213
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
212

۰.تعالى خلَق العقلَ ، فقال له : أقبِلْ ، فأقبَلَ، وقال له: أدبِرْ، فأدبَرَ، فقال: وعزَّتي وجَلالي ما خلقْتُ شيئا أحسَنَ منك أو أحبَّ إليَّ منك، بك آخُذُ ، وبك اُعطي» .

۳۳.عليُّ بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال:«ليس بين الإيمان والكفر إلاّ قِلّةُ العقلِ» . قيل : وكيف ذاك يابن رسول اللّه ؟ قال : «إنَّ العبدَ يَرفَعُ رغبتَه إلى مخلوق ، فلو أخلَصَ نيّتَه للّه لَأتاهُ الذي يُريدُ في أسرعَ من ذلك» .

وقوله عليه السلام : «إنّ اللّه خلق العقل ...» دليل على أنّ هؤلاء لا يخاطبهم اللّه بما لا تصل إليه عقولهم ؛ لأنّ اللّه تعالى خلق العقل ، إلى أن قال : بك آخذ ، وبك اُعطي ؛ فالثواب أو العقاب إنّما يكون على قدر ما يؤتى الإنسان من العقل ، وقد تقدّم .
قوله عليه السلام في حديث أحمد بن محمّد بن خالد : (ليس بين الإيمانِ والكفرِ إلاّ قلّةُ العقلِ . قيل : وكيف ذاك يابن رسول اللّه ؟ قال : إنّ العبدَ يَرفَعُ رَغْبَتَه إلى مخلوقٍ ، فلو أخْلَصَ نيّتَه للّه لأتاه الذي يُريدُ في أسْرَعَ مِن ذلك) .
المعنى ـ واللّه أعلم ـ أنّه ما بين انتقال الإنسان من الإيمان إلى الكفر في مثل ما يأتي إلاّ قلّة العقل ، أي إلاّ ترك العمل بما يقتضيه العقل ؛ بقرينة تتمّة الحديث ، وهي قوله عليه السلام : «إنّ العبد ...» .
ويحتمل أن يكون المعنى ما بين إيمان الإنسان وكفره إلاّ قلّة العقل وعدمها .
ومثله قد يحذف كثيراً لقرينة المقام . وهذا بحسب المعنى كأنّه أنسب .
والكفر إن كان المراد به الكفر الحقيقي ، فلعلّ المراد رفع رغبته إلى المخلوق مع اعتقاده أنّه هو الرازق أو المعطي أو الشريك في ذلك ، وإن كان المراد به غيره ممّا لا ينبغي أن يفعله كامل الإيمان ـ كما هو شائع في الحديث وغيره من إطلاق الكفر والشرك والكافر والمشرك على مثل ذلك ـ فالمعنى ما بين كمال الإيمان ونقصه واسطة إلاّ قلّة العقل ، كانَ يرفع الإنسان حاجته إلى مخلوق يجعله وسيلة وسبباً إلى نجحها ، لا على معنى الشركة والاختصاص .
وكامل الإيمان ينبغي أن لا يشرك معه تعالى غيره بسببيّة ولا نحوها ، كما ورد في الحديث : «إيّاكم والوسائل ، فإنّ القلّة مع الذلّة» ۱ . معناه ـ واللّه أعلم ـ أنّه لا ينبغي الطلب إلاّ من اللّه سبحانه ، فإنّ في الطلب من غيره وجعله وسيلة ذلّةً .
و«القلّة لا تفارق الذلّة» إمّا بمعنى أنّه لا يحصل له حينئذٍ شيء ، كما في دعاء زين العابدين عليه السلام : «ومن توجّه بحاجته إلى أحد من خلقك ، أو جعله سبب نجحها دونك ، فقد تعرّض للحرمان ، واستحقّ من عندك فوت الإِحسان» ۲ إن لم يكن الحرمان من غير هذه الحاجة .
وإمّا بمعنى أنّه وإن حصّل شيئاً ممّن قصده ، فهو مقلّ فقير ؛ من حيث إنّ التحصيل بما فيه ذلّة لا ينبغي أن يُسمّى صاحبه غنيّاً ، بل الغنيّ من أغناه اللّه ولو بالفقر ، والفقير من حرمه اللّه ولو بالغنى .
ولا ينافي ذلك مادلّ على قضاء حاجة المؤمن إذا طلبها من أخيه ، واحتياج الناس بعضهم إلى بعض . وما في بعض الأحاديث من سؤال الغنيّ عن شرار الخلق لا غيرهم ، وما في بعض الأدعية من سؤال الغنيّ عمّن هو غنيّ عن السائل ومثله كثيرٌ ، ومدار نظام العالم على احتياج الناس بعضهم إلى بعض ؛ لأنّه في جميع ذلك ينبغي أن يكون الإنسان طلبه وسؤاله من اللّه تعالى معتقداً أنّ العبد الذي يطلب منه عبدٌ مثله غير مالك حقيقي ، بل مسخّر من اللّه لأن يقضي حاجته ؛ لما قد جرى من عادة اللّه ، ولتنزّهه عن أن يتعاطى مثل ذلك ، فهو كطلب عبد من عبد مالايملك من مال مولاه ، فإذا كان الطلب من المولى أمَرَعبده بإعطاء ما يريده ، والعبد لا ملك له في الحقيقة يتصرّف فيه بإعطاء ونحوه ، وإيّاك أن تعجّل بتوهّم شيء من هذا الكلام ينفي ۳ الاختيار والقدرة والملك للعبد .
وقد يفهم من كلام سيّد العابدين عليه الصلاة والسلام ما يؤيّد ذلك من قوله : «أو جعله سبب نجحها دونك» فإنّ مفهومه على أحد معنيي ما يدلّ عليه أنّه إذا جعلك سبب نجحها دونه ، لم يتعرّض للحرمان ، وإن كان الطلب من العبد مع اعتقاده أنّه تعالى سبب النجح وحده .
والإشارة بذلك إلى رفع الرغبة بمعنى أنّ اللّه تعالى يؤتيه ما يريد في أسرع من زمان رفع الرغبة إلى المخلوق ، فكيف بما بعده ؛ واللّه تعالى أعلم .

1.لم نعثر عليه .

2.الصحيفة السجّادية ، ص ۷۰ ، الدعاء ۱۳ ؛ المصباح ، للكفعمي ، ص ۴۰۰ .

3.في «ب ، د» : «بنفي» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 92480
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي