اللّه َ تَعالى يُعطيكَ ما دُمتَ جالِسا في المَسجِدِ بِكُلِّ نَفسٍ تَنَفَّستَ فيهِ دَرَجَةً في الجَنَّةِ ، وَتُصَلِّي عَلَيكَ المَلائِكَةُ ، وَيُكتَبُ لَكَ بِكُلِّ نَفسٍ تَنَفَّستَ فيهِ عَشرُ حَسَناتٍ ، وَيُمحى عَنكَ عَشرُ سَيِّئاتٍ .
يا أَبا ذَرٍّ : أَتعلَمُ في أَيِّ شَيءٍ أُنزِلَت هَذِهِ الآيةُ «اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» ؟ ۶
قُلتُ : لا فِداكَ أَبي وَأُمِّي .
قالَ : في انتِظارِ الصَّلاةِ خَلفَ الصَّلاةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِسباغُ الوُضوءِ في المَكارِهِ مِنَ الكُفَّاراتِ ، وَكَثرُةُ الاختِلافِ إِلى المَساجِدِ فَذَلِكُمُ الرِّباطُ .
يا أَبا ذَرٍّ : يَقولُ اللّه ُ تَبارَكَ وَتَعالى : «إِنَّ أَحَبَّ العِبادِ إِليَّ المُتَحابُّونَ مِن أَجلي ، المُتَعَلِّقَةُ قُلوبُهُم بِالمساجِدِ ، وَالمُستَغفِرونَ بِالأَسحارِ ، اُُولَئِكَ إِذا أَرَدتُ بِأَهلِ الأَرضِ عُقوبَةً ذَكَرتُهُم فَصَرَفتُ العُقوبَةَ عَنهُم» .
يا أَبا ذَرٍّ : كُلُّ جُلوسٍ في المَسجِدِ لَغوٌ إِلَا ثَلاثَ : قِراءَةَ مُصَلٍّ ، أَو ذِكرُ اللّه ِ ، أَو سائِلٌ عَن عِلمٍ .
يا أَبا ذَرٍّ : كُن بِالعَمَلِ بِالتَّقوى أَشَدُّ اهتِماما مِنكَ بِالعَمَلِ ، فَإِنَّهُ لا يَقِلُّ عَمَلٌ بِالتَّقوى ، وَكَيفَ يَقِلُّ عَمَلٌ يَتَقَبَّلُ ، يَقولُ اللّه ُ عَزَّوَجَلَّ : «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»۷ .
يا أَبا ذَرٍّ : لا يكونُ الرَّجُلُ مِنَ المُتَّقينَ حَتَّى يُحاسِبَ نَفسَهُ أَشَدَّ مِن مُحاسَبَةِ الشَّريكِ شَريكَهُ ، فَيَعلَمَ مِن أَينَ مَطعَمُهُ وَمِن أَينَ مَشرَبُهُ وَمِن أَينَ مَلبَسُهُ ، أَمِن حِلٍّ أَم مِن حَرامٍ ؟
يا أَبا ذَرٍّ : مَن لم يُبالِ مِن أَينَ اكتَسَبَ المالَ لَم يُبالِ اللّه ُ عَزَّوَجَلَّ مِن أَينَ أَدخَلَهُ النَّارَ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن سَرَّهُ أَن يَكونَ أَكرَمَ النَّاسِ فَليَتَّقِ اللّه َ عَزَّوَجَلَّ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ أَحبَّكُم إِلى اللّه ِ جَلَّ ثَناؤُهُ أَكثَرُكُم ذِكرا لَهُ ، وَأَكرَمُكُم عِندَ اللّه ِ عز و جلأَتقاكُم لَهُ ، وَأَنجاكُم مِن عَذابِ اللّه ِ أَشَدُّكُم لَهُ خَوفا .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ المُتَّقَينَ الَّذينَ يَتَّقونَ اللّه َ عَزَّوَجَلَّ مِنَ الشَّيءِ الَّذي لا يُتَّقى مِنهُ ، خَوفا مِنَ الدُّخولِ في الشُّبهَةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن أَطاعَ اللّه َ عز و جل فَقَد ذَكَرَ اللّه َ وَإِن قَلَّت صَلاتُهُ وَصيامُهُ وَتِلاوَتُهُ لِلقُرآنِ .
يا أَبا ذَرٍّ : أَصلُ الدِّينِ الوَرَعُ ، وَرأسُهُ الطَّاعَةُ .
يا أَبا ذَرٍّ : كُن وَرِعا تَكُن أَعبَدَ النَّاسِ ، وَخَيرُ دينِكُم الوَرَعُ .
يا أَبا ذَرٍّ : فَضلُ العِلمِ خَيرٌ مِن فَضلِ العِبادَةِ ، وَاعلَم أَنَّكُم لَو صَلَّيتُم حَتَّى تَكونوا كالحَنايا ، وَصُمتُم حَتَّى تَكونوا كالأوتارِ ، ما يِنفَعُكُم ذَلِكَ إِلَا بِوَرَعٍ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ أَهلَ الوَرَعِ وَالزُّهدِ في الدُّنيا هُم أَولياءَ اللّه ِ تَعالى حَقَّا .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن لَم يأتِ يَومَ القيامَةِ بِثَلاثٍ فَقَد خَسِرَ .
قُلتُ : وَما الثَّلاثُ فِداكَ أَبي وَأُمِّي ؟
قالَ : وَرَعٌ يَحجُزُهُ عَمَّا حَرَّم اللّه ُ عز و جل عَلَيهِ ، وَحِلمٌ يَرُدُّ بِهِ جَهلَ السُّفهاءِ ، وَخُلُقٌ يُداري بِهِ النّاسَ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِن سَرَّكَ أَن تَكونَ أَقوى النَّاسِ فَتَوَكَّل عَلَى اللّه ِ عز و جل . وَإِن سَرَّكَ أَن تَكونَ أَكرَمَ النَّاسِ فاتَّقِ اللّه ِ . وَإن سَرَّكَ أَن تَكونَ أَغنى النَّاسِ فَكُن بِما في يَدِ اللّه ِ عَزَّوَجَلَّ أَوثَقَ مِنكَ بِما في يَدِكَ .
يا أَبا ذَرٍّ : لَو أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُم أَخَذوا بِهَذِهِ الآيةِ لَكَفَتهُم : «وَ مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَ مَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَــلِغُ أَمْرِهِ»۸ .
يا أَبا ذَرٍّ : يَقولُ اللّه ُ جَلَّ ثَناؤُهُ : «وَعِزَّتي وَجَلالي ، لا يُؤثِرُ عَبدي هَواي عَلى هَواهُ إِلَا جَعَلتُ غِناهُ في نَفسِهِ ، وَهُمومَهُ في آخِرَتِهِ ، وَضَمَّنتُ السَّماواتِ وَالأَرضِ رِزقَهُ ، وَكَفَفتُ عَلَيهِ ضيقَهُ ، وَكُنتُ لَهُ مِن وَراءِ تِجارَةِ كُلِّ تاجِرٍ» .
يا أَبا ذَرٍّ : لَو أَنَّ ابن آدَمَ فَرَّ مِن رِزقِهِ كَما يَفِرُّ مِنَ المَوتِ لأَدرَكَهُ كَما يُدرِكُهُ المَوتُ .
يا أَبا ذَرٍّ : أَلا أُعلِّمُكَ كَلِماتٍ يَنفَعُكَ اللّه ُ عز و جل بِهِنَّ؟
قُلتُ : بَلى يا رَسولَ اللّه ِ .
قالَ : احفَظِ اللّه َ يَحفَظكَ ، احفَظ اللّه َ تَجِدهُ أَمامَكَ ، تَعَرَّفَ إِلى اللّه ِ في الرَّخاءِ يَعرِفكَ في الشِّدَّةِ ، وَإِذا سَأَلتَ فَاسأَلِ اللّه َ عَزَّوَجَلَّ ، وَإِذا استَعَنتَ فاستَعِن بِاللّه ِ ، فَقَد جَرى القَلَمُ بِما هوَ كائِنٌ إِلى يَومِ القيامَةِ ، فَلَو أَنَّ الخَلقَ كُلَّهُم جَهَدوا أَن يَنفَعوكَ بِشَيءٍ لَم يُكتَب لَكَ ما قَدَروا عَلَيهِ ، وَلَو جَهَدوا أَن يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَم يَكتُبهُ اللّه ُ عَلَيكَ ما قَدَروا عَلَيهِ ، فَإِن استَطَعتَ أَن تَعمَلَ للّه ِ عَزَّوَجَلَّ بِالرِّضا في اليَقينِ فافعَل ، وَإِن لَم تَستَطِع فَإِنَّ في الصَّبرِ عَلى ما تَكرَهُ خَيرا كَثيرا ، وَإِنَّ النَّصرَ مَعَ الصَّبرِ ، وَالفَرَجَ مَعَ الكَربِ ، وَإِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرا .
يا أَبا ذَرٍّ : استَغنِ بِغِنى اللّه ِ يُغنِكَ اللّه ُ .
فَقُلتُ : وَما هُوَ يا رَسولَ اللّه ِ؟
قالَ صلى الله عليه و آله : غَداءَ يَومٍ وَعَشاءَ لَيلَةٍ ، فَمَن قَنِعَ بِما رَزَقَهُ اللّه ُ فَهوَ أَغنى الناَّسِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ اللّه َ عز و جل يَقولُ : «إِنِّي لَستُ كَلامَ الحَكيمِ أَتَقَبَّلُ ، وَلَكِن هَمُّهُ وَهَواهُ ، فَإِن كانَ هَمُّه وَهَواهُ فيما أُحِبُّ وأَرضى جَعَلتُ صَمتَهُ حَمدا لي وَذِكرا وَوَقارا وَإِن لَم يَتَكَلَّم» .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ اللّه َ تَبارَكَ وَتَعالى لا يَنظُرُ إِلى صُوَرِكُم وَلا إِلى أُموالِكُم وَأَقوالِكُم ، وَلَكِن يَنظُرُ إِلى قُلوبِكُم وأَعمالِكُم .
يا أَبا ذَرٍّ : التَّقوى هاهُنا التَّقوى هاهُنا ـ وأَشارَ إِلى صَدرِهِ ـ .
يا أَبا ذَرٍّ : أَربَعٌ لا يُصيبُهُنَّ إِلَا مُؤمِنٌ : الصَّمتُ وَهوَ أَوَّلُ العِبادَةِ ، وَالتَّواضِعُ للّه ِ سُبحانَهُ ، وَذِكرُ اللّه ِ تَعالى في كُلِّ حالٍ ، وَقِلَّةُ الشَّيءِ ـ يَعني قِلَّةُ المالِ ـ .
يا أَبا ذَرٍّ : هُمَّ بِالحَسَنَةِ وَإِن لَم تَعمَلها لِكيلا تُكتَبَ مِنَ الغافِلينَ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن مَلَكَ ما بَينَ فَخِذَيهِ وَبَينَ لَحيَيهِ دَخَلَ الجَنَّةَ .
قُلتُ : يا رَسولَ اللّه ِ وَإِنَّا لَنؤاخَذُ بِما تَنطِقُ بِهِ أَلسِنَتُنا ؟
قالَ : يا أَبا ذَرٍّ وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ عَلى مَناخِرِهِم في النَّارِ إِلَا حَصائِدُ أَلسِنَتِهِم ، إِنَّكَ لا تَزالُ سالِما ما سَكَتَّ ، فَإِذا تَكَلَّمتَ كَتَبَ اللّه ُ لَكَ أَو عَلَيكَ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِنَّ الرَّجُلَ يِتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ في المَجلِسِ لِيُضحِكَهُم بِها فَهَوى في جَهَنَّمَ ما بَينَ السَّماءِ وَالأَرضِ .
يا أَبا ذَرٍّ : وَيلٌ لِلَّذي يُحَدِّث وَيَكذِبُ ليُضحِكَ بِهِ القَومَ ، وَيلٌ لَهُ ، وَيلٌ لَهُ ، وَيلٌ لَهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن صَمَتَ نَجا ، فَعَلَيكَ بِالصِّدقِ ، وَلا تُخرِجَنَّ مِن فيكَ كَذِبا أَبَدا .
قُلتُ : يا رَسولَ اللّه ِ فَما تَوبَةُ الرَّجُلِ الَّذي كَذِبَ مُتَعَمِدا ؟
قالَ : الاستِغفارُ وَالصَّلواتُ الخَمسِ تَغسِلُ ذَلِكَ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِيَّاكَ والغيبَةَ ، فَإِنَّ الغيبةَ أَشَدٌّ مِنَ الزِّنا .
قُلتُ : يا رَسولَ اللّه ِ وَلِمَ ذَلِكَ بِأَبي أَنتَ وَأُمِّي ؟
قالَ : لِأَنَّ الرَّجُلَ يَزني وَيَتوبُ إِلى اللّه ِ فَيَتوبُ اللّه ُ عَلَيهِ ، والغيبَةُ لا تُغفَرُ حَتَّى يَغفِرَها صاحِبُها .
يا أَبا ذَرٍّ : سِبابُ المُؤمِنِ فُسوقٌ ، وَقِتالُهُ كُفرٌ ، وَأَكلُ لَحمِهِ مِن مَعاصي اللّه ِ ، وحُرمَةُ مالِهِ كَحُرمَةِ دَمِهِ .
قُلتُ : يا رَسولَ اللّه ِ وَما الغيبَةُ؟
قالَ : ذِكرُكَ أَخاكَ بِما يَكرَهُ .
قُلتُ : يا رَسولَ اللّه ِ فَإِن كانَ فيهِ ذاكَ الَّذي يُذكَرُ بِهِ؟
قالَ : اعلَم أَنَّك إِذا ذَكَرتَهُ بِما هوَ فيهِ فَقَد اغتَبتَهُ ، وَإِذا ذَكَرتَهُ بِما لَيسَ فيهِ فَقَد بَهَتَّهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن ذَبَّ عَن أَخيهِ المُسلِمِ الغيبَةَ كانَ حَقَّا عَلى اللّه ِ أَن يُعتِقَهُ مِن النَّارِ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن اغتيبَ عِندَهُ أَخوهُ المُسلِمُ وَهوَ يَستَطيعُ نَصرَهُ فَنَصَرَهُ نَصَرَهُ اللّه ُ عَزَّوَجَلَّ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، فَإِن خَذَلَهُ وَهوَ يَستَطيعُ نَصرَهُ خَذَلَهُ اللّه ُ في الدُّنيا وَالآخِرَةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : لا يَدخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ .
قُلتُ : وَما القَتَّاتُ ؟
قالَ : النَّمَّامُ .
يا أَبا ذَرٍّ : صاحِبُ النَّميمَةِ لا يَستَريحُ مِن عَذابِ اللّه ِ عَزَّوَجَلَّ في الآخِرَةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن كانَ ذا وَجهَينِ وَلِسانَينِ في الدُّنيا فَهوَ ذو لِسانَينِ في النَّارِ .
يا أَبا ذَرٍّ : المَجالِسُ بِالأَمانَةِ ، وَإِفشاءُ سِرِّ أَخيكَ خيانَةٌ ، فاجتَنِب ذَلِكَ ، واجتَنِب مَجلِسَ العَشيرَةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : تُعرَضُ أَعمالُ أَهلُ الدُّنيا عَلى اللّه ِ مِنَ الجُمُعَةِ إِلى الجُمُعَةِ في يَومِ الاثنَينِ والخَميسِ فَيَغفِرُ لِكُلِّ عَبدِ مُؤمِنٍ إِلَا عَبدا كانَت بَينَهُ وَبَينَ أَخيهِ شَحناءُ ، فَيُقالُ : اترُكوا عَمَلَ هَذَينِ حَتَّى يَصطَلِحا .
يا أَبا ذَرٍّ : إِيَّاكَ وَهِجرانَ أَخيكَ ، فَإِنَّ العَمَلَ لا يُتَقَبَّلُ مَعَ الهِجرانِ .
يا أَبا ذَرٍّ : أَنهاكَ عَنِ الهِجرانِ ، وَإِن كُنتَ لا بُدَّ فاعِلاً فَلا تَهجُرهُ فَوقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ كَمَلاً ، فَمَن ماتَ فيها مُهاجِرا لِأَخيهِ كانَت النَّار أَولى بِهِ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن أَحَبَّ أَن يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجالُ قياما فَليَتَبَوأَ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن ماتَ وَفي قَلبِهِ مِثقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبرٍ لَم يَجِد رائِحَةَ الجَنَّةِ إِلَا أَن يَتوبَ قَبلَ ذَلِكَ .
فَقالَ رَجُلٌ : يا رَسولَ اللّه ِ إِنِّي لَيُعجِبُني الجَمالُ حَتَّى وَدِدتُ أَنَّ عِلَاقَةَ سَوطي وَقِبالَ نَعلي حَسَنٌ ، فَهَل يُرهَبُ عَلى ذَلِكَ؟
قالَ : كَيفَ تَجِدُ قَلبَكَ؟
قالَ : أَجِدُهُ عارِفا لِلحَقِّ مُطمَئِنَّا إِليهِ .
قالَ : لَيسَ ذَلِكَ بِالكِبرِ ، وَلَكِنّ الكِبرِ أَن تَترُكَ الحَقَّ ، وَتَتَجاوَزَهُ إِلى غَيرِهِ ، وَتَنظُرَ إِلى النَّاسِ وَلاتَرى أَنَّ أَحَدا عِرضُهُ كَعِرضِكَ ، وَلا دَمُهُ كَدَمِكَ .
يا أَبا ذَرٍّ : أَكثَرُ مَن يَدخُلُ النَّارَ المُستَكبِرونَ .
فَقالَ رَجُلٌ : وَهَل يَنجو مِنَ الكِبرِ أَحَدٌ يا رَسولَ اللّه ِ؟
قالَ : نَعَم ، مَن لَبِسَ الصُّوفَ ، وَرَكِبَ الحِمارَ ، وَحَلَبَ الشَّاةَ ، وَجالَسَ المَساكِينَ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن حَمَلَ بِضاعَتَهُ فَقَد بَرِى ءَ مِنَ الكِبرِ ـ يَعني ما يَشتَري مِنَ السُّوقِ ـ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن جَرَّ ثَوبَهُ خُيَلاءَ لَم يَنظُرِ اللّه ُ عَزَّوَجَلَّ إِلَيه يَومَ القيامَةِ .
يا أَبا ذَرٍّ : إِزرَةُ المُؤمِنِ إِلى أَنصافِ ساقَيهِ ، وَلا جَناحَ عَلَيهِ فيما بَينَهُ وَبَينَ كَعبَيهِ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن رَفَعَ ذَيلَهُ ، وخَصَفَ نَعلَهُ ، وعَفَّرَ وَجهَهُ ، فَقَد بَرِيءَ مِنَ الكِبرِ .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن كانَ لَهُ قَميصانِ فَليَلبَس أَحَدَهُما وَليُلبِس الآخَرَ أَخاهُ .
يا أَبا ذَرٍّ : سَيَكونُ ناسٌ مِن أُمَّتي يُولَدونَ في النَّعيمِ وَيُغَذَّونَ بِهِ ، هِمَّتُهُم أَلوانُ الطَّعامِ وَالشَّرابِ ، وَيُمدَحونَ بِالقَولِ ، أُولَئِكَ شِرارُ أُمَّتي .
يا أَبا ذَرٍّ : مَن تَرَكَ لُبسَ الجَمالِ هُوَ يَقدِرُ عَلَيهِ تَواضِعا للّه ِ عَزَّوَجَلَّ في غَيرِ مَنقَصَةٍ ، وَأَذَلَّ نَفسَهُ في غَيرِ مَسكَنَةٍ ، وأَنفَقَ ما جَمَعَهُ في غَيرِ مَعصيَةٍ ، وَرَحِمَ أَهلَ الذُّلِّ والمَسكَنَةِ ، وَخالَطَ أَهلَ الفِقهِ وَالحِكمَةِ ، طوبَى لِمَن صَلَحَت سَريرَتُهُ ، وَحَسُنَت عَلانيَتُهُ ، وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ ، طوبى لِمَن عَمِلَ بِعِلمِهِ ، وأَنفَقَ الفَضلَ مِن مالِهِ ، وأَمسَكَ الفَضلَ مِن قَولِهِ .
يا أَبا ذَرٍّ : البَسِ الخَشِنَ مِن اللِّباسِ ، والصَّفيقَ مِنَ الثِّيابِ ، لِئَلَا يَجِدَ الفَخرُ فيكَ مَسلَكا .
يا أَبا ذَرٍّ : يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ قَومٌ يَلبَسونَ الصُّوفَ في صَيفِهِم وَشِتائِهِم ، يَرونَ أَنَّ لَهُمُ الفَضَلَ بِذَلِكَ عَلى غَيرِهِم ، أُولَئِكَ تَلعَنهُم مَلائِكَةُ السَّمواتِ وَالأَرضِ .
يا أَبا ذَرٍّ : أَلا أُخبِرُكَ بِأَهلِ الجَنَّةِ؟
قُلتُ : بَلى يا رَسولَ اللّه ِ .
قالَ صلى الله عليه و آله : كُلُّ أَشعَثَ أَغبَرَ ذي طِمرَينِ لا يُؤبَهُ لَهُ لَو أَقسَمَ عَلى اللّه ِ لأَبَرَّهُ . ۹

1.باب حطة : هي باب من دخله من بنياسرائيل أرضية المغفرة الالهية مهيّئة له (راجع: بصائر الدرجات : ص ۲۹۷ و البقرة : ۵۸ ) .

2.الاسراء : ۱۰۷ ـ ۱۰۹ .

3.في بعض النسخ : عرضها .

4.الحجر : ۹۸ ـ ۹۹ .

5.البقرة : ۱۱۶ ، يونس : ۶۸ ، الكهف : ۴ .

6.آل عمران : ۲۰۰ .

7.المائدة : ۲۷ .

8.الطلاق : ۲ ـ ۳ .

9.مكارم الأخلاق : ج ۲ ص ۳۶۳ ـ ۳۸۱ ح ۲۶۶۱ عن أبي ذرّ ، بحارالأنوار : ج ۷۷ ص ۷۴ ح ۳ .


حكم النّبيّ الأعظم ج7
594

۱۱۹۸۳.رسول اللّه صلى الله عليه و آلهـ كانَ فيما أَوصى بِهِ صلى الله عليه و آله عَليَّا عليه السلام ـ: يا عَليُّ أَنهاكَ عَن ثَلاثِ خِصالٍ عِظامٍ : الحَسَدِ وَالحِرصِ وَالكَذِبِ .
يا عَليُّ : سَيِّدُ الأَعمالِ ثَلاثُ خِصالٍ : إِنصافُكَ النَّاسَ مِن نَفسِكَ ، وَمواساةُ الأَخِ في اللّه ِ عَزَّوَجَلَّ ، وذِكرُ اللّه ِ تَبارَكَ وَتَعالَى عَلى كُلِّ حالٍ .
يا عَليُّ : ثَلاثٌ فَرَحاتٌ لِلمُؤمِنِ في الدُّنيا : لِقاءُ الإِخوانِ وَالإِفطارُ في الصِّيام ۱ وَالتَّهَجُّدُ مِن آخِرِ اللَّيلِ .
يا عَليُّ : ثَلاثٌ مَن لَم تَكُن فيهِ لَم يَقُم لَهُ عَمَلٌ : وَرَعٌ يَحجُزُهُ عَن مَعاصي اللّه ِ عَزَّوَجَلَّ ، وَخُلُقٌ يُداري بِهِ النَّاسَ ، وَحِلمٌ يَرُدُّ بِهِ جَهلَ الجاهِلِ .
يا عَليُّ : ثَلاثٌ مِن حَقائِقِ الإِيمانِ : الإِنفاقُ في الإِقتارِ ، وَإِنصافُ النَّاسَ مِن نَفسِكَ ، وَبَذلُ العِلمِ لِلمُتَعَلِّمِ .
يا عَليُّ : ثَلاثٌ خِصالٌ مِن مَكارِمِ الأَخلاقِ : تُعطي مَن حَرَمَكَ ، وَتَصِلُ مَن قَطَعَكَ وَتَعفو عَمَّن ظَلَمَكَ . ۲

1.في بعض النسخ : «من الصيام» .

2.الخصال : ص ۱۲۴ ح ۱۲۱ عن يونس بن عبدالرّحمن مرفوعا الى الإمام الصادق عليه السلام .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج7
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 335593
الصفحه من 662
طباعه  ارسل الي