111
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ » فصارت الشهادةُ مقبولةً لِعِلّةِ العلمِ بالشهادة ، ولو لا العلمُ بالشهادة ، لم تكن الشهادة مقبولةً .
والأمرُ في الشاكّ ـ المؤدّي بغير علم وبصيرة ـ إلى اللّه جلَّ ذكره ، إن شاءَ تطوّلَ عليه فقَبِلَ عملَه ، وإن شاء رَدَّ عليه ؛ لأنّ الشرطَ عليه من اللّه أن يُؤدِّيَ المفروضَ بعلم وبصيرة ويقين ؛ كي لا يكونوا ممّن وَصَفَه اللّه ، فقالَ تبارك وتعالى : « وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ » لأنّه كان داخلاً فيه بغير علمٍ ولا يقينٍ ، فلذلك صارَ خروجُه بغير علم ولا يقين .
وقد قال العالم عليه السلام : «من دخل في الإيمان بعلمٍ ، ثَبَتَ فيه ، ونفعَه إيمانُه ، ومن دخل فيه بغير علمٍ ، خرج منه كما دخل فيه» .

وكذلك قوله : (والأمرُ في الشاكّ ـ المُؤدّي بغير علمٍ وبَصيرةٍ ـ إلى اللّه ِ جَلَّ ذِكْرُه ، إنْ شاءَ تَطَوَّلَ عليه فقَبِلَ عملَه ، وإن شاءَ رَدَّه عليه) .
فهذه قرائن في الجملة على إرادة القسم الثاني ؛ لأنّ صاحب الرأي مع اعتقاده أنّه الحقّ لا يليق إدخاله في هذا القسم من المصنّف إلاّ على تقدير العمل بالرأي مع عدم اعتقاده ، أو بتأويل مّا ، والتأويل بما يرجع إلى قسم واحد ممكنٌ .
قوله : (وقد قالَ العالمُ عليه السلام : «مَن دَخَلَ في الإيمان بعلم ، ثَبَتَ فيه ونفعه إيمانه ، ومن دَخَلَ فيه بغير علمٍ ، خَرَجَ منه كما دَخَلَ فيه»۱) . «العالم» كثيراً مّا يُطلق على الكاظم عليه السلام ، فإن كان الحديث مرويّاً عنه ، وإلاّ فكلّهم عليهم السلام أهل العلم ؛ فيكون المراد من روى عنه غيره ، ولا يحضرني الآن مأخذه .
وهذا الكلام الشريف من البلاغة وحسن التشبيه بمكان ، فإنّ من دَخَلَ بعلمٍ ، كانَ كمَن يَدخل مكاناً يثبت فيه ويستقرّ ويقضي وَطَرَه منه ، فكان كمن دخل مكاناً أعجبه من كلّ وجه بحيث لا يتصوّر الخروج منه إلى غيره . والداخل بغير علم كما أنّه دَخَلَ ليتفحّص عمّا يستقرّ فيه ويثبت ، فلم يجد مطلبه ، خرج من ذلك المكان طالباً لما يستقرّ فيه فلم يجده ؛ فدخوله كخروجه في عدم حصول المقصود فيهما ، وعدم ترتّب فائدة غير مشقّة الدخول والخروج والحركة والطلب وغير ذلك . والتشبيه من حيث تحقّق الدخول الذي قد تحقّق عدم ترتّب الفائدة عليه ، فهو أقوى من الخروج وأظهر .

1.بصائر الدرجات ، ص ۵۳۰ ، باب فيه شرح اُمور النبيّ و ... ح ۱ . وفيه : «من دخل في هذا الأمر بغير يقين وبصيرة ، خرج منه كما دخل فيه» .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
110

۰.وإذا كان جاهلاً لم يكن على ثقة ممّا أدَّى ، ولا مصدّقا ؛ لأنَّ المصدِّقَ لا يكونُ مصدِّقا حتّى يكونَ عارفا بما صدَّقَ به من غير شكّ ولا شُبْهة ؛ لأنّ الشاكَّ لا يكونُ له من الرغبة والرهبة والخضوع والتقرُّب مثلُ ما يكونُ من العالم المستيقِن ، وقد قالَ اللّه عزَّ وجلَّ : « إِلاَّ مَن شَهِدَ

قوله : (وإذا كانَ جاهلاً ...) .
يمكن أن يكون هذا راجعاً إلى الأوّل ، على أن يكون المراد بالأوّل جُهّال أصحاب الرأي ونحوهم . ويحتمل أن يكون قسما آخر ، وهو من يكون تأديته لا عن رأي ، بل عن جهل غير ذلك الجهل ، بمعنى تأديته على أيّ وجه اتّفق ، فإنّ الأوّل قد يكون باعتقاده غير شاكّ ، وهذا شاكّ فيما يأتي به هل هو مطيع فيه وموافق للصواب ، أم لا ؟ ويؤيّده قوله : (لأنّ الشاكَّ لا يَكونُ له من الرغبةِ والرهبةِ والخضوعِ والتقرّبِ مثلُ ما يَكونُ من العالمِ المُستَيْقِنِ) . فحال هذا دون حال ذاك في الضرر اللاحق له ، وقد يعفو اللّه عنه . وقد يكون له مع ذلك رهبة ورغبة مّا ، بخلاف الأوّل .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 108491
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي