299
الدرّ المنظوم من كلام المعصوم

۰.بـتَرْكه علمَه ، واتّباعِهِ الهوى وطولِ الأمـل ، أمّا اتّباعُ الهـوى فيَصُدُّ عـن الحقّ ،

وفي قوله عليه السلام : «بتركه علمه واتّباعه الهوى ...» فائدتان :
إحداهما : أنّ ترك ۱ علمه بسبب اتّباعه الهوى وطول الأمل ، والسببيّة تفهم من المقام ، فإنّه لولاهما لما ترك العلم ؛ إذ لو خالف النفس الأمّارة وهواها لفَعَلَ ما ينبغي فعله ، ولو قصر أمله بأن جعل الموت نَصْب عينه وعمل بقوله عليه السلام : «من أمّل أن يعيش غداً ، فقد أساء صحبة الموت ، ولم يؤمّل طول الحياة لما ترك العمل» ۲ ، وحديث : «اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً» ۳ ممّا ينتظم في هذا السلك ، فإنّ من قدر طول العيش أخّر ما يحصّله من الدنيا ولم يهتمّ له ، بخلاف من قدر أن يموت غداً ، فإنّه يبذل جهده فيما ينبغي من أعمال الآخرة .
وهذا أمتن الوجوه التي نقلها ابن الأثير في نحو هذا الحديث ؛ ۴ واللّه أعلم .
الثانية : أنّ من ترك شيئاً لأجل شيء آخر ينبغي أن يكون الباعث على تركه حصولَ فائدة له فيما جعله عوضاً عنه ، وهنا العوض اتّباع الهوى وطول الأمل ، وكلّ منهما مهلك وموجب لدخول النار ؛ لما ذكره عليه السلام من قوله : «أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ ، وطول الأمل يُنسي الآخرة» . وما هذا شأنه كيف يجعل عوضاً لتفويت مافيه دوام السعادة ؟ هل هذا إلاّ عين الجهل والغبن ، وعدم الحصول على شيء سوى الندم؟ والمراد أنّه جعل فائدة علمه عوضاً لاتّباع الهوى وطول الأمل .

1.في «ألف» : «تركه» .

2.ورد مضمونه في الكافي ، ج ۳ ، ص ۲۵۹ ، باب النوادر ، ح ۳۰ ؛ الزهد ، ص ۸۱ ، باب ذكر الموت والقبر ، ح ۲۱۷ ؛ والفقيه ، ج ۱ ، ص ۱۳۹ ، ح ۳۸۲ ؛ والأمالي ، للصدوق ، ص ۱۰۸ ، المجلس ۲۳ ، ح ۴ .

3.الفقيه ، ج ۳ ، ص ۱۵۶ ، ح ۳۵۶۹ ؛ كفاية الأثر ، ص ۲۲۶ ، باب ما جاء عن الحسن عليه السلام ... ؛ وسايل الشيعة ، ج ۱۷ ، ص ۷۶ ، ح ۲۲۰۲۶ ؛ بحارالأنوار ، ج ۴۴ ، ص ۱۳۹ ، باب جمل تواريخه وأحواله ... ، ح ۶ .

4.النهاية ، ج ۱ ، ص ۳۴۶ .


الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
298

۰.وإنَّ أهلَ النار لَيَتَأذّونَ من ريح العالم التارك لعلمه ، وإنَّ أشدَّ أهلِ النار نَدامةً وحسرةً رجلٌ دعا عبدا إلى اللّه ، فاستجاب له وقَبِلَ منه ، فأطاع اللّه ، فأدخَلَه اللّه ُ الجنّةَ وأدخَلَ الدَّاعِيَ النارَ

قوله عليه السلام فيه : (وإنّ أهلَ النارِ لَيَتَأذّونَ من ريحِ العالمِ التاركِ لعِلْمِه) .
في هذا ما يقصم الظهور لمن اعتبر ، نسأل اللّه العفو والعافية والتوفيق لما يحبّه ويرضاه ، فإنّ في كون أهل النار ـ مع ما هم فيه من شدائد العذاب ـ يعذّبون بريح هذا العالم ويشعرون به مالو تأمّله ذو عقل لجَاهَدَ نفسه على الثبوت على العمل أو ترك تحصيل العلم ، لا أنّه ينبغي له تركه ، فإنّه هو سبب الفوز بالسعادة الأبديّة إذا عمل به ، بل لتركه أشدّ القبيحين ، وهو العلم إذا لم يوطّن نفسه على العمل به بالنسبة إلى الجهل .
وبالجملة ، فهو غير معذور في ترك العمل مع العلم ، وترك العلم والعمل بعد أن أعطاه اللّه سبحانه القدرة على ذلك ، ولطف به ، وجعل بيده الاختيار ؛ واللّه أعلم .
قوله عليه السلام فيه : (وإنّ أشَدَّ أهلِ النارِ نَدامةً وحَسرةً رجلٌ دَعا عبداً إلى اللّه ِ ، فاستجابَ له وقَبِلَ منه ، فأطاعَ اللّه َ ، فأدْخَلَه اللّه ُ الجنّةَ ، وأدخَلَ الداعِيَ النارَ بِتَرْكِهِ عِلْمَه ، واتّباعِهِ الهوى وطولِ الأمَلِ ، أمّا اتّباعُ الهوى فيَصُدُّ عن الحقّ ، وطولُ الأملِ يُنسي الآخرةَ) . وجه زيادة الندامة والحسرة أنّه قد أتى بما يوجب الندامة والحسرة ، وهو ترك العمل بالعلم واتّباع الهوى وطول الأمل ، ويرى مع ذلك من كان هو السبب في إدخاله الجنّة بتعليمه إيّاه وقبوله منه ودخوله الجنّة ، فتزيد ندامته وحسرته من حيث دخوله الجنّة بسبب ما اكتسبه منه ، ودخولُه النار مع كونه داعياً ومعلّماً بسبب تركه ما علّمه غيره واتّباعه هواه وطول أمله .

  • نام منبع :
    الدرّ المنظوم من كلام المعصوم
    المساعدون :
    الدرایتي محمد حسین
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق/ 1388 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 114677
الصفحه من 715
طباعه  ارسل الي