247
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.اللُّجَجِ ، إنَّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ أوحى إلى دانيال أنَّ أمقَتَ عبيدي إليَّ الجاهلُ المستخِفُّ بحقِّ أهل العلم ، التاركُ للاقتداء بهم ، وأنَّ أحَبَّ عبيدي إليَّ التقيُّ الطالبُ للثواب الجزيل ، اللازمُ للعلماء ، التابعُ للحلماء ، القابلُ عن الحكماء» .

قوله عليه السلام فيه : (إنّ اللّه َ ـ تبارك وتعالى ـ أوحى إلى دانيالَ أنّ أمْقَتَ عبيدي إليَّ الجاهلُ المستخِفُّ بحقّ أهلِ العلمِ ، التارِكُ للاقتداء بهم ، وأنّ أحَبَّ عبيدي إليَّ التَّقِيُّ الطالِبُ للثوابِ الجَزيلِ ، اللازمُ للعلماء ، التابعُ للحكماء ، القابلُ عن الحكماء) .
هذا بيان منه عليه السلام لما هو أعظم فوائد العلم وما يترتّب على تركه ، فإنّ مقت اللّه سبحانه ، المترتّبَ على تركه وحبّه تعالى لمن فيه الصفات المذكورة أمرٌ يسهل عنده بذل المهج وخوض اللجج .
و«الحكمة» تقدّم تفسيرها بأنّها طاعة اللّه ومعرفة الإمام عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : «وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ»۱ ؛ وبأنّها الفهم والعقل عن الكاظم عليه السلام في قوله
تعالى : «وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَـانَ الْحِكْمَةَ»۲ .
وفي القاموس : الحكمة ـ بالكسر ـ العدل ، والعلم ، والحلم ، والنبوّة ، والقرآن ، والإنجيل . ۳
وفي الصحاح : الحكم أيضا الحكمة من العلم ۴ ؛ والحكيم : العالم ، وصاحب الحكمة : المتقن للأُمور ۵ .
وفي المغرّب : والحكمة ما يمنع من الجهل ، وقيل : كلّ كلام وافق الحقّ ۶ . وهذه ترجع إلى قولهما عليهماالسلام ، وهو العمدة .
وتقديم الجاهل على المستخفّ لترتّب الاستخفاف على الجهل وترك الاقتداء مترتّب على الأمرين . وفي تقديم «التقيّ» تنبيهٌ على أنّ من أرادَ ملازمة العلماء لينتفع بعلمهم ، ومتابعة الحكماء ليقبل عنهم ، ينبغى أن يتزوّد التقوى أوّلاً ويتّخذها مركباً وعدةً لتوجّهه إليهم ، وذخيرةً وزاداً في ملازمته لهم وغيرها ، وإلاّ فالملازمة والمتابعة والقبول ـ بمعنى الأخذ عنهم ـ لا تفيد شيئاً مع عدم التقوى .
ولعلّ في ذكر الحكماء بعد العلماء تنبيها على أنّه لا يكفي ملازمة من يسمّى عالماً ؛ بل إذا لازَمَ العالم لا يتّبعه إلاّ إذا كان حكيماً مطيعا للّه ، عاملاً بعلمه ، فإذا كان كذلك قبل عنه ، إن لم يكن بينهما مغايرة في الجملة .
وتكرير الحكماء بالاسم الظاهر دون المضمر لئلاّ يتوهّم أنّ القبول عن العلماء والحكماء معاً ، مع أنّ العلماء غير الحكماء لا ينبغي القبول عنهم .
والاتّحاد في العلماء والحكماء والتقارب محتملان . وإرادة الأنبياء والأوصياء من العلماء والحكماء كأنّها أظهر . ومعناه حينئذٍ ملازمتهم للعلم ومتابعتهم والقبول عنهم للحكمة ؛ واللّه أعلم .

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۸۵ ، باب معرفة الإمام والردّ إليه ، ح ۱۱ . والآية في سورة البقرة (۲) : ۲۶۹ .

2.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۵ ، كتاب العقل والجهل ، ضمن ح ۱۲ . والآية في سورة لقمان (۳۱) : ۱۲ .

3.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۹۸ (حكم) .

4.في «د» : «من العلم» بدل «والعلم» .

5.الصحاح ، ج ۵ ، ص ۱۹۰۱ (حكم) .

6.المغرّب ، ص ۱۲۴ (حكم) .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
246

۵.الحسين بن محمّد ، عن عليّ بن محمّد بن سَعْد ، رَفَعَه ، عن أبي حمزةَ ، عن عليّ بن الحسين عليه السلام ، قال :«لو يَعلمُ النّاسُ ما في طلب العلم لَطَلَبوه ولو بسَفْك المُهَجِ وخَوضِ

قوله عليه السلام في حديث أبي حمزة : (لو يَعلَمُ الناسُ ما في طلبِ العلمِ لَطَلَبوه ولو بسَفْكِ المُهَجِ وخَوْضِ اللُّجَجِ) .
«المهج» جمع مهجة ، وهي الدم ، ويقال لدم القلب . و«لُجّة الماء» ـ بالضمّ ـ : معظمه ، وهما كنايتان عن بذل أنفَس ما يكون وأعزّه على صاحبه ، وركوب أشقّ ما يكون وأصعبه .
والمعنى ـ واللّه أعلم ـ : لو علم الناس ما في طلب العلم من الفائدة والمنفعة وحصول السعادة الأبديّة ، لبذلوا في تحصيله أعزّ شيء عليهم ، ولو كان المبذول مهجهم ، أو تسبّبوا إلى تحصيله بذلك ، وسلكوا إليه أشقّ المسالك .
ولا يخطر ببال عارف بمواقع الكلام أنّ مثل هذا يظهر منه أنّ بذل النفس وإلقاءها إلى التهلكة في مثله جائز ، فإنّه مجرّد بيان ما ذكر مع أنّ طلب العلم الذي تحصل ۱ منه الفائدة يشترط كونه خاليا ممّا لا يجوز .
وبالجملة ، فهذا ممّا لا يخطر ببال من يعتدّ به . ويحتمل أن يكون المراد : ولو بسفك المهج لو كان يمكن بذله ، وخوض اللجج لو كان يمكن خوضها ، كما يقول الناس : اُعطيك حقّك ولو من عينى ، ولا اُعطيك ولو صعدت إلى السماء . والمراد من مثله الفعل على تقدير إمكان هذا الأمرُ ، والحثّ على فعله أو تركه .
ويحتمل وجهاً آخر ، وهو أنّ من تصوّر أمراً عظيماً وطلب تحصيله ، لا يلتفت في تحصيله إلى ما يحصل له من المشقّة حتّى لو كان في ذلك هلاكه ، فبشدّة تهالكه عليه لا يلتفت إلى ما ذكر. فلو علم الناس ما يترتّب على طلب العلم، لبذلوا مهجهم، ذاهلين عن كون بذلها ينبغي أولا ينبغي،ولخاضوا اللجج ذاهلين عن إمكان خوضها وعدمه . وحينئذٍ فالمعنى أنّ اللّه سبحانه أخفى عنهم كنه فائدة طلب العلم وإن ظهرت بوجه مّا ؛ لئلاّ يسلكوا ما لايليق سلوكه ؛ واللّه تعالى أعلم بمقاصد أوليائه .

1.في «ألف ، ب» : «يحصل» .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 90605
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي