11
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

اُسرته:

نشأ المترجم وترعرع في أحضان العلم والأدب ، فاُسرته تعرف بسلسلة الذهب ، لتسلسل العلم والفضل فيهم زمانا طويلاً ، فهي من الاُسر العلميّة العريقة ، ولها مكانتها الاجتماعيّة والعلميّة المرموقة.
فكان والده عالما فاضلاً محقّقا مدقّقا متبحّرا جامعا كاملاً صالحا ورعا ثقة فقيها محدّثا متكلّما حافظا شاعرا أديبا مُنشِئا ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، حسن التقرير . وقد ألّف كتبا كثيرا ، منها : شرح تهذيب الأحكام ، وشرح الاستبصار المسمّى ب «استقصاء الاعتبار» في الطهارة والصلاة ، وطبع جديدا ؛ وحاشية شرح اللمعة ـ مجلّدان ـ إلى كتاب الصلح ، وغيرها. ۱ وذكره في الدرّ المنثور وأثنى عليه ثناءً جميلاً. ۲
وأمّا جدّه : فهو أبو منصور جمال الدين الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الثاني قدس سره .
قال في حقّه صاحب رياض العلماء :
الفقيه الجليل والمحدّث الاُصولي الكامل النبيل ، المعروف بصاحب المعالم ، ذوالنفس الطاهرة ، والفضل الجامع ، والمكارم الباهرة ، وهو مصداق قوله صلى الله عليه و آله : «الولد سرّ أبيه» . بل هو أعلم ، ومظهر المثل السائر «ومن يشابه أبه فما ظلم» . له كتب ورسائل ، منها : كتاب منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ، و كتاب
معالم الدين وملاذ المجتهدين ، وله كتاب مناسك الحجّ ... وغيرها. ۳
وأمّا جدّ أبيه : فهو الشهيد الثاني زين الدين بن عليّ العاملي .
وقد قال في حقّه المحقّق التستري :
أفضل المتأخّرين ، وأكمل المتبحّرين ، نادرة الخلق ، وبقيّة السلف ، مفتي طوائف الاُمم ، والمرشد إلى التي هي أقوم ، قدوة الشيعة ، ونور الشريعة ، الذي قصرت الأكارم الأجلاّء عن استقصاء مزاياه وفضائله السنيّة ، وحارت الأعاظم الألبّاء في مناقبه وفضائله العليّة .. . وله كتب ورسائل كثيرة فاخرة مهذّبة في فنون مختلفة ، ومطالب متشعّبة . ۴
وأمّا شقيقه : الشيخ زين الدين ، فقد قال في حقّه في الدرّ المنثور :
كان فاضلاً ذكيّا ، وعالما لوذعيّا ، وكاملاً رضيّا ، وعابدا تقيّا .. . وله فوائد متفرّقة على بعض الكتب، وما رأيت له كتابا مدوّنا لشدّة احتياطه ، وله شعر رائق في فنون الشعر. ۵
وأمّا والدته : فلم أعثر على شيء يذكر في ترجمتها سوى ما ذكره المترجم في كتابه الدرّ المنثور ، حيث قال :
وكانت والدتي رحمها اللّه شديدة الرأفة بي والشفقة عليّ ، ودائما توصي الذي أقرأ عنده أن لا يضربني ولا يهينني ، وتتفقّد أحوالي في اليوم مرارا لذلك. ۶
وأما اُمّ والدته : فهي ابنة المحقّق الكركي قدس سره ، قال المترجم :
أدركتها وهي طاعنة في السنّ وأنا ابن نحو تسع سنين وقت وفاتها ، وربّما قاربت من التسعين فما زاد ، وكانت في غاية من الصلاح والتقوى والعبادة ، أوقاتها مصروفة في تلاوة القرآن والأدعية وغيرها رحمها اللّه تعالى ، وكانت بي رؤوفة جدّا ، وعليّ عطوفة. ۷

1.انظر : أمل الآمل ، ج ۱ ، ص ۱۳۹ .

2.الدرّ المنثور ، ج ۲ ، ص ۲۰۹ـ۲۲۲ .

3.رياض العلماء ، ج ۱ ، ص ۲۲۵ـ۲۲۶ .

4.مقابس الأنوار ، ص ۱۵ .

5.الدرّ المنثور ، ج ۲ ، ص ۲۲۲ـ۲۲۳ .

6.الدرّ المنثور ، ج ۲ ، ص ۲۳۹ .

7.الدرّ المنثور ، ج ۲ ، ص ۲۴۵ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
10

ولادته :

في عام ثلاث عشرة أو أربع عشرة وألف ، وفي «جبع» إحدى قرى جبل عامل ۱ ، أشرق ذلك الكوكب المضيء ، وأطلّ على الدنيا بوجه باسم ، ملأ قلب أبويه محبّة وأملاً ، فمنحاه اسم «عليّ» ، ولم يطل الوقت كثيرا حتّى برزت فيه ملامح النبوغ والذكاء.

قرية جُبَع :

«جبع» اسم عبراني معناه التلّ ، وتسمّى أحيانا «جباع» بالمدّ ، وتعرف ب «جبع الحلاوة» تمييزا لها عن «جبع الشوق» في جبل لبنان ، و«جبع بنيامين» في فلسطين. ۲
وهي تقع في أقصى شمال لبنان ، وتعتبر من أنزه البلاد وأطيبها هواءً ، وأعذبها ماءً ، وأكثرها وألذّها ثمارا ، فكانت هي و«جزّين» و«مشغرى» مجمع علماء جبل عامل وطلاّبها .
ولا ريب في أنّ للبيئة الجغرافية المناسبة ، والهواء المعتدل الذي كانت تتّصف به تلك المنطقة ، وجمال الطبيعة ، وكثرة الينابيع ، وانتشار الزهور والخضرة ، ووفرة الثمار اللذيذة ، الأثر الكبير في بروز علماء كبار أمثال الحرّ العاملي والشيخ البهائي
والشهيد الثاني ، وأولاده الذين تألّقوا في سماء العلم والأدب ، كالمترجم الذي نشأ وتربّى في تلك البلاد الطيّبة ، ولكن للأسف لم يكتب له البقاء طويلاً في ذلك الموطن الذي احتضنه ، وفتح عينيه فيه ، بل جرت ظروف قاسية أدّت به إلى الانتقال إلى أصفهان ، كما سيأتيك إن شاء اللّه تعالى.

1.أمل الأمل، ج۱،ص۱۲۹ـ۱۳۰؛ رياض العلماء، ج۴،ص۱۹۸؛ الدرّ المنثور، ج۲،ص۲۴۵؛ روضات الجنّات ، ج۴ ، ص۳۹۱ ؛ موسوعة طبقات الفقهاء ، ج۱۲، ص۲۲۷، وجميع هؤلاء اتّفقوا على أنّ تاريخ ولادته ما ذُكر أعلاه . لكنّ المترجم نفسه قال في موضع آخر من كتابه الدرّ المنثور ، ج ۲ ، ص ۲۳۹ : «ثمّ سافرت إلى مكّة المشرّفة بعد وفاة والدي، وذلك في سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين بعد الألف،وسنّي إذا ذاك نحو ستّ عشرة سنة ...» . وإذا صحّ ذلك يكون مولده إمّا في السنة السادسة عشرة بعد الألف ، أو في السنة السابعة عشرة بعد الألف . والأمر سهل ، إذ لعلّ ذكره لسني عمره وقت حجّه على نحو التخمين ، لا التحقيق ؛ واللّه العالم .

2.انظر كتاب : الشهيد الثاني زين الدين بن عليّ بن أحمد العاملي الشامي ، ص ۲۰ـ۲۱ .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 88887
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي