۰.لئلاّ يكونوا سُدًى مُهمَلينَ ؛ ولِيُعَظِّموه ويُوَحِّدوه ، ويُقِرُّوا له بالربوبيّة ، ولِيَعْلَموا أنّه خالقُهم ورازقُهم ؛ إذ شواهدُ ربوبيّته دالّةٌ ظاهرةٌ ، وحججُه نيّرةٌ واضحةٌ ، وأعلامُه لائحةٌ تَدعوهم إلى توحيد اللّه عزّ وجلّ ، وتَشهَدُ على أنفسها لصانعها بالربوبية والإلهيّة ؛ لما فيها من آثار صُنعه ، وعجائبِ تدبيرِه ، فَنَدَبَهم إلى معرفته لئلاّ يُبيحَ لهم أن يَجهلوه ويَجهلوا دينَه وأحكامَه ؛ لأنّ الحكيمَ لا يُبيحُ الجهلَ به ، والإنكارَ لدينه ، فقالَ جلّ ثناؤه : « أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَـاقُ الْكِتَـابِ أَن لاَّيَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ » وقال : « بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ » ، فكانوا محصورين بالأمر والنهي ، مأمورينَ بقول الحقّ ، غيرَ مرخَّصٍ لهم في المُقام على الجهل ، أمَرهم بالسؤال والتفقّهِ في الدين ، فقال : « فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَـآلـءِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَ لِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ » وقال : « فَسْـالُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ » .
قوله : (لِئلاّ يَكونوا سُدىً مُهمَلينَ) .
«السُّدى» بالضمّ : المهمل ، فقوله : «مهملين» تفسيرٌ وتاكيدٌ .
قوله: (فَنَدَبَهُم إلى مَعرِفَتِه لِئلاّ يُبيحَ لهم أن يَجهَلوه ويَجهَلوا دينَهُ وأحكامَهُ) أي لأجل أنّه لم يبح لهم جهله وجهل دينه وأحكامه ، فندبهم إلى معرفته ، أي دعاهم إليها .
وأراد بمعرفته ما يدخل تحته معرفة دينه وأحكامه ، فإنّ معرفته تعالى لا تتمّ إلاّ بذلك ، أو أنّها تستلزمه ليناسب التعليل .
قوله : (فقالَ جَلَّ ثَناؤه :« أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَـاقُ الْكِتَـابِ أَن لاَّيَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ »۱) أي نَدَبَهم ودَعاهم ، أو اَمَرهم إلخ . فقال : وكأنّه ـ قدّس سرّه ـ استدلّ بالآية من حيث إنّهم أخذ عليهم الميثاق بأن لا يقولوا فيما يتعلّق به تعالى ـ من المعرفة والدين والأحكام ـ بغير الحقّ مع ضميمة التكليف واضطرارهم إلى القول واحتياجهم إليه وإنّهم لم يخلوا منه ؛ فهو يستلزم أمرهم ودعاءهم إلى معرفة الحقّ ليقولوه فيما يتعلقّ به تعالى ، وإلاّ فمجرّد ظاهر الآية كأنّه غير مستقلّ بالمراد .
ويمكن أن يقال : إنّ قولك مثلاً : «عاهدتُك على أن لا تفعل إلاّ هذا ، ولا تقول إلاّ هذا» معناه : افعل ما عاهدتك عليه وحده ، فتكون الآية من هذا القبيل ، بمعنى أنّ اللّه تعالى أمرهم بقول الحقّ وحده ؛ واللّه تعالى أعلم ، والآية الاُخرى ظاهرة في ذمّهم على الجهل .
وفي باب النهي عن القول بغير علم من هذا الكتاب عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ اللّه خصّ عباده بآيتين من كتابه : أن لا يقولوا حتّى يعلموا ، ولا يردّوا ما لم يعلموا ؛ قال اللّه عزّ وجلّ : « أَلَمْ يُؤْخَذْ » » وذكر الآيتين . ۲
وعن زرارة ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام : ما حقّ اللّه على العباد؟ قال : «أن يقولوا ما يعلمون ، ويقفوا عند ما لا يعلمون» . ۳